رئيس الوفد التركي المفاوض عصمت إينونو في أثناء توقيع نص معاهدة لوزان للسلام بالمدينة السويسرية يوم 24 يوليو/تموز 1923. (Others)
تابعنا

في أعقاب الحرب العالمية الأولى أجبرت دول الحلفاء الحكومة العثمانية على القبول بتوقيع معاهدة سيفر في 10 أغسطس/آب 1920، التي بشروطها القاسية والمجحفة أسست لبداية حقبة الاحتلال الغربي للأراضي التركية.

وعلى الرغم من توقيع معاهدة سيفر التي تضمنت بنوداً ثقيلة جداً حول تقاسم دول الاستعمار الأراضي التركية، فقد وُلدت ميتة قبل أن تدخل حيّز التنفيذ بفضل الكفاح الوطني الذي بدأته الأمة التركية بمجرد وصول القائد مصطفى كمال أتاتورك إلى ميناء سامسون يوم 19 مايو/أيار عام 1919، وهو النضال الذي استمر حتى تحرير إزمير من الاحتلال اليوناني يوم 9 سبتمبر/أيلول عام 1922، وانسحاب آخر جندي إنجليزي من إسطنبول في 4 أكتوبر/تشرين الأول 1923.

وتتويجاً للانتصارات العسكرية على الدول الغازية، بدأ الأتراك حرباً دبلوماسية وسياسية بقيادة عصمت إينونو، الرئيس الثاني للجمهورية التركية، اختُتمت بتوقيع معاهدة لوزان في 24 يوليو/تمّوز 1923، التي مهّدت بدورها لإعلان الجمهورية التركية المستقلة في 29 أكتوبر/تشرين الأول من عام 1923.

أصل الحكاية

أرجأت دول الحلفاء، التي انتصرت في الحرب العالمية الأولى، المفاوضات مع الأتراك إلى وقت لاحق، إذ لم يتمكنوا من التوصل إلى توافق في الآراء بشأن تقسيم الدولة العثمانية. وما إن اتفقوا حتى وُقّعَت معاهدة سيفر في 10 أغسطس/آب 1920، بمتحف السيراميك في سيفر، إحدى ضواحي باريس.

واعتُبرت بنود وشروط معاهدة سيفر أكثر قسوة وإجحافاً إذا ما قورنت بشروط معاهدة فرساي التي فُرضت على الإمبراطورية الألمانية في وقت سابق من ذلك العام.

ومنذ اليوم الأول رفض الشعب التركي الوصاية الغربية بجميع أشكالها، وبطبيعة الحال معاهدة سيفر، فما إن بدأت قوات الحلفاء النزول من السفن الراسية في إسطنبول بعد توقيع هدنة موندروس نهاية عام 1918، حتى بدأ الشعب وخلايا الجيش المتناثرة في أنحاء الأناضول تشكيل نواة المقاومة الشعبية الأولى، فيما اعتُبرت خطبة أتاتورك الشهيرة التي ألقاها فور وصوله إلى سامسون الشرارة التي أشعلت أعظم حروب التحرير والاستقلال على مستوى العالم، التي حدّدَت فلسفتها وعنفوانها عبارته الخالدة "إما الاستقلال وإما الموت".

الطريق إلى لوزان

عقب الانتصارات المتوالية والكاسحة التي حقّقها الأتراك خلال حروب التحرير والاستقلال التركية بين عامَي 1919 و1922، جرى التوقيع على هدنة مودانيا في 11 أكتوبر/تشرين الأول 1922 التي أعلنت فعلياً انتهاء حرب التحرير والاستقلال بانتصار الأتراك، بعد تمزيق معاهدة سيفر وتوقيع معاهدة لوزان التي تجاهلت ما أقرَّته معاهدة سيفر من بنود وشروط مجحفة.

وبموجب معاهدة لوزان التي وُقّعَت بمدينة لوزان السويسرية يوم 24 يوليو/تموز 1923 بين دول الحلفاء والقوى الوطنية التركية المنتصرة في حرب الاستقلال، أعلن مصطفى كمال أتاتورك ورفاقه تأسيس الجمهورية التركية الحديثة يوم 29 أكتوبر/تشرين الثاني 1923.

وعلى أثر معاهدة لوزان أيضاً رُسّمَت الحدود بين تركيا واليونان، واعتُرفَ بالجمهورية عقب حرب الاستقلال بقيادة مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك. فيما نصَّت بنود المعاهدة التي تضمنت 143 مادة، على استقلال تركيا وتحديد حدودها، وحماية الأقليات المسيحية اليونانية الأرثوذكسية في تركيا، مقابل حماية الأقليات المسلمة في اليونان.

لوزان بين الحقيقة واللغط

تُعتبر معاهدة لوزان باختصار اتفاقية سلام بين الجمهورية التركية الحديثة ودول الاستعمار التي كسبت الحرب العالمية الأولى، فضلاً عن كونها صكّ طابو الجمهورية الفتيَّة التي أسَّسها بالسلاح قائد حرب الاستقلال التركية مصطفى كمال أتاتورك ورفاقه.

وحسب التقرير الذي نشرته الأناضول حول اللغط الدائر حول معاهدة لوزان في تركيا والعالم العربي، أشارت الأناضول إلى الأقوال الكاذبة التي يتم ترويجها بأن تركيا أُجبرَت على توقيع المعاهدة تحت تهديد دول الحلفاء، وهو كلام غير صحيح جملةً وتفصيلاً، خصوصاً أن لوزان وُقّعَت بعد انتصار تركيا على اليونانيين وطردهم من الأراضي التركية. في حين أن هذا الكلام قد يصحّ على معاهدة سيفر التي وقعت في ظلّ خسارة الدولة العثمانية الحرب، وهي المعاهدة التي لم يعترف بها الأتراك الذين أشعلوا حرب التحرير والاستقلال التركية، كما أسلفنا.

ومن بين أهمّ ما يُروَّج بلا مصداقية أيضاً، مقولة أن صلاحية معاهدة لوزان تنتهي العام المقبل 2023، في حين أن نَصّ المعاهدة بموادِّها كاملة وملاحقها لم يأتِ على ذكر سقف زمني لنهايتها.

الأغرب من كل ذلك، من يقول إن المعاهدة منعت تركيا من التنقيب عن البترول، وهو ما لم تأتِ المعاهدة على ذكره تصريحاً ولا تلميحاً، إذ تنقّب تركيا عن النفط منذ سنوات طويلة على أراضيها وفي البحار بلا أي اعتراض من أي دولة معنيَّة بالمعاهدة.

إلى جانب كل ما ذكرنا، يوجد لغط حول سيادة تركيا على المضايق التركية، المتمثلة في البوسفور والدردنيل، وأن تركيا بموجب معاهدة لوزان لا يحقّ لها تحصيل رسوم مرور السفن عبر المضايق. هذا الكلام أيضاً عارٍ تماماً عن الصحة، لأن من يقوله يتجاهل معاهدة مونترو، التي دخلت حيّز التنفيذ عام 1936، وتنظّم حركة السفن في المضايق التركية الاستراتيجية، وتُعتبر مكملة لمعاهدة لوزان.

TRT عربي
الأكثر تداولاً