حملة نهر بروت.. عندما أنقذ العثمانيون ملك السويد الذي لجأإليهم هرباً ممن الروس. (Others)
تابعنا

كانت الدولة العثمانية من أكبر الدول على مستوى العالم، واستمر وجودها 622 عاماً وسّعَت خلالها هيمنتها على مساحات شاسعة فوق قارات العالم القديم، وخاض العثمانيون خلال قرون حكمهم مئات الحروب التي تفاوتت نتائجها حسب قوة الدولة العثمانية.

وخلال فترة تراجع الدولة العثمانية برزت الحروب مع روسيا القيصرية على وجه الخصوص، إذ امتدّ الصراع بين الطرفين لمدة تقرب من 4 قرون، كان من ضمنها حرب حملة بروت التي كان لها نتائج مهمة للغاية، لأن العثمانيين كادوا حينها يأسرون القيصر الروسي.

وحملة نهر بروت إحدى أهم الحروب التركية-الروسية التي تمكنت خلالها الدولة العثمانية من تحقيق الانتصار على قيصر روسيا وجنوده من خلال فرض الحصار على معسكرهم وإجبارهم على الاستسلام وتقديم تنازلات سخية للأتراك، فضلاً عن تعزيز العلاقات التركية-السويدية بعد إعادة ملك السويد بأمان إلى بلاده.

الطريق إلى بروت

لعل من أهمّ الأسباب التي قادت الطرفين إلى الحرب، الرغبة الروسية في السيطرة على أراضي تُطِلّ على البحار الدافئة المتمثلة في بحر البلطيق شمالاً والبحر الأسود الذي يسيطر عليه العثمانيون جنوباً، وتحقيقاً لذلك وضع القيصر الروسي آنذاك بطرس الأكبر، خططاً لمهاجمة مملكة السويد أولاً، لكونها الحلقة الأضعف في الصراع إذا ما قورنت بالدولة العثمانية، وعليه بدأ بين عامَي 1700 و1721 صراع طويل وصعب سُمّي "حروب الشمال الكبرى" بين روسيا القيصرية من طرف، والسويد وبولندا من طرف آخر.

وللتحذيرات والتحريضات المتزايدة، نظّم الإمبراطور السويدي تشارلز الثاني عشر عام 1709 حملة عسكرية لغزو الأراضي الأوكرانية التي كانت منها تحكم روسيا القيصرية، لكنه تلقى هزيمة مذلة من الجيوش الروسية بقيادة بطرس الأول في معركة بولتافا صيف 1709، الأمر الذي دفعه هو وحاشيته إلى الفرار إلى قلعة بندر في الإمارة العثمانية التابعة لمولدافيا.

رفض السلطان العثماني أحمد الثالث المطالب الروسية المستمرة بإخلاء تشارلز، مما دفع القيصر الروسي بطرس الأول إلى إرسال قسم من الجنود الروس إلى الأراضي العثمانية، وبقي الجيش الروسي عند نهر بروت الفاصل بين رومانيا ومولدافيا، مما دفع السلطان العثماني إلى إعلان الحرب على روسيا في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 1710. إلا أن بعض المؤرخين رأى أن السبب الفعلي كان رغبة العثمانيين في استعادة قلعة آزوف من روسيا.

طبول الحرب تُقرع على ضفاف نهر بروت

بالتزامن مع هذه الأحداث، جاء إلى منصب الصدر الأعظم بلطجي محمد باشا، وكان عليه أن يتعامل مع مسألتين مهمتين مرتبطتين ارتباطًا وثيقاً، مثل توفير الأمان لتشارلز ملك السويد الذي لجأ إليه، والذي كان يبلغ من العمر 21 عاماً فقط، والثانية تكمن في إعادة العلاقات التي تدهورت بسبب عدم امتثال روسيا لشروط السلام.

على أثر ذلك قاد الصدر الأعظم بلطجي محمد باشا جيشاً عثمانياً قوامه 120 ألف جندي، وتوجه قاطعاً نهر بروت في شرق أوروبا حيث كان في انتظاره الجيش الروسي بقيادة بطرس الأكبر، وما إن بلغ الجيش العثماني تخوم المعسكر الروسي حتى فرض حصاراً عليه من جميع الأطراف.

خلال الحصار كان بإمكان الجيش العثماني أسر القيصر الروسي نفسه وربما القضاء على الإمبراطورية القيصرية نهائياً، إلا أن قيادة الجيش العثماني لم تكن مستعدة للهجوم على الجيش الروسي، واكتفت بإجبار القيصر وجنوده على الاستسلام وتقديم تنازلات سخية للأتراك.

معاهدة الاستسلام

في ظل حصار العثمانيين وتوارد الأخبار عن تشكُّل تحالف جديد لمهاجمة الجيش الروسي المحاصَر، وافق القيصر الروسي بطرس الأكبر على الاستسلام في 22 يوليو/تموز 1711، فأرسل مندوباً عنه إلى بلطجي محمد باشا لمناقشة شروط الهدنة وحجم التنازلات التي سيقدمونها.

ومع توقيع معاهدة بروت، أعيدت قلعة آزوف ومحيطها إلى العثمانيين بعد أن خسروها عقب هزيمة حرب عام 1696 وأُجبِرُوا على التنازل عنها رسمياً خلال معاهدة إسطنبول التي وُقّعت عام 1700.

نتيجة لهذا الانتصار، وبينما قدّم الروس تعهدات بعدم تدخُّلهم في شؤون القوقاز وتأجيج الصراع الديني هناك، وأُبعِدَ خطرهم عن البحر الأسود، عظمت الآمال في إعادة الأراضي التي خسرتها في الحرب الأخيرة، فضلاً عن تعزيز العلاقات مع المملكة السويدية.

TRT عربي