ليلة حارة، كأي ليلة من ليالي يوليو/تموز الحارة في تركيا عام 2016، المعظم في المنازل، والبعض في العمل، وآخرون خونة بدؤوا تنفيذ خططهم الخبيثة من أجل سلب الشرعية والذهاب بتركيا إلى نفق مظلم. لكن الشعب التركي وقف بجميع أطيافه الحزبية والدينية والعرقية صفاً واحداً أمام تلك المحاولة، وهرع إلى الساحات والميادين، وتحولت معهم هواجس الانقلاب التي تدور في الظلام إلى صيحات "نكون شهداء ولا نقسّم الوطن". بفضلهم أُفشلت محاولة الانقلاب قبل بزوغ فجر اليوم التالي.
عقب محاولة الانقلاب الفاشلة منتصف يوليو 2016، كشفت التصريحات التي أُخذت في نطاق التحقيقات بشأن محاولة الانقلاب التي نفّذها تنظيم كولن، المعروف في تركيا باسم "فتو (FETÖ)"، بالإضافة إلى لوائح الاتهام التي قبلتها المحاكم، عن أحداث نفذها أبطال الدفاع عن الشرعية كانت كفيلة بتغيير مجرى الأحداث ومنع الانقلابيين من تحقيق أهدافهم.
وإلى جانب المواطنين العزل الذين انتفضوا في الشوارع والجسور والميادين تلبيةً للنداء الذي أطلقه الرئيس التركي أردوغان للحفاظ على الديمقراطية وإفشال محاولة الانقلاب، نفّذ عدد من الضباط وضباط الصف محاولات بطولية، دفع بعضهم حياته ثمناً لها، من أجل الحفاظ على ثكناتهم ومنع سقوطها بيد الانقلابيين من تنظيم كولن الإرهابي. نستعرض في هذا التقرير بعض تلك الشخصيات.
زكائي آق صقاللي
لاحظ قائد الأركان العامة للقوات الخاصة اللواء زكائي صقاللي، في أثناء حضوره حفل زفاف مساء ليلة 15 يوليو في مدينة أنقرة، أمراً غير عادي من خلال الاتصالات التي تلقاها تباعاً في أثناء بدء تنفيذ محاولة الانقلاب. إثر ذلك غادر الحفل بسيارة مدنية للذهاب إلى مقر قيادة القوات الخاصة، وبعد رصد الانقلابيين له، نزل عسكريون من الانقلابيين لاعتقاله، لكنه وبحركات تفوق مشاهد أفلام الإثارة نجح في الإطاحة بأحدهم، ونجحت سيارته في الإفلات من الكمين المنصوب له.
وبعد تفاديه الكمين لم يتمكن من التواصل مع القائد العامّ لقوات الدرك الجنرال غالب مندي، وقائد القوات البرية الفريق صالح زكي كولاك، ورئيس الأركان العامة خلوصي أقار. وعلم أن مقر القيادة في غول باشي يتعرض للحصار من أجل السيطرة عليه، وتلقّى معلومة تفيد بمجيء العميد سميح ترزي إلى أنقرة، فاتصل بجميع ضباط الصف هناك، وأخبرهم بأن ترزي خائن، وأنه قادم للاستيلاء على المقرّ، وأمرهم بالذهاب إلى المقر عاجلاً والدفاع عنه بحياتهم.
عمر خالص دمير
لعب سكرتير قائد القوات الخاصة، ضابط الصف عمر خالص دمير، دوراً رئيسياً ومحورياً في تغيير مسار الأحداث وإفشال محاولة الانقلاب ليلة 15 يوليو 2016.
وكان دمير من جملة العساكر الذين تَلقَّوا اتصالاً من القائد زكائي آق صقاللي لمنع العميد سميح ترزي وفرقته المكونة من 40 عسكرياً من السيطرة على مقر القوات الخاصة، إذ كانوا يخططون لاستخدام القوات الخاصة في اغتيال شخصيات ومسؤولين بارزين في الحكومة. وأمر آق صقاللي دمير قائلاً: "العميد سميح ترزي خائن للوطن، اقتله قبل دخول المقرّ. أنت تعلم أنّ الاستشهاد نهاية هذا العمل. سامحني".
وفور علمه بقدوم الانقلابي ترزي، نزل دمير الذي تلقّى من آق صقاللي أمر قتل سميح ترزي إلى الحديقة، واختبأ خلف شجرة منتظراً نزول سميح ترزي من المروحية. وعند اقتراب مجموعة من العساكر بالقرب من الشجرة التي كان يختبئ خلفها، خرج من مكانه وتقدم نحو سميح ترزي بسرعة دون أن يقول أي شيء، وصوب مسدسه نحو رأس القائد الانقلابي وأطلق عليه رصاصتين أردتاه أرضاً.
وبعدها ركض عمر خالص دمير نحو الحديقة المليئة بالأشجار، إلا أن الانقلابيّين بجانب ترزي فتحوا النار خلفه وأصابوه بـ15 رصاصة، وعندما أدركوا أنه لم يمُت أطلقوا عليه 15 رصاصة أخرى.
سعيد أرتورك
كان رئيس قيادة الفيلق الثالث العقيد سعيد أرتورك، أحد الأبطال الذين غيّروا مسار محاولة الانقلاب التي نفّذها تنظيم كولن الإرهابي منتصف عام 2016. كان يبلغ من العمر 47 عاماً، وقيل إنه " أكبر جندي" استُشهد خلال محاولة الانقلاب الفاشلة، بعد رميه بالرصاص.
وفور علمه بمحاولة الانقلاب، اتصل أرتورك بالقادة العسكريين والدوائر المعنية في تلك الليلة، والتقى في بيته صديقه قائد ثكنات قرتال تبة العقيد داوود أعلى، وضابط صف آخر من أجل إجراء تقييمات للوضع، وفي نهاية الاجتماع تقرر منع لواء المدرعات 66 المشاركة في دعم الانقلابيين.
فقد لعب أرتورك برفقة صديقة داود أعلى دوراً رئيسياً في منع اللواء المدرع 66 النزول إلى مدينة إسطنبول، والحيلولة دون مساعدة اللواء للمشاركة بمحاولة الانقلاب. منع العقيدان وثلاثة من رجال الشرطة وثلاثة رقباء آخرين الدبابات والمدافع والجنود من الخروج، وفي أثناء عمله البطولي استشهد العقيد سعيد أرتورك، فيما أُصيبَ داود أعلى بسبع رصاصات، نُقل إثرها لتلقي العلاج في المستشفى.
أمرة إيف
دَفن الجندي أمرة إيف، الذي خدم في قيادة لواء الكوماندوز الثاني لقوات الدرك، بمدينة إزمير في أثناء محاولة الانقلاب الفاشلة، مفاتيح مخازن ومستودعات الأسلحة والذخيرة في الأرض لمنع حصول الانقلابيين على المركبات والمعدات العسكرية، فضلاً عن الأسلحة والذخيرة.
وعقب محاولة الانقلاب الفاشلة، حصل أمرة إيف على "شهادة تقدير" لمشاركته في عملية القبض على مدبّري الانقلاب الذين حاولوا اغتيال الرئيس رجب طيب أردوغان في الفندق بمدينة مرمريس. ووفاءً لعمله البطولي، ضُمّنَت أعماله في كتاب "تلك الليلة فيتو كان كعب أخيل (Aşil'in Topuğu FETÖ'nün O Gecesi)" الذي كتبه العقيد المتقاعد مصطفى أونسل.