سرّ التجميل القاتل.. تعرف قصة تحول سُمّ تنتجه البكتيريا إلى حقن البوتوكس  / صورة: AP (Jacquelyn Martin/AP)
تابعنا

في الماضي، خاطر الرجال والنساء بحياتهم باستخدام مستحضرات التجميل القاتلة مثل الرصاص الأبيض والأزياء القاتلة بما في ذلك الملابس المكسوة بالزرنيخ وغير ذلك كثير. وعلى الرغم من أن اليوم يسود اعتقاد واسع أن رياح العلم والطب عصفت بهذه الممارسات إلى صفحات كتب التاريخ والعبر، فإن كثيرين منا يجهلون تماماً أن عماد التجميل في وقتنا الحالي مبني على مُنتج شديد السمية تنتجه بكتيريا بعينها.

ففي رحلة البشرية الطويلة للتصدي لعلامات الشيخوخة الحتمية، اصطدم أطباء وعلماء بالصدفة بـ"سم البوتولينوم" (Botulinum Toxins)، وهو سم قاتل تُنتجه بكتيريا "المطثية الوشيقية" (Clostridium Botulinum)، ويعرف أيضاً بأنه أكثر سمية بسبعة ملايين مرة من سم الكوبرا، وحولوه بشكل مذهل إلى علاج فائق الشهرة لعلاج التجاعيد.

وبالنظر إلى الرعب الذي يحمله الاسم العلمي للسم، جرى الاستعاضة عنه بالأحرف الأولى من الكلمتين المشكلتين للاسم ليظهر لنا العلاج التجميلي الشهير والمعروف باسم "البوتكس" (Botox).

سم قاتل

يمكن لنصف لتر نقي من سم البوتولينوم أن يقتل كل الأشخاص على هذا الكوكب. فيما يأتي اسم هذا السم من التسمم الغذائي (Botulism)، وهي حالة موصوفة تعود إلى تسعينيات القرن الثامن عشر، وسميت على الاسم اللاتيني للنقانق، لأن هذه الحالة يمكن أن تكون ناجمة عن نقانق ولحوم ملوثة.

وحسب تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية، فقد كانت بكتيريا (C. Botulinum) اللاهوائية شائعة بشكل خاص في النقانق أو داخل علب اللحوم المعلبة ولكنها يمكن أن تصيب الأطعمة الأخرى. كانت فرص الإصابة بالتسمم الغذائي أكبر بكثير في الأيام التي سبقت تقنيات وأنظمة التعقيم الحديثة المتعلقة بكيفية تخزين الطعام.

اليوم، الشكل الأكثر شيوعاً للتسمم الغذائي هو تسمم الرضع، أو متلازمة الطفل الرخو. لكن لحسن الحظ، حتى هذا نادر جداً ومن غير المحتمل أن يكون قاتلاً إذا جرى علاجه. تكون أحشاء الأطفال أكثر عرضة للإصابة بالعدوى لأنهم أقل قدرة على محاربة العدوى البكتيرية.

فيما يؤثر سم البوتولينوم على الأعصاب عن طريق إيقاف إطلاق الإشارات الكيميائية من النهايات العصبية. وبغض النظر عن مدى قوة الإشارات، لا شيء يمر. يمكن أن تظهر أعراض التسمم الغذائي بعد ساعات قليلة أو بضعة أيام من تناول الطعام الملوث. يبدأ بتدلي العينين وشلل الوجه وصعوبة البلع. مع انتشار السم فإنه يوقف إرسال الرسائل إلى العضلات التي تتحكم في التنفس، إذ يُقتل ضحايا سم البوتولينوم عن طريق الاختناق.

سم له فوائد!

يمكن أن يكون لهذا التأثير الدراماتيكي على الأعصاب فوائد إيجابية. استُخدم سم البوتولينوم طبياً لأول مرة لعلاج التشنجات العضلية، إذ يمكن للمرضى أن يتلقوا جرعة من سم البوتولينوم الذي من شأنه أن يوقف وصول الإشارات العصبية إلى العضلات، والتي من شأنها أن تسترخي بعد ذلك.

ويمكن أيضاً علاج الحول والعيون المتصالبة بالسم، مما يؤدي إلى إرخاء العضلات والسماح للعينين بالاستقامة. لسوء الحظ، هذا ليس حلاً دائماً. فبعد نحو ستة أشهر، تتلاشى الآثار إذ يستبدل الجسم الإنزيمات التي جرى تجميدها بسم البوتولينوم، ويلزم إجراء سلسلة أخرى من الحقن.

وإلى جانب حقن البوتكس (الاستخدام الأكثر شهرة لهذا السم) التي تحارب التجاعيد، جرت الموافقة في السنوات الأخيرة على سم البوتولينوم لعلاج الآلام الشديدة في شكل الصداع النصفي المزمن. واكتشف أيضاً أن بإمكان السم علاج التعرق المفرط عن طريق شل الأعصاب التي تحفز الغدد العرقية.

كيف تحول السم إلى صديق للجمال؟

في أثناء علاجها مرضى الحول وضيق العيون بحقن البوتكس خلال ثمانينيات القرن الماضي، لاحظت طبيبة العيون جين كاروثرز أن التجاعيد في جبين المرضى قد تقلصت بشكل ملحوظ. لذلك اقترحت على زوجها أليستير، الذي كان يعمل في مجال طب الأمراض الجلدية، أن يقوم بتجربة الحقن بغرض إيجاد حل لمرضاه الذين يعانون من خطوط التجاعيد في وجههم.

وعلى الرغم من أن أليستير لم يكن مقتنعاً بهذه المعلومة، كان فضولياً لإجراء تجارب في ذات الصدد. إذ اختبر كل من أليستير وكاروثرز البوتوكس على موظفات الاستقبال العاملات في عياداتهم، ومن ثم جاء دور طبيبة العيون لتجربة هذا المنتج. ووفقاً لأليستير، كانت النتيجة جيدة إذ تلاشت خطوط التجاعيد من وجه طبيبة العيون، وفق تقرير نشره موقع بيزنس إنسايدر.

وبعد سنوات من البحوث والتجارب التي أجراها الزوجين، تحول البوتكس ليصبح العلاج الأكثر شهرة واستخداماً في علاج التجميل. ففي عام 2019، جرى إجراء ما يقرب من 6.3 مليون عملية لحقن سم البوتولينوم في جميع أنحاء العالم. فيما بلغ حجم سوق سم البوتولينوم العالمي نحو 4.83 مليار دولار أمريكي في عام 2019 ومن المتوقع أن يصل إلى 7.71 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2027.

TRT عربي