أهيسكا / صورة: AA (AA)
تابعنا

لا يزال ألم المنفى والحنين إلى الوطن متجدداً مثل اليوم الأول في قلوب أتراك الأهيسكا، الذين انتزعهم جوزيف ستالين، زعيم اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية من وطنهم قبل 78 عاماً وأرسلهم في عربات قطار إلى المهجر.

ففي إحدى ليالي شتاء عام 1944، وتحديداً يوم 14 نوفمبر/تشرين الثاني، انفصل الأخ عن أخيه وأرسلوا كلهم ​​إلى قرى أخرى. فقد الآلاف منهم حياتهم في تلك الرحلة إلى المجهول التي تعتبر علامة سوداء في تاريخ البشرية، ولا تزال في الذكريات والقلوب.

ومع مجيء الاتحاد السوفيتي إلى الحكم، استمر الاضطهاد الذي بدأ في زمن القيصرية الروسية بحق الأتراك المسلمين الذين كانوا يسكنون منطقة أهيسكا "مسختيان"، الواقعة على الحدود بين جورجيا وتركيا، وفقاً لتقرير نشرته وكالة الأناضول في الذكرى السنوية الـ77.

أصل الحكاية

كانت منطقة أهيسكا مرتبطة بجورجيا التي ظلت داخل حدود الاتحاد السوفيتي بعد الحرب العالمية الأولى. كانت هذه الفترة بمثابة بداية معاناة الأتراك "المسخاتيين"، كما هو حال جميع الجاليات التركية والمسلمة في الاتحاد السوفيتي آنذاك.

وزادت هذه الضغوط تدريجياً في عهد ستالين، حيث جرى القبض على كبار المفكرين من الأتراك المسخاتيين بذرائع مختلفة وتعرضوا إما للقتل أو النفي. وكذلك جرى تغيير ألقاب الأتراك، وجرى تجنيد آلاف الجنود في أهيسكا وضواحيها على أساس "حماية الحدود"، وفقاً لتقرير نشره موقع TRT Haber.

وحسب التقرير، أرسل حوالي 40 ألفاً من أتراك الأهيسكا إلى الجبهة لمحاربة الألمان، فيما عملت النساء وكبار السن الذين تركوا وراءهم في بناء السكك الحديدية. ومع ذلك، لم يعرفوا أن بناء هذا الخط الحديدي سيكون الوسيلة لنفيهم.

ووفقاً لوكالة الأناضول، على الرغم من أنهم قاتلوا في الجيش الروسي في الحرب العالمية الثانية، إلا أن زعيم الاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت جوزيف ستالين قد وقع على قرار نفي أتراك الأهيسكا. وبذلك، بدأت "الرحلة إلى المجهول" بالنسبة لأتراك تلك المنطقة، الذين أُجبروا على مغادرة وطنهم، حيث ولدوا وترعرعوا. بناء على أخبار مفاجئة ذات ليلة بأمر من ستالين، انطلقوا في رحلة تهجير مروعة من خلال تحميلهم في عربات مخصصة تسمى "قطار الموت".

تهجير أتراك الأهيسكا. (AA)

رحلة النفي

خلال رحلة النفي التي أرسلوا فيها عنوةً إلى المناطق الداخلية من الاتحاد السوفيتي، قدر عدد الموتى ما بين 90 ألفاً إلى 117 ألفاً من أتراك الأهيسكا، بسبب الجوع والبرد والمرض في الطريق، وفقاً لتقارير المنظمات التي نقلت عنها TRT Haber.

وحسب الأناضول، بعد توزيعهم على مناطق مختلفة، عاش أتراك الأهيسكا لسنوات دون أن يسمعوا بعضهم البعض. وجعلت الإدارة السوفيتية، في معسكرات العمل التي أنشأتها، شعب الأهيسكا يعملون في أكثر الوظائف ثقلاً وعرضتهم للاضطهاد، دون تمييز بين النساء وكبار السن والأطفال.

وبعد نفيهم، وضعت لهم العديد من القواعد بعدم مغادرة أماكنهم دون إذن، وحُرم عليهم العيش في المدن السوفيتية. عوقب الأشخاص الذين انتهكوا هذه القواعد من الأهيسكا بالنفي إلى سيبيريا لمدة 25 عاماً مع أقاربهم.

وبينما ذكرت إدارة ستالين حينها أن السبب وراء هذا النفي مبني على مزاعم "تعاون أتراك الأهيسكا، الذين كان رجالهم في المقدمة مع الروس، مع النازيين في الحرب العالمية الثانية". ومع ذلك، مع تفكك الاتحاد السوفيتي، أصبح من الواضح أن هذا الادعاء لم يكن صحيحاً وأن الهدف الحقيقي وراء نفي أتراك القرم والأهيسكا كان تطهير منطقة البحر الأسود من الأتراك، وفقاً لسجلات اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية.

وعود بإعادة التوطين

يواصل أحفاد شعب الأهيسكا، الذين نُقلوا من وطنهم ونجوا أينما ذهبوا، حياتهم في كازاخستان وقيرغيزستان وأوزبكستان وأذربيجان والاتحاد الروسي وأوكرانيا والولايات المتحدة الأمريكية وتركيا. ومن بين شعوب القوقاز الذين جرى نفيهم في عام 1944، أولئك الذين لم يتمكنوا من العودة إلى وطنهم بأي شكل من الأشكال كانوا أتراك الأهيسكا،

وبينما يعيش ما يقرب من 20 ألف شخص في منطقة أهيسكا اليوم مشكلين جزءاً صغيراً جداً من السكان في المنطقة. يعيش ما يقرب من 550-600 ألف من أتراك الأهيسكا حول العالم يجمعهم شيء واحد، وهو شوقهم للعودة إلى وطنهم الأم.

من جهتها، التزمت جورجيا، التي استقلت عن الاتحاد السوفيتي في عام 1991، بإعادة توطين أهالي الأهيسكا في وطنهم أثناء مفاوضات قبولها في المجلس الأوروبي عام 2007، لكنها لم تفِ بالوعود التي قُطعت حتى الآن، وفقاً لـTRT Haber.

تجدر الإشارة إلى أن مجموعة من أتراك الأهيسكا استقرت في مدينة إغدير التركية، بموجب قانون استقبال وتوطين الأتراك المسخاتيين، الذي أقره البرلمان التركي في عام 1991. فيما فضلت مجموعات أخرى العيش بمدن مثل اسطنبول وبورصة وأنقرة وإزمير.

ووقعت رئاسة الأتراك في الخارج والمجتمعات ذات الصلة (YTB)، وهي إحدى مؤسسات الجمهورية التركية، التي لم تدخر دعمها لشعب أهيسكا، العديد من المشاريع من أجل الحفاظ على ذكريات المنفى لأهل أهيسكا على قيد الحياة وتمريرها إلى الأجيال القادمة. وفي السنوات التسع الماضية، زار أتراك الأهيسكا منطقة "مسختيان" في جورجيا عدة مرات بدعم من وزارة الخارجية التركية ووكالة التعاون والتنسيق التركية (تيكا).

TRT عربي