تابعنا
توفي وزير الدفاع الأمريكي الأسبق دونالد رامسفيلد يوم الأربعاء 30 يونيو/حزيران الماضي في مدينة تاوس، نيو مكسيكو، عن عمر يناهز 88 عاماً، تاركاً وراءه إرثاً مثيراً للجدل ارتبط بدوره في حربَي العراق وأفغانستان.

كواحد من بين أهم أسماء السياسيين المحافظين والصقور في الولايات المتحدة الأمريكية، رُشح رامسفيلد لعدة مناصب طيلة 6 عقود، وذلك خلال فترة حكم أربعة رؤساء، وهم ريتشارد نيكسون الذي عينه سفيراً للولايات المتحدة لدى حلف شمال الأطلسي (الناتو) وجيرالد فورد ورونالد ريغان وجورج دبليو بوش.

وشغل دونالد رامسفيلد منصب وزير الدفاع الأمريكي لأول مرة في عهد الجمهوري جيرالد فورد، بين سنتي 1975 و1977، فترة الحرب الباردة، كأصغر وزير حينها يبلغ من العمر 43 عاماً. وأطلق خلال فترة قيادته للجيش الأمريكي برامج مبتكرة مثل القاذفة الاستراتيجية B-1، وصواريخ كروز، وخطة إعادة تسليح بحرية واسعة، فساعد ذلك الولايات المتحدة للفوز على الاتحاد السوفييتي.

ثم عُين في المنصب ذاته بين عامي 2001 و2006، خلال فترة إدارة الجمهوري جورج دبليو بوش، كأكبر وزير سناً عن عمر يناهز 74 عاماً.

دونالد رامسفيلد، سفير جديد للولايات المتحدة لدى منظمة حلف شمال الأطلسي، يؤدي اليمين الدستورية أمام رئيس المحكمة العليا وارين إ. برجر ، خلال حفل أقيم في البيت الأبيض في 2 فبراير/شباط 1973. بحضور الرئيس ريتشارد نيكسون وزوجته جويس رامسفيلد. (Others)

ويعتبره كثيرون واحداً من بين أقوى رؤساء البنتاغون، الذي قاد أهم الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة. واشتهر اسمه بكونه المهندس الأول للحروب، وعُرف كمرتكب لأفظع الجرائم الإنسانية خلال فترة قيادته لوزارة الدفاع الأمريكية.

رامسفيلد.. صقر الحرب

عقب الأحداث الإرهابية الشهيرة، التي أطاحت ببرجي التجارة في الولايات المتحدة الأمريكية في 11 سبتمبر/أيلول 2001، وتسببت في مقتل نحو 3000 شخص، شن الجيش الأمريكي بقيادة دونالد رامسفيلد حرباً كبيرة على أفغانستان بعد شهر من الحادثة، للإطاحة بنظام طالبان المتهم بإيواء تنظيم القاعدة وزعيمه أسامة بن لادن المتهم بمسؤوليته عن الهجمات الإرهابية. إلا أنه رغم تمكن أمريكا بالتعاون مع دول أخرى من حلف الناتو من الإطاحة بسلطة طالبان، لم تتمكن من القضاء على مسلحيها، لتستمر الحرب الدامية إلى اليوم.

وبعد سنتين من الأحداث الدامية في أفغانستان، قاد وزير الدفاع الأمريكي الأسبق دونالد رامسفيلد الحرب على العراق التي ارتبط بها اسمه إلى اليوم، والتي انطلقت منذ عام 2003 ليدوم الغزو الأمريكي للعراق قرابة 9 سنوات.

فمن دون موافقة مجلس الأمن الدولي، وبتعلة وجود أسلحة دمار شامل، شن الجيش الأمريكي حرباً ضخمة على العراق أسقط فيها حكم رئيسها صدام حسين وتسببت في انهيار الدولة العراقية، وانتشار المليشيات المسلحة والإرهابية فيها إلى اليوم، وسقوط الآلاف من الضحايا من المدنيين والأبرياء، وأدت إلى هدم البنية التحتية.

وارتكبت خلال فترة قيادة رامسفيلد للحرب على العراق، جرائم إنسانية فظيعة. وكشفت تحقيقات دولية في أبريل/نيسان 2004 عن إشراف رامسفيلد على أعمال التعذيب للمساجين العراقيين والتنكيل بهم في أثناء الاستجواب والتحقيق في سجين أبو غريب الشهير.

ويغادر اليوم رامسفيلد ملاحقاً بإرثه في أفظع الحروب، من دون أن يشهد نهاية الحرب في العراق التي خطط لها وأدارها، والتي كانت تكلفتها باهظة لواشنطن، إذ تسببت لها في مقتل 4400 أمريكي ومبالغ ضخمة بقيمة 700 مليار دولار. فسماها بعضهم مستنقع الولايات المتحدة، وجيشت الرأي العام الدولي والداخلي ضدها.

هل أخفق رامسفيلد؟

أجبر رامسفيلد على تقديم استقالته سنة 2006، معلناً أن الحرب على الإرهاب قد أسيء فهمها، وجاء قرار الاستقالة بعد أن كشف تقرير لمجلس الشيوخ الأمريكي أنه لا توجد حقيقة أسلحة دمار شامل في العراق ونفى علاقتها بتنظيم القاعدة، وتزايدت الانتقادات لإدارة رامسفيلد للحرب. لكن ذلك كله لم يمنعه من مواصلة الإصرار على تبرير موقفه من قرار الحرب.

حتى أنه اعتبر لاحقاً أن التمكن من الإطاحة بحكم صدام حسين كان يستحق كل الجهود التي بذلتها الولايات المتحدة.

وخلال مغادرته البنتاغون حذر رامسفيلد من تخفيف سياسات المحافظين الجدد التي قادت الولايات المتحدة إلى الحرب على العراق.

طالت سياسات مهندس الحروب الشهير انتقادات لاذعة وإدانة واسعة، واتهمه بعض الجنرالات المتقاعدين بعدم الكفاءة والغطرسة في إدارة الملفات، ووجهت إليه تهم بإخفاء حقائق الجرائم والأخطاء التي تم ارتكابها في فترة ما بعد الحرب الباردة.

وفي السياق ذاته، أدانه مركز الحقوق الدستورية بنيويورك باعتباره مهندس البرنامج الأمريكي للتعذيب، واتهم بسماحه للجنود باستخدام الكلاب وأبشع أنواع التنكيل والإذلال في معتقل غوانتانامو.

TRT عربي