عملية "السّاق الخشبية".. مجزرة إسرائيلية على الأراضي التونسية (Getty Images)
تابعنا

لطالما كان تاريخ الاحتلال الإسرائيلي حافلاً بالجرائم والمجازر التي تعدّت حدودها تراب الأراضي الفلسطينية، لتصل إلى كافة بقاع الأرض لتصفية خصومها والمناهضين لها ومقاوميها أينما كانوا.

وتُعتبر مجزرة مدينة حمام الشّط التونسية التي استهدفت فيها الطائرات الإسرائيلية اجتماعاً لقادة فلسطينيين، كسابقة خطيرة في تاريخ تونس، وراح ضحيتها عدد كبير من التونسيين والفلسطينيين.

ملحمة نضال مشتركة بين التونسيين والفلسطينيين

بعد انتقال منظمة التحرير الفلسطينية عام 1982 للاستقرار في تونس قادمة من لبنان بعد الاجتياح الإسرائيلي له، اختار أغلب القادة الفلسطينيين الإقامة بمدينة حمام الشط الساحلية الواقعة بالضاحية الجنوبية للعاصمة.

وواصل في الأثناء الاحتلال الإسرائيلي تجنيد عملائه وقنواته الخاصة لرصد تحركات القادة الفلسطينيين ومخططاتهم، بعد أن كان قد أصدر قراراً صيف 1985 بتصفية كل القادة الفلسطينيين وتسخير كل الوسائل في ذلك.

وسرعان ما تمكّنت المخابرات الإسرائيلية، من الوصول إلى معلومات دقيقة وسريّة حول اجتماع خاص لمنظمة التحرير الفلسطينية، في مقر القيادة العامة بمدينة حمام الشط الهادئة، دُعي إليه أغلب قادتها ورموزها، وعلى رأسهم الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.

إلا أنّ الاجتماع المقرر صباح يوم الثلاثاء 1 أكتوبر/تشرين الأول عام 1985 تأجّل في ذلك اليوم إلى المساء، لأنّ عدداً من كبار الضباط الفلسطينيين المدعوّين للحضور لم يتمكنوا من الوصول إلى تونس بسبب حجوزات الرحلات الجوية.

وكان عرفات حينها من بين المغادرين للقاعة في اللحظات الأخيرة، قبل أن تشنّ ثماني طائرات هجوماً عنيفاً ومفاجئاً، وبدأت في قصف المقر بستّة صواريخ، دمّرت المكان بالكامل وسوّته بالأرض. وأسفرت عن قتل نحو 68 شخصاً بين فلسطيني وتونسي، وأصيب أكثر من 100 آخرين، إضافة إلى تسجيل خسائر مادية تفوق 8.5 مليون دولار.

وبينما كانت المجزرة الفظيعة في ذلك اليوم، أقوى ضربة تتلقاها القيادة الفلسطينية، وأعنف هجوم صاروخي في تاريخ تونس، فقد كانت في الوقت ذاته محطة إنسانية فارقة في القضية الفلسطينية، كما يعتبرها كثيرون، حين اختلطت دماء شعبي البلدين الشقيقين. واعتبر محللون أنّ إسرائيل قد ساهمت بعملية "السّاق الخشبية" في صناعة حدث عربي وقومي مهم.

اعتراف إسرائيلي وإدانة دولية

بعد وقوع الحادثة التي تناقلتها حينها المحطات الإعلامية المحلية والأجنبية بكثافة، سارعت إسرائيل إلى تبنّي الغارة زاعمة أنها تندرج في إطار "حق الدفاع عن النفس". وبارك حينها المتحدث الرسمي باسم البيت الأبيض لاري سبيكس، جريمة إسرائيل.

فيما احتفت وسائل الإعلام العبرية بمقتل جميع القادة الفلسطينيين، أذاعت خبر وفاة الرئيس الراحل ياسر عرفات في عملية "الساق الخشبية". ولكنّ الأخير ظهر مساء ذات اليوم، أمام عدسات الكاميرا لينفي الخبر ويتوعّد بالردّ القريب على الهجوم.

وانطلقت إثر ذلك مسيرات حاشدة جابت الشوارع التونسية، أياماً متواصلة لإدانة المجزرة التي وقعت في حق التونسين والفلسطينيين على حدّ سواء.

ونجح الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة بدوره في انتزاع اعتراف مجلس الأمن والولايات المتحدة وإدانتهما للجريمة الإسرائيلية، والإقرار بحق تونس في التعويضات، وذلك بعد أن هدد بورقيبة بقطع العلاقات الديبلوماسية مع الولايات المتحدة إذا ما استعملت حقّ الفيتو ولم تُدِن إسرائيل في مجلس الأمن.

ولم تكن عملية "السّاق الخشبية" هي الأخيرة التي نفّذها الاحتلال الإسرائيلي على الأراضي التونسية، حيث تبعها اغتيال القيادي في حركة فتح خليل الوزير (أبو جهاد)، وكان آخرها تصفية المهندس محمد الزواري الذي ثبت بعد ذلك انتماؤه إلى حركة المقاومة الإسلامية حماس.

TRT عربي