خسائر بالآلاف ومعركة لا تتوقف.. لماذا هذا الإصرار على مدينة باخموت؟ / صورة: AFP (Aris Messinis/AFP)
تابعنا

على الرغم من الخسائر الفادحة في الجنود والعتاد، لا تزال القوات الأوكرانية تحاول السيطرة على باخموت. فيما يشير الجنود والمحللون إلى أن الدفاع عن المدينة أصبح قضية سياسية أكثر منها عملية عسكرية، لاستمرار الضغط الروسي.

الخسائر الفادحة التي حولت المدينة إلى أطلال مشتعلة ليست حكراً على الجانب الأوكراني وحسب، بل نالت أيضاً من القوات الروسية التي تقودها ميليشيات فاغنر. لكن الفارق الجوهري في هذه المسألة هو أن أوكرانيا تخسر خيرة جنودها وأكثرهم خبرة، فيما معظم خسائر الروس تتركز في المساجين الذين يعملون في صفوف فاغنر.

ومع تدهور جودة القوة العسكرية الأوكرانية، التي كانت تعتبر في السابق ميزة كبيرة، بعد عام من الحرب التي أدت إلى إخراج عديد من المقاتلين الأكثر خبرة من ساحة المعركة، كشف مسؤولون عسكريون أوكرانيون وأمريكيون عن مخاوفهم من قدرة كييف على تنفيذ هجوم الربيع الواسع الذي طال انتظاره.

ما سر باخموت؟

لمدة تسعة أشهر، فرضت روسيا حصاراً على باخموت من أجل إسقاطها، وذلك على الرغم من أن الاستيلاء على المدينة الواقعة في جنوب شرق أوكرانيا لن يفعل شيئاً يذكر لتغيير مسار الحرب. فيما شهدت الأسابيع الأخير تركز القتال في باخموت، لا سيما وأن كييف لا زالت تصر على الدفاع باستماتة عن المدينة التي تقول واشنطن إنها غير مهمة من الناحية الاستراتيجية، فضلاً عن إن استنفاد القوات الأوكرانية للجنود والذخيرة في هذا الموقع من شأنه أن يضرّ بخطط الهجوم المضاد الكبير في الربيع.

وعانى الجانبان من خسائر فادحة حولت بدورها المدينة إلى أطلال مشتعلة، لكن أوكرانيا تكبدت خسائر كبيرة في الدفاع عن المدينة فيما تعلن القوات البرية التي تقودها مجموعة فاغنر الروسية مكاسب وتشير إلى إمكانية تطويق المدينة قريباً.

والأسبوع الماضي، برر القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية أهمية الدفاع عن المدينة بقوله إن الدفاع عن باخموت أساسي للحفاظ على "الاستقرار على الخطوط الأمامية" لجبهة القتال في شرق أوكرانيا. وأضاف قائلاً: "العملية الدفاعية في هذه المنطقة ذات أهمية استراتيجية قصوى لردع العدو. إنها أساسية لاستقرار عملية الدفاع عن الجبهة بأكملها".

وفي سياق متصل، قال وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن: "أنا بالتأكيد لا أريد أن أستبعد الجهد الهائل الذي بذله الجنود والقادة الأوكرانيون للدفاع عن باخموت، لكنني أعتقد أنه ذو قيمة رمزية أكثر من كونه قيمة استراتيجية وتشغيلية".

خسائر بالآلاف

قدر المسؤولون الأمريكيون والأوروبيون أن ما يصل إلى 120 ألف جندي أوكراني قتلوا أو جُرحوا منذ بدء الغزو الروسي أوائل العام الماضي، مقارنة بنحو 200 ألف على الجانب الروسي، الذي يضم جيشاً أكبر بكثير ويبلغ عدد سكانه ثلاثة أضعاف التعداد الأوكراني تقريباً، وفقاً لما نقلته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية.

وبصرف النظر عن الإحصاءات، أدى تدفق المجندين عديمي الخبرة، الذين جرى جلبهم لسد الخسائر، إلى تغيير صورة القوة الأوكرانية، التي تعاني أيضاً من نقص أساسي في الذخيرة، بما في ذلك قذائف المدفعية وقذائف الهاون، وفقاً لأفراد الجيش في الميدان.

إذ قال قائد كتيبة في لواء الهجوم الجوي 46، الذي لم يكشف عن اسمه: "إن الشيء الأكثر قيمة في الحرب هو الخبرة القتالية. الجندي الذي نجا ستة أشهر من القتال والجندي الذي جاء من ميدان الرماية مختلفان كما السماء والأرض". وأضاف: "لا يوجد سوى عدد قليل من الجنود ذوي الخبرة القتالية. لسوء الحظ، كلهم قُتلوا أو جُرحوا".

ما مصير الهجوم المضاد؟

لقد أدت مثل هذه التقييمات المروعة إلى انتشار تشاؤم ملموس، وإن لم يكن معلناً في الغالب، من الخطوط الأمامية إلى أروقة السلطة في العاصمة كييف. فمن شأن استنفاد القوات الأوكرانية للجنود والذخيرة في باخموت أن يضرّ بخطط الهجوم المضاد الكبير في الربيع، ما يزيد تعميق الخلافات وراء الكواليس بين واشنطن وكييف بشأن أهداف الحرب، وتلوح بؤر التوتر المحتملة حول كيف ومتى سينتهي الصراع.

كما أن عدم قدرة أوكرانيا على تنفيذ هجوم مضاد كبير وواسع فيه من شأنه أن يغذي انتقادات جديدة بأن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين انتظروا طويلاً، حتى تتدهور القوة بالفعل، لتعميق برامج التدريب وتوفير مركبات قتال مصفحة، بما في ذلك الدبابات القتالية من طرازَي "برادلي" و"ليوبارد".

وحسب مسؤول أمريكي تحدث لواشنطن بوست، فإن الوضع في ساحة المعركة الآن قد لا يعكس الصورة الكاملة للقوات الأوكرانية ، لأن كييف تدرب القوات للهجوم المضاد القادم بشكل منفصل وتتعمد منعهم القتال الحالي، بما في ذلك الدفاع عن باخموت.

فيما أشار رئيس المكتب الرئاسي الأوكراني أندري يرماك إلى أن حالة القوات الأوكرانية لا تقلل تفاؤله بشأن هجوم مضاد قادم. وأضاف قائلاً: "لا أعتقد أننا استنفدنا إمكاناتنا. أعتقد أنه في أي حرب، يأتي وقت يتعين عليك فيه إعداد أفراد جدد، وهو ما يحدث الآن".


TRT عربي