تابعنا
يشعر العلماء بالقلق من أن تصل درجة حرارة العالم إلى مستويات جديدة بحلول نهاية العام المقبل، نتيجة هذا التسارع في ارتفاع درجات الحرارة، بالإضافة إلى إمكانية حدوث ظواهر جوية أخرى.

في وقت يعجز العالم فيه عن التخفيف من حدة تغير المناخ، بدأت تبرز تحذيرات جدية من طقس حارّ في عدد من الأماكن ضمن قارات مختلفة، قد يكون أكثر تطرفاً من أي وقت مضى.

في نهاية أبريل/نيسان 2023 حددت دراسة بريطانية حديثة المناطق المعرّضة لخطر حدوث "حرارة غير عادية" في صيف هذا العام، وحذرت من أن الاحتباس الحراري سينتج عنه طقس حار خطير في كل قارة.

موجات حارة

الدراسة التي نشرتها مجلة Nature Communications حللت درجات الحرارة اليومية القصوى حول العالم بين عامي 1959 و2021، مشيرة إلى أنّ 31% من المناطق شهدت ارتفاعاً في الحرارة، ما جعلها مستعدة لموجات الحر مستقبلاً.

تشمل المناطق المعرضة للخطر بشكل خاص أقصى شرق روسيا وشمال غرب الأرجنتين وجزءاً من شمال شرق أستراليا.

ولكن يوجد عديد من المناطق التي لم تتعرض لمثل هذه الحرارة الشديدة من قبل، لذلك قد لا تكون مستعدة لمثل هذا السيناريو، مثل ألمانيا وهولندا وبلجيكا ولوكسمبورغ، بالإضافة إلى بكين الصينية.

كما تشمل الدراسة أيضاً دولاً نامية مثل أفغانستان وغواتيمالا وهندوراس وبابوا وغينيا الجديدة، التي من المرجح أنها تفتقر إلى الموارد للحفاظ على سلامة الناس.

وبدأت هذه الموجة الحارة مبكراً، ففي إسبانيا على سبيل المثال التي وصلت درجة الحرارة في 27 أبريل/نيسان إلى ما يزيد على 38 درجة مئوية، وهو وضع يقلق السلطات في هذا البلد الذي يُعتبر في مقدمة الدول التي تعاني من ظاهرة الاحتباس الحراري في أوروبا.

وفي ذلك اليوم، ونحو الساعة 15:00 بتوقيت غرينتش، ارتفعت الحرارة إلى 38.7 درجة في قرطبة، حسب بيانات مصلحة الأرصاد الجوية التي عدلت توقعاتها بشكل طفيف بعدما كانت تحدثت عن 40 درجة في مطلع ذات الأسبوع.

وقال روبن ديل كامبو المتحدث باسم الأرصاد الجوية: "بسبب شدتها وطبيعتها المبكرة فإن الموجة التي تشهدها البلاد منذ أيام تدخل في إطار تداعيات التغير المناخي"، مضيفاً: "من المحتمل أن يكون أبريل/نيسان 2023 ضمن أحد اثنين من أشهُر أبريل/نيسان الأشد حراً" منذ بدء تسجيل درجات الحرارة.

وبعيداً قليلاً عن القارة العجوز، أكدت دراسة علمية نُشرت في 27 أبريل/نيسان 2023 أن جفافاً شديداً يضرب القرن الإفريقي نجَم عن تضافر غير مسبوق لنقص الأمطار وارتفاع درجات الحرارة، وهو ما كان ليحدث لولا انبعاثات الغازات الدفيئة، مما جعل نحو 4.35 مليون شخص في تلك المنطقة في حاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية.

ووجد فريق من علماء المناخ الدوليين من مجموعة world weather attribution المعرفة اختصاراً بـWWA أن زيادة انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري تجعل حدوث الجفاف أكثر احتمالاً بما لا يقل عن مئة مرة.

وأشارت الدراسة إلى أنّ التغير المناخي أثّر "بشكل طفيف في كميات الأمطار السنوية" الأخيرة في المنطقة، إذ تشهد دول القرن الإفريقي الأوسع (إثيوبيا وإريتريا والصومال وجيبوتي وكينيا والسودان) منذ نهاية عام 2020 أسوأ موجة جفاف في تاريخها منذ أربعين عامًا.

في الأثناء، أثار الارتفاع المتسارع في درجات حرارة المحيطات حول العالم مؤخراً قلق العلماء، خوفاً من زيادة آثار الاحتباس الحراري.

وحسب ما نشرت BBC في 25 أبريل/نيسان 2023، سجل المؤشر العالمي لقياس درجة حرارة سطح البحر أرقاماً قياسية جديدة ذلك الشهر، إذ لم تصل حرارة مياه البحر إلى هذه السخونة من قبل بهذا التسارع، دون أن يملك العلماء تفسيرات وافية حول أسباب ما يحدث.

ويشعر العلماء بالقلق من أن تصل درجة حرارة العالم إلى مستويات جديدة بحلول نهاية العام المقبل، نتيجة هذا التسارع في ارتفاع درجات الحرارة، بالإضافة إلى إمكانية حدوث ظواهر جوية أخرى.

ويعتقد الخبراء أنه من المتوقع أن يشهد العالم خلال الأشهر المقبلة آثار ظاهرة النينو المناخية، التي تؤدي إلى تسخين مياه المحيط، حسب ذات المصدر.

خطورة التغير المناخي

ويعلق رئيس حزب البيئة العالمي الدكتور دوميط كامل على هذه الدراسات والتطورات في حديثه مع TRT عربي قائلاً: "كل ما يجري مرتبط بالتغير المناخي العالمي الذي تتغافل الدول عن مواجهته بشكل علمي حتى الآن".

ويشير تغير المناخ إلى التحولات طويلة الأجل في درجات الحرارة وأنماط الطقس. وأحياناً يمكن أن تكون هذه التحولات طبيعية بسبب التغيرات في نشاط الشمس أو الانفجارات البركانية الكبيرة.

ولكن منذ القرن التاسع عشر كانت الأنشطة البشرية هي المحرك الرئيسي لتغير المناخ، ويرجع ذلك أساسًا إلى حرق الوقود الأحفوري مثل الفحم والنفط والغاز، وفق ما يوضح موقع الأمم المتحدة.

وتقول المنظمة الأممية: "ينتج عن حرق الوقود الأحفوري انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي تعمل مثل غطاء ملفوف حول الأرض، مما يؤدي إلى حبس حرارة الشمس ورفع درجات الحرارة".

وتشمل الغازات الدفيئة الرئيسية التي تسبب تغير المناخ ثاني أكسيد الكربون والميثان، وتأتي هذه من استخدام البنزين لقيادة السيارة أو الفحم لتدفئة مبنى، على سبيل المثال.

ويمكن أن يؤدي تطهير الأراضي وقطع الغابات أيضًا إلى إطلاق ثاني أكسيد الكربون، كما تعتبر عمليات الزراعة والنفط والغاز من المصادر الرئيسية لانبعاثات غاز الميثان، وفق ذات المصدر.

وأوضح خبير البيئة اللبناني دوميط كامل في حديثه لـTRT عربي أن مؤتمر باريس (نوفمبر/تشرين الثاني 2022)، الذي كان يؤمل أن يشكل بداية تحديد ارتفاع درجة الحرارة على سطح الأرض، فشل بسبب عدم التزام الدول التوصيات التي صدرت عنه.

وبيَّن أن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا أخذتا القرار الصعب ووضعتا شروطاً قاسية لشركاتها ودفعتا الأموال من أجل حماية البيئة. لكن في المقابل "هناك دول متدهورة، خصوصاً في المنطقة العربية مثل العراق ولبنان، وأيضاً في شرق آسيا"، وفق ما قاله كامل.

وتطرَّق كامل إلى أنهار دجلة والفرات والنيل والليطاني التي تحولت إلى مكبات صرف صحي بامتياز، ما أدى إلى خسارة كميات هائلة من المياه العذبة المطلوبة لحماية البيئة بشكل عام.

وعلى صعيد الشرق الأوسط، أشاد كامل بالدولة التركية، قائلاً: "لديها استراتيجية جيدة لإنتاج طاقة نظيفة وتسخين المياه على الطاقة الشمسية، وتوجد في تركيا مساحات خضراء معتنى بها، إضافة إلى حفاظ الحكومة على الثروة المائية".

وعن توقعاته القادمة يقول الخبير البيئي: "مستقبلاً سيكون هناك اضطراب غير عادي، سنجد ثلوجاً وأمطاراً في أماكن أو احتراراً في مناطق لم نكن نتوقع أن يحدث فيها هذا الأمر".

وأردف: "إذا قررنا أن نضع استراتيجيات لنحمي الكوكب، فسنحتاج إلى 10 سنوات على الأقل للحصول على نتائج فعالة".

وبخصوص الحلول المقترحة، يقول كامل: "نحتاج إلى تغيير نمط الحياة عبر القضاء على الملوثات ووضع استراتيجيات جديدة، والموازنة بين الحاجة لتأمين الطاقة والمحافظة على البيئة".

TRT عربي