تابعنا
مع إعلان رجل الأعمال الليبي عارف النايض مؤخراً نيّته الترشح للانتخابات الرئاسية المزمع تنظيمها بليبيا يوم 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل، تُثار العديد من علامات الاستفهام عن برامجه وشبكة تحالفاته وأجنداته الخارجية التي يرتبط بها.

بينما لا تزال ليبيا تكافح من أجل توحيد الفرقاء السياسيين والعسكريين على المصلحة العامة المشتركة، والخروج من البلاد من حالة الانقسام والتشظّي إلى الوحدة الوطنية، وتعوّل في ذلك على الانتخابات المقبلة، كثمرة للانفراج السياسي الذي شهدته خلال الأشهر الأخيرة، تطلّ اليوم بعض الأسماء التي أثير حولها جدل واستفهام كبير، وتعلن نيّتها الترشح لرئاسة البلاد.

وقد أثار ذلك المخاوف والهواجس من تغذية الصراعات التي قد تُشعل فتيل التوتر من جديد، وبالتالي العودة إلى مربّع الصراع الأول، خاصة وأنّ بعض هذه الشخصيات قد عُرفت بارتهانها وخدمتها لبعض الأجندات الأجنبية وبعض أطراف الصراع الداخلي، المعادي لمسار ومساعي الانتقال الديمقراطي الذي لا يزال يشهد تعثراً مستمراً ويواجه الكثير من العقبات.

وإن لم يكن ترشح رجل الأعمال الليبي الشهير ورئيس تكتّل "إحياء ليبيا" عارف النايض، ضمن هذه الأسماء الجدلية، للانتخابات المقرر تنظيمها في 24 ديسمبر/كانون الأول، مفاجئاً، إلا أنه يسلط الضوء على حظوظه في هذه المحطة، في ظلّ الظروف التي تمرّ بها البلاد وبناء على موازين القوى في المشهد السياسي والعسكري الليبي.

عارف النايض.. هل يكون رجل الإمارات؟

ولد عارف النايض عام 1962 بمدينة بنغازي الليبية ونشأ في العاصمة طرابلس بعد ذلك، ودرس الهندسة الصناعية ثم البيولوجية بجامعة جويلف في كندا، وبسبب ميوله للفلسفة، اتجه النايض نحو التخصص في الهرمنيوطيقا، أي علم التأويل، وحصل في ذلك على درجة الدكتوراه، ثم درس الفلسفة الإسلامية وعلم التوحيد، بجامعة "تورونتو" بكندا.

وبعد إنهائه دراسته، قرر النايض العودة إلى ليبيا، حيث رمّم وأحيا مدرسة "عثمان باشا" التقليدية في طرابلس التي يتجاوز عمرها 450 سنة، وفتح أبوابها للتعليم الديني والحوار بين الأديان، وأسس مكتبة كبيرة في طرابلس، تضمّ أكثر من 25 ألف مجلد، وكانت فضاء لتدريسه الفلسفة لطلابه.

كما عمل مهندساً في شركات الإنشاءات المملوكة لوالده علي النايض، والتي كانت تبني القواعد العسكرية، ثم أسس بعد ذلك شركة لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وكانت لها فروع في الإمارات والهند.

وقد تمتّع في تلك الأثناء، أي خلال فترة الرئيس الراحل معمّر القذافي، بكامل الحرية في جميع أنشطته وتحركاته، ما أثار حوله جدلاً كبيراً بعد اندلاع الثورة الليبية.

وبالرغم من أنّ النايض، الذي ارتبط في أذهان الكثيرين بالرجل المتصوّف، كجزء من الهوية الدينية لبلدان شمال إفريقيا وخاصة ليبيا، قد عبّر مراراً عن رفضه وصفه بـ"السياسي" معتبراً أن مشاريعه ومخططاته تندرج أساساً في حدود الواجب الوطني لا غير، وأن اهتماماته تنصبّ في المجال الفكري والإصلاحي. وعبّر عن ذلك بتأسيسه مركز "ليبيا للدراسات المتقدمة" عام 2012، ومركز "كلام" للبحوث والإعلام عام 2013، والذي شغل فيه منصباً رئاسياً بمقرّه في إمارة دبي عام 2009، إلا أنّ مزاعمه بالزهد في أي منصب سياسي وادعاءه العزوف السياسي، سرعان ما تبدد على أرض الواقع، بقبوله توليه منصب سفير ليبيا لدى الإمارات، في أول حكومة بعد الثورة.

وبعد استقالة النايض من منصبه عام 2016، أعلن ترشحه عام 2017 لخوض الانتخابات الرئاسية لأول مرة، ثم أكد نيته في ذلك عقب اتفاق باريس عام 2018، إلا أنه بسبب عدم الاتفاق حولها، لم تُجرَ الانتخابات الرئاسية في ذلك الموعد.

وبالرغم من ترشيحه من بعض أعضاء الحوار السياسي المجتمعين في تونس في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، لمنصب رئيس وزراء الحكومة الليبية، رفض النايض القبول بذلك معبراً عن طموحه في الترشح للانتخابات الرئاسية نهاية العام الحالي 2021، خاصة بعد أن نصّ الاتفاق الأممي على عدم ترشّح رئيس الحكومة أو أعضاء المجلس الرئاسي للانتخابات المرتقبة.

ومع اقتراب موعد الانتخابات، التي لا يزال إجراؤها غير مؤكد في ظلّ الخلافات الحالية والتوترات الأخيرة، يعوّل النايض الحليف المقرّب من دولة الإمارات والتي تقلّد فيها عدة وظائف وكوّن فيها العديد من الصداقات والشراكات والعلاقات المهمة، على مؤسساته المحلية وإنجزاته ومشاريعه لزيادة حظوظه في الفوز، إضافة إلى اعتماده على قاعدته في الشرق، مسقط رأسه، حيث توجد اثنتان من أهم القبائل التي ينتمي إليها مثل ورفلة من جهة والده، وترهونة من جهة والدته.

هل يكون النايض بديلاً لحفتر؟

على المستوى الداخلي عُرف الدبلوماسي السابق ورجل الأعمال الليبي عارف النايض بقربه من الانقلابي خليفة حفتر، وعدائه الشديد لحكومة الوفاق في طرابلس، التي انخرط في حملات ضدها، بعد لقائه القيادي السابق بحركة فتح الفلسطينية محمد دحلان في العاصمة الأردنية عمّان.

وكُشفت في السياق ذاته تسريبات لتسجيلات صوتيه لنايض نشرها مغرّدون وناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، تُظهر تورّط النايض في التخطيط والتدبير لاغتيال شخصيات سياسية وعسكرية منها وكيل وزارة الدفاع لحكومة الإنقاذ آنذاك خالد الشريف، بالتعاون مع كتيبة "القعقاع" التابعة لحفتر.

وأزاحت صحيفة "ميدل إيست آي" بعد ذلك الستار، عن وثائق وأدلة تكشف الدور الوسيط المهم الذي لعبه النايض في إتمام صفقات السلاح لصالح خليفة حفتر، وتسهيل دخولها إلى الشرق الليبي.

وبينما كان خليفة حفتر يحظى بدعم كبير من الإمارات خلال حملاته العسكرية ومحاولاته الانقلابية التي باءت بالفشل، توجهت الأنظار نحو ورقة اللعبة السياسية بدلاً من الورقة العسكرية التي باءت بالاحتراق، وذلك بالدفع بعارف النايض لتصدّر المشهد السياسي، وترشحه للانتخابات الرئاسية القادمة.

TRT عربي