شمال سيناء بعد العملية العسكرية "سيناء 2018" (TRT Arabi)
تابعنا

في ساعات الصباح الأولى، يستيقظ السكان في المدن المصرية على سماع أصوات العصافير، أو حتى أصوات زمامير السيارات والبائعين. ولكن أهالي شمال سيناء اعتادوا على الاستيقاظ بشكل شبه يومي على أصوات التفجيرات والنواح على المفقودين، ومسلسل من الذعر اليومي واقتحام المنازل وتفتيشها واعتقال بعض منهم.

تقرير لـ"ميدل إيست آي" في فبراير/شباط 2019، رصد صورة عبر الأقمار الصناعية، بسبب التعتيم الإعلامي الشديد على منطقة شمال سيناء، وصعوبة وصول الصحفيين إلى المنطقة، لشكل المدينة الجديد الذي تحوّل من أرض زراعية إلى مدينة أشباح خاوية على عروشها.

يقول يوسف محمد، مواطن من شمال سيناء لـTRT عربي "شمال سيناء الآن أصبح يشبه الصور التي نشاهدها لسوريا، قرى مهجّرة، وبيوت خاوية، وطلقات من الرصاص تفترش المكان. خارطة المكان تغيرت تماماً جغرافياً، أصبحنا لا نعلم طرق المدن التي نسكنها لكثرة الطرق المغلقة والحواجز، ولو أخطأ شخص منا بدخول طريق مغلق فستُطلق عليه النار فوراً".

ويتابع محمد أن "مدينة رفح مُسحت عن وجه الأرض، ومنطقة الشيخ زويد انفصل جنوبها تماماً عن وسط المدينة، وجميع القرى التابعة للمدينة تم تهجير سكانها في أواخر عام 2016، أما مدينة العريش فتركزت فيها الكتلة الأكبر من السكان الذين نزحوا من المناطق الأخرى، ما دفع العديد منهم إلى الخروج من شمال سيناء نحو القاهرة أو الإسماعيلية وقناة السويس للعمل والبدء بحياة أخرى بعيداً عن الحرب والدمار".

يصادف اليوم الذكرى 37 لتحرير سيناء 25 أبريل/نيسان عام 1982 من سيطرة الاحتلال الإسرائيلي، ولكن من يحرر سيناء من الحرب الإرهابية التي تدور فيها منذ خمس سنوات؟

عيد تحرير سيناء .. ويتواصل العطاء

Posted by ‎الصفحة الرسمية للمتحدث العسكري للقوات المسلحة‎ on Thursday, 25 April 2019

الحرب على الإرهاب في شمال سيناء

منذ عام 2011 عقب أحداث ثورة 25 يناير، ظهرت جماعة مسلحة في شمال سيناء تلقب نفسها بجماعة "أنصار بيت المقدس" تتبع لتنظيم القاعدة قامت بتنفيذ عمليات مسلحة قتل بها مئات المدنيين وأفراد من الشرطة، استدعى ذلك المجلس العسكري لشن عملية عسكرية باسم عملية "نسر 1"، تبعتها عملية "نسر 2" عام 2012، وسلسة عمليات "حق الشهيد" عام 2015.

ثم حدثت انقسامات في الجماعة نفسها بعدما قُتل قائدها أبو أنس الأنصاري عقب العمليات العسكرية التي شنتها القوات المسلحة في سيناء، فنشأ تنظيم "ولاية سيناء" الذي كان يتبع لتنظيم داعش الإرهابي، وبدأ تنفيذ عمليات داخل شمال سيناء وخارجها، أكبرها كان الهجوم المسلّح على مسجد الروضة في منطقة بئر العبد عام 2017، الذي راح ضحيته 300 شخص، كانوا يصلون في المسجد.

هذا الهجوم، دفع القوات المسلحة إلى إعلان عملية عسكرية ضخمة براً وجواً للقضاء على "الإرهابيين" باسم عملية "سيناء 2018"، التي قضت أيضاً على كل أشكال الحياة في شمال سيناء، وتركت الأهالي محاصرين في حرب لا دخل لهم بها.

شمال سيناء، مدينة الأشباح

يفتقد أهالي شمال سيناء منذ بدء الحرب الإرهابية على المنطقة، أبسط مقومات الحياة. فالمعابر الأمنية الكثيرة تحرم الأهالي من حرية التحرك خارج المدينة، وإدخال المأكولات والمشروبات والبضائع إلى البلدة، ما تسبب في أزمة كبيرة لدى التجار وخسائر مهولة أثرت على الحالة الاقتصادية في المدينة، في ظل تفاقم أزمة نقص الوقود، وتصحّر الأراضي الزراعية الممتدة على مد البصر في شمال سيناء، بالإضافة إلى تهجير الآلاف من السكان بسبب العمليات العسكرية.

عمليات التهجير المستمرة للقضاء على المسلحين، أدت إلى تهجير أكثر من 20 ألف مدني من سكان القرى في مناطق مختلفة من شمال سيناء بحسب تقرير لهيومن رايتس ووتش، خصوصاً بعد إنشاء المنطقة العازلة في رفح المصرية المحاذية لقطاع غزة عام 2014، لمنع تسلسل المسلحين واستمرار عمليات تهريب الأسلحة.

ويورد تقرير هيومن رايتس ووتش أن المباني السكنية للمواطنين تم إخلاؤها خلال وقت قصير، ولم تقدم تعويضات كافية للسكان الذين هُجّروا من بيوتهم قسراً.

"شمال سيناء الآن أصبح يشبه الصور التي نشاهدها لسوريا، قرى مهجّرة، وبيوت خاوية، وطلقات من الرصاص تفترش المكان."

يوسف محمد مواطن من العريش شمال سيناء

وأثرت المعارك المسلحة من قبل الجانبين، على الآبار والمزروعات المحاذية تحديداً بالقرب من المنطقة العازلة. وبالاضافة إلى تعرض الأراضي الزراعية لأضرار كبيرة، منع الجيش المصري زراعتها لتخوّفه من استغلال المسلحين لها.

ويشرح المواطن يوسف لـTRT عربي أن "العريش مؤخراً أصبح المعقل الرئيسي لتنظيم ولاية سيناء خصوصاً في الظهير الجنوبي، وهذا وضع المدينة على خط النار، فالمدينة تعتمد بشكل أساسي على الزراعة كمصدر للرزق كزراعة أشجار الزيتون والبرتقال والرمان واليوسفي، بالإضافة إلى العمل في معاصر زيت الزيتون التي لم يعد لأي منها وجود الآن، فالمزارعون خسروا أراضيهم، والتجار توقفت أعمالهم بسبب منع دخول الكثير من المواد التجارية كمواد الدهان والأدوات الصحية والملابس، للاشتباه في استخدامها من قبل المسلحين".

أما بالنسبة للتعليم الذي توقف عند بدء العملية، عاد عقب مرور عام إلى الحياة مرة أخرى ولكن بحذر شديد، بسبب الهجمات المتتالية التي لا يعرف سكان المدينة متى وأين تأتي، آخرها كان في مارس/آذار الماضي، فقد أُطلقت النار على حافلة تتبع مدرسة الصنايع، بسبب توقفها على الطريق الدولي "العريش-رفح" في مكان خاطئ بالقرب من ارتكاز عسكري، إضافة إلى كثرة الحواجز الأمنية التي تعوق تنقل الطلبة والمعلمين بين المناطق المختلفة في البلاد.

أهالي سيناء محاصرون من كل الاتجاهات، فطرق التواصل مع العالم الخارجي والوسائل الإعلامية مغلقة بالنسبة لهم، ما يدفعهم إلى التحدث عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لتكون منفذاً لهم في ظل هذه الحرب المغلقة.

ويشير المواطن يوسف لـTRTعربي إلى أن "الحصار الإعلامي بدأ بمنع دخول الصحفيين الأجانب إلى شمال سيناء منذ عام 2015، وتجلى ذلك عندما تم إصدار تعميم لوسائل الإعلام المصرية بعدم تغطية أي أخبار حول شمال سيناء إلا ما يتم نشره من قبل البيانات العسكرية ووزارة الداخلية، وهذا ما يزيد الخناق علينا و يدفعنا إلى الجوء لوسائل التواصل الاجتماعي التي يتم حجب بثها بين حين وآخر".

ما نتائج الحملة العسكرية "سيناء 2018" ؟

تستمر الحملات العسكرية براً وجواً على كل المناطق منذ عام ونصف حتى الآن، وتتعاون مصر مع إسرائيل للقضاء على تنظيم ولاية سيناء، وجماعات إرهابية أخرى، ففي مقابلة سابقة للسيسي مع شبكة CBS صرح "بأن هناك تنسيقاً مع الإسرائيليين لمحاربة الإرهاب".

وخلال الحملة دمرت القوات العسكرية المئات من الأنفاق العابرة للحدود مع قطاع غزة، وقلّصت نفوذ الجماعات المسلحة بسبب الحصار المفروض عليها من كل الجهات، خصوصاً عقب مقتل قائد الجماعة "أبو أسامة المصري" في نوفمبر/تشرين الثاني 2018.

كما دمرت 66 هدفاً استخدمته الجماعات المسلحة في الاختفاء، بالإضافة لمخزن للعبوات الناسفة، وقتلت نحو 600 من المسلحين وفقاً لبيانات نتائج الحملة العسكرية. فيما قُتل نحو 40 جندياً على الأقل ضمن إطار هذه العملية.

في حين لم تتوقف الجماعات المسلحة عن القيام بعملياتها الإرهابية وقتل المدنيين العزل، آخرها كان تفجير سوق مدينة الشيخ زويد في 9 أبريل/نيسان 2019، الذي راح ضحيته سبعة أشخاص منهم أربعة من الشرطة، وطفل في السادسة من عمره.

وبحسب معهد التحرير، ارتفع متوسط معدل هجمات المسلحين المبلّغ عنها في شمال سيناء بين النصف الأول والنصف الثاني خلال عام 2018 من 15 إلى 21 هجوماً.

ويؤكد يوسف وفقاً لمشاهداته المستمرة في مدينة العريش لـTRT عربي أن "التنظيم الآن قوته انحسرت بعد العملية، ما دفعه إلى تغيير استراتيجيته العسكرية في القتال، فأصبح يدفع الأطفال من سن 17 عاماً إلى الانخراط في القتال مع التنظيم، وتنفيذ عمليات انتحارية في الأماكن الشعبية، ما زاد من بطش القوات المسلحة المصرية التي أصبحت تعتقل يومياً العشرات من جميع الأعمار والذين لا نعرف أماكنهم حتى الآن".

المدنيون العزّل هم ضحية هذه الحرب، التي انخرطوا فيها دون إرادتهم، وحرمتهم من الحياة وفرضت عليهم حصاراً يعانون منه بشكل يومي، حتى جعلت حياتهم تبدو بأنها ساحة حرب مفتوحة يتقاتل فيها الجميع على أرضهم ليحوّلوها إلى مقبرة جماعية.

صورة التقطت عبر الأقمار الصناعية نشرتها "ميدل إيست آي" تظهر شمال سيناء قبل وبعد العملية العسكرية عام 2018 (TRT Arabi)
رجل من قوات المسلحة يظهر في صورة التقطت في شمال سيناء عقب تفجير حافلة (AP Archive)
TRT عربي - وكالات