خط نورد ستريم 2 (Others)
تابعنا

بالتزامن مع توقف إمدادات الغاز الروسي إلى ألمانيا عبر خط أنابيب بحر البلطيق "نورد ستريم 1"، لإكمال عملية الصيانة السنوية المستمرة منذ 11 حتى 21 يوليو/تموز الجاري، زادت المخاوف في أوروبا، خصوصاً ألمانيا، من أن تمدّد موسكو الصيانة المقرَّرة لتعطيل إمدادت الغاز، وبالتالي قطع الطريق أمام الخطط الأوروبية الرامية إلى تخزين أكبر كميات من الغاز قبل حلول الشتاء وتفاقم أزمة الطاقة.

وعلى الرغم من أن ألمانيا نجحت في تقليص اعتمادها على الغاز الروسي من 55% إلى 35% منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في أواخر فبراير/شباط الماضي، بجانب خططها الصارمة للتوقف عن استخدام الغاز الروسي تماماً، فإن خفض الواردات وقطعها فجأة بين ليلة وضحاها قد يقود الاقتصاد الألماني إلى ركود كبير، خصوصاً أن معظم الصناعات الألمانية يعتمد على الغاز الرخيص القادم من روسيا.

ويحاول المستشار الألماني أولاف شولتز مجاراة الغرب بفرض مزيد من العقوبات على روسيا وزيادة الدعم العسكري لأوكرانيا، فضلاً عن البحث عن حلول واقعية لتعويض مصادر الطاقة الروسية، وعلى رأسها الغاز الذي بدأ فلاديمير بوتين استخدامه كـ"سلاح" في وجه أوروبا ردّاً على العقوبات، فيما بدأت الأنظار تتوجه إلى أسلافه الذين قيدوا ألمانيا واقتصادها بأنابيب الغاز القادمة من روسيا.

أصل الحكاية

الأخطر من اعتماد ألمانيا على مصادر الطاقة الروسية، هو استخدام روسيا الطاقة كورقة رابحة لاستمالة السياسيين الأوروبيين، فقبل فترة رُشّح المستشار الألماني السابق غيرهارد شرودر، الذي صافح فلاديمير بوتين في الأسابيع الأخيرة من حكمه للتصديق على خط أنابيب "نورد ستريم" تحت بحر البلطيق، للانضمام إلى مجلس إدارة شركة غازبروم الروسية المملوكة للدولة والتي تحتكر الغاز.

وطمعاً في الغاز الروسي الرخيص بحجة أن الاعتماد المتبادل في مجال الطاقة من شأنه أن يخفّف النزعة العسكرية الروسية، جاءت أنجيلا ميركل لتكمل تعبيد الطريق الذي بدأه شرودر، أمام هيمنة موسكو على سوق الطاقة بألمانيا وأوروبا كلها.

وعوضاً عن الأخذ بالنصائح الأمريكية والأوروبية بتقليل الاعتماد على الغاز الروسي وسلك المسار الذي سلكته دول البلطيق، لم تتقاعس حكومة أنجيلا ميركل عن بناء محطات خاصة بالغاز المسال وحسب، بلأاصرت على السير قدماً في أعمال بناء خط "نورد ستريم 2"، شبه المكتمل الذي جمَّدَته برلين مع بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، والذي كان مخصَّصاً لجلب الغاز الروسي إلى ألمانيا بعيداً عن الخطوط المارَّة بأوكرانيا وبولندا، رغم احتلال القوات الروسية شبه جزيرة القرم الأوكرانية عام 2014.

شريان الحياة

يعتبر خط "نورد ستريم 1" الذي بدأ تشغيله في نوفمبر/تشرين الثاني 2011، أكبر خط أنابيب منفرد ينقل الغاز الروسي إلى ألمانيا تحت بحر البلطيق، إذ يبلغ طوله نحو 1200 كلم وتُقدَّر طاقته السنوية بنحو 55 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي.

وفي الوقت الذي تحتاج فيه ألمانيا إلى 85 مليار متر مكعب في السنة، تكمن أهمية هذا الخطّ الذي لا يُعَدّ شريان الغاز الرئيسي من روسيا إلى ألمانيا وحسب، بل أيضاً شريان الحياة للاقتصاد الألماني، خصوصاً أن تخفيض أو قطع إمدادات الغاز عبره يشكّل كابوساً للحكومة الألمانية التي تعهدت منذ بدء الحرب بإيجاد البدائل المناسبة قبل فصل الشتاء الذي ينذر بتفاقم أزمة الغاز التي ستنعكس فوراً في شكل فواتير عالية مؤلمة للمستهلكين.

وحسب صحيفة الغارديان البريطانية، فإن ألمانيا تُعتبر أكثر دول أوروبا اعتماداً على الغاز الروسي الذي يمثّل نحو 65% من واردات الغاز إلى القوة الاقتصادية الأولى في أوروبا، وأكثر من نصف احتياجات التدفئة في ألمانيا تعتمد عليه، فضلاً عن كونه مفتاحاً للصناعات التحويلية في ألمانيا.

رعب في ألمانيا

الحديث عن توقُّف تامّ للغاز الروسي ينشر الرعب في ألمانيا التي كانت حتى اندلاع الحرب تحصل على 55% من الغاز المستورد من روسيا، لكن الكابوس الأخطر يتمثل في وقف فجائي للغاز يمكنه شل أجزاء كبيرة من صناعة ألمانيا، وهو ما دفع الرئيس التنفيذي لمجموعة الصناعات الكيماوية "بي إيه إس إف" مارتن برودرمولر إلى القول إن "حظر استيراد الغاز الروسي سيدخل قطاع الأعمال الألماني في أسوأ أزماته منذ الحرب العالمية الثانية".

فقبل أن تتوقف إمدادات الغاز الروسي عبر خط "نورد ستريم 1" بسبب أعمال الصيانة السنوية منذ أسبوع، خفضت شركة "غازبروم" الروسية العملاقة الشهر الماضي تدفُّق الغاز إلى 40% من الطاقة الإجمالية لخط الأنابيب، مشيرة إلى التأخُّر في إعادة المعدات التي تصلحها شركة "سيمنز إنرجي" الألمانية في كندا.

وتشعر الحكومة الألمانية بالقلق من أن إمدادات الغاز قد تنخفض أو تنقطع دائماً، إذ قال وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك، إن "الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يستخدم الغاز سلاحاً ردّاً على عقوبات الاتحاد الأوروبي"، مشيراً إلى أن الغاز أصبح "عملة نادرة" في ألمانيا، داعياً المواطنين إلى تقليل استهلاك الغاز بانتظار قدوم الشتاء.

TRT عربي