ضعيف التجهيز ومُقصّر في الناتو.. كيف وصل الجيش الألماني إلى حالته الراهنة؟ / صورة: AP (AP)
تابعنا

في اليوم الثالث من عمر الحرب الأوكرانية التي بدأت في 24 فبراير/شباط الماضي، خاطب المستشار الألماني أولاف شولتز البرلمان معلناً عن خطط "غير مسبوقة" لإطلاق استثمار ضخم بقيمة 100 مليار دولار من أجل تطوير الجيش الألماني وإعادة معداته العسكرية إلى المستوى الاعتيادي، بعد عقود من الاستنزاف منذ نهاية الحرب الباردة.

وعلى الرغم من مرور أكثر من 9 أشهر على أعلن شولتز نقطة تحول للجيش الألماني ومكانته في العالم، بالكاد نرى أي من 100 مليار يورو من التمويل الإضافي الذي تعهد به المستشار الألماني شق طريقه إلى القوات المسلحة، وفقاً لما أوردته الفايننشال تايمز.

وفي سياق متصل، كشف تقرير سري أعدته وزارة الدفاع في ألمانيا وقدمته إلى لجنة الدفاع البرلمانية، أنه لا يمكن للجيش الألماني أداء واجبات الناتو إلا في نطاق محدود، مشيراً إلى أن الجيش يعاني من قصور في الأسلحة والمعدات والعمليات. وذكر التقرير أن الوضع المادي والأفراد والتدريب في الجيش الألماني كان سيئاً، لافتاً إلى أن البحرية الألمانية لن تتمكن من إرسال حتى سفينة إلى بعثة الأمم المتحدة قبالة لبنان. وفقاً لما ذكره موقع TRT Haber.

جيش ضعيف وتجهيزات قديمة

في مقابلة نشرت يوم السبت مع صحيفة سود دويتشه تسايتونغ، قال رئيس المجموعة الألمانية-الفرنسية لشركات الدفاع KNDS فرانك هاون إن الجيش الألماني يعاني حاليّاً أزمة مادية في جوانب عديدة. مشيراً في الوقت نفسه إلى أن الجيش الألماني يفتقر إلى كل شيء تقريباً، مضيفاً: "إذا نظرنا إلى الحرب في أوكرانيا فسنرى أولاً وقبل كل شيء أننا نفتقر إلى المدفعية".

وفي هذا الخصوص قالت أولريك فرانك باحثة السياسة الدفاعية الألمانية في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية : "إذا نظرت إلى الصورة الكبيرة، ستدرك أن خلفية هذا الأمر في ألمانيا هي أحد عقود قلة الاستثمار والإهمال السياسي للقوات المسلحة". لافتة إلى أن أوجه القصور في القدرات، على الأرض والبحر والجو وفي الفضاء الإلكتروني، "في كل مكان".

من جهتها، قالت إيفا هوغل مفوضة البوندستاغ لشؤون الدفاع: "لا تُحدّث ألمانيا قواتها المسلحة بشكل سريع. وأضحت قاعدتها المادية الآن أسوأ مما كانت عليه قبل بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، إذ إن كثيراً من الأسلحة أُرسلت إلى كييف".

وأشارت هوغل أيضاً إلى أن الميزانية الإضافية التي خُصصت في فبراير لشراء معدات وذخيرة ومعدات جديدة وتطوير أنظمة جديدة لا يجري صرفها بالسرعة الكافية. وأضافت: "ألمانيا بحاجة إلى شراء ذخيرة بقيمة 20 مليار يورو لتأمين قواتها المسلحة بالكامل، والجنود لا يُزوّدون دائماً بالملابس اللازمة".

عاجز عن مساعدة الناتو

بدأ المشرعون المعارضون في ألمانيا، وبعض الخبراء الأمنيين البارزين في البلاد، في التساؤل مؤخراً عما إذا كان التزام ألمانيا دوراً قيادياً في الدفاع الأوروبي هو أي شيء أكثر من مجرد كلام. فيما قال زعيم المعارضة فريدريك ميرز في هجوم على شولتز في البوندستاغ، البرلمان الألماني، أواخر شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي: "السيد المستشار، لا يمكنني أن أصفه بأي شيء آخر، أنت تخالف وعدك للبرلمان وخاصة للجيش الفيدرالي".

وأشار ميرز إلى أنه بعيداً عن الارتفاع، فإن ميزانية الدفاع لعام 2023 من المقرر أن تتقلص بمقدار 300 مليون يورو بناءً على خطط الحكومة الحالية. وزعم أن الافتقار إلى أي تحرك ألماني "أدى إلى نشوء قدر كبير من عدم الثقة" في الناتو وفي عواصم الحلفاء. يذكر أنه لطالما عجزت ألمانيا عن الوفاء بالتزاماتها التي حددها الناتو بإنفاق ما يعادل 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع.

بالمقابل، رد شولز قائلاً: "إنها خطة طويلة الأجل، وليست تصريحات علاقات عامة سريعة ومحمومة. نريد أن نضمن أننا نطلب الأشياء الصحيحة وأن يكون البوندسوير (الجيش الألماني) مجهزاً بطريقة تجعله يعمل لعقود قادمة".

من جهته، تحدث مفتش الجيش الألماني ألفونس ميس في مقابلة مع صحيفة "تاج شبيغل" عن مشكلات النقص التي يعاني منها الجيش قائلاً: "الجيش الذي أقوده خالي الوفاض إلى حد ما. الخيارات التي يمكن أن نقدمها للساسة لدعم الناتو محدودة للغاية".

كيف وصل الجيش الألماني إلى هذه الحالة؟

يعاني الجيش الألماني من مشكلات كثيرة بشأن صيانة الدبابات والمروحيات وتعطل البنادق وقلة الملابس الداخلية الحرارية لتدفئة الجنود الذين يتدربون في البرد، كما جرى الكشف عن نقص في الذخيرة بعد ظهور تساؤلات بشأن الحفاظ على إمدادات الأسلحة التي يجري إرسالها إلى أوكرانيا لدعمها في حربها مع روسيا.

وبينما يرى عضو المجلس الألماني للعلاقات الخارجية كريستيان مول ينغ أن أحد أهم الأسباب وراء هذه الأزمة يرجع إلى البيروقراطية المعقدة والقرارات التي غالباً ما تكون طويلة وغير منظمة، قالت إيفا هوغل: "نقص الذخيرة هو نتيجة لسنوات من سياسات التقشف في القوات المسلحة، وحقيقة أن الدفاع الوطني والدفاع ضمن الناتو لم يكونا على رأس الأولويات".

بدوره، أشار المحلل السياسي الألماني إيوالد كونيغ، خلال حديثه إلى الأناضول، إلى أن الأسباب الجذرية للمشكلات العسكرية الألمانية تعود إلى الطريقة التي جرى التعامل معها على مدار الثلاثين عاماً الماضية وما رافقها من إجراءات لخفض التكاليف فقط. وأضاف: "كثير من المعدات العسكرية لا يعمل، وفي الذخيرة نقص، وفي الحافز لدى الجنود نقص أيضاً".

TRT عربي