"حرب كرة القدم" التي اندلعت بين السلفادور وهندوراس بسبب هدف في مباراة التأهل إلى كأس العالم 1970. (sports illustrated) (Others)
تابعنا

كل أربع سنوات، يتحول انتباه العالم إلى كأس العالم لكرة القدم، أهم حدث رياضي عالمي. وبينما يبقى العمل على أرض الملعب بالنسبة للجزء الأكبر عندما يتنافسون على الجائزة المرموقة، لكنه في بعض الأحيان يتحول الحدث إلى صراع بين الدول قد يقود إلى حرب دموية.

في عام 1969، اندلعت التوترات المستمرة منذ فترة طويلة بين هندوراس والسلفادور، اللتين كانتا تتنافسان على مكان في نهائيات كأس العالم 1970 التي ستقام في المكسيك، في أعمال عدائية مفتوحة سُميت باسم "حرب كرة القدم" أو "حرب الـ100 ساعة".

فقد اشتعلت أعمال الشغب بين مشجعي البلدين في أعقاب المباراة الأولى التي جرت في العاصمة الهندوراسية تيغوسيغالبا يوم 8 يونيو/حزيران 1969، والتي فازت بها هندوراس 1-0. وعندما فازت السلفادور بالمباراة الثانية يوم 15 يونيو/حزيران في العاصمة السلفادورية سان سلفادور، تبع ذلك المزيد من العنف. لتتفجر الأوضاع تماماً بفوز السلفادور بعد المباراة الفاصلة التي أقيمت في مكسيكو سيتي في 26 يونيو/حزيران، وفازت بها السلفادور 3-2 بعد وقت إضافي.

وعلى الرغم من أن نتائج مباريات التصفية الثلاث التي لُعبت منتصف عام 1969 كانت الشرارة التي أشعلت الصراع، إلا أن الحرب نشأت من توترات أعمق بكثير من الرياضة وأعمال الشغب التي رافقتها، إليكم في هذا التقرير الحكاية كاملة..

أصل الحكاية

خلال العقود الأولى من القرن العشرين، هاجر آلاف من موطنهم الأم السلفادور إلى هندوراس المجاورة. كان هذا إلى حد كبير بسبب أن عناصر نخبةٍ من ملاك الأراضي في البلاد لا يتركون من الأراضي سوى القليل للغاية للمزارعين الفقراء، وكانت الأراضي رخيصة في هندوراس التي تبلغ مساحتها 5 أضعاف السلفادور، ويقل عدد سكانها بنحو مليون نسمة عن سكان السلفادور البالغ عدد سكانها آنذاك نحو 3 ملايين نسمة.

وبحلول عام 1969، كان ما يقرب من 350 ألف سلفادوري يقيمون على الحدود في الجزء الهندوراسي. خلال الستينيات، بدأ وضعهم في التدهور عندما حاولت حكومة الجنرال أوزوالدو لوبيز أريلانو البقاء في السلطة، وذلك بعد مزيج من النزاعات الحدودية والتوترات الطبقية، الأمر الذي دفع هندوراس في بداية عام 1969 إلى إطلاق ثورة زراعية من أجل امتصاص الغضب الشعبي الذي كان يطالب باستعادة كل الأراضي الحدودية التي يستغلها السلفادوريون، وهو ما تسبب بأزمة اجتماعية كبيرة لحكومة السلفادور التي وجدت نفسها مجبرة على استقبال مواطنيها العائدين من هندوراس.

ومع تصاعد حدة التوترات بين البلدين، جاءت المباريات الثلاث لتمهيد الطريق أمام الحرب. كانت المباريات الثلاث التي أقيمت في يونيو/حزيران 1969 بمثابة "الحافز الذي ساعد على إشعال حالة قابلة للاشتعال بالفعل"، وفقاً لما قاله المؤلف إدواردو جاليانو حول التوتر الذي امتد من المباريات إلى وقوع حرب حقيقية.

حرب الـ 100 ساعة

بدأت الحرب في وقت باكر من صباح يوم 14 يوليو/تموز 1969 عندما ضربت القوات الجوية السلفادورية أهدافاً في هندوراس. جاء ذلك بالتزامن مع هجوم بري كبير تمركز على الطريق الرئيسي بين البلدين. على الرغم من تصدي جيش هندوراس الأصغر، تقدمت القوات السلفادورية بثبات واستولت على عاصمة المقاطعة نويفا أوكوتيبيك.

لكن في السماء، كان أداء هندوراس أفضل حيث سرعان ما دمر طياروها الكثير من القوات الجوية السلفادورية، حيث ردت القوات الجوية الهندوراسية بقصف استراتيجي لمصافي النفط ومراكز القوة الرئيسية في السلفادور، ما تسبب بمشاكل لوجستية للقوات السلفادورية أعاق تقدمها.

وكما هو حال الحروب كافة، خلفت الحرب بين البلدين مقتل ثلاثة آلاف شخص بينهم مدنيون، وأكثر من 15 ألف جريح وآلاف المشردين، بالإضافة إلى تسببها في خسائر مالية قُدرت بنحو 8 مليارات دولار. وكانت إحدى أهم أسباب نشوب حرب أهلية في السلفادور، فضلاً عن توقف الحركة التجارية بين البلدين بسبب إغلاق حدودهما، ما أثر بالسلب علىعمليات السوق المشتركة لأمريكا الوسطى التي توقفت لمدة اثنين وعشرين عاماً.

عودة السلام

في نهاية اليوم الرابع للحرب، ومع نفاد الذخيرة من كلا الجانبين، تمكنت منظمة الدول الأمريكية (OAS) التي تفاوضت على وقف إطلاق النار ليلة 18 يوليو/تموز من تهدئة الأوضاع وتحقيق وقف كامل لإطلاق النار دخل حيز التنفيذ في 20 يوليو/تموز، أعقبه بعد ذلك انسحاب القوات السلفادورية في أوائل أغسطس/آب.

وبعد 11 عاما من الحرب التي راح ضحيتها الآلاف بين قتيل وجريح، وخلفت خسائر بالمليارات، وقعت الدولتان معاهدة سلام في 30 أكتوبر/تشرين الأول 1980 لاحتواء القضية أمام محكمة العدل الدولية.

كما التقى منتخبا البلدين بعد ذلك في عدة مباريات رسمية دون وقوع أي مشاكل في المدرجات أو خارجها، ونجح الفريقان فيما بعد في التأهل معاً لكأس العالم بإسبانيا في عام 1982.

TRT عربي