عنف صرب الشمال.. ماذا يحدث في كوسوفو؟ وما جذور التوتُّر العرقي فيها؟  / صورة: AP (AP)
تابعنا

عاد التوتر يتصدّر المشهد على الحدود بين صربيا وكوسوفو، عقب أن أكدت الشرطة الكوسوفية الأحد تعرُّضها لإطلاق نار في شمال البلاد، بعد أن أغلق محتجون من أصول صربية طرقاً رئيسية عقب تبادل لإطلاق النار مع الشرطة على وقع اعتقال شرطي صربي سابق، وسط تصاعد التوتر بين الأقلية الصربية والسلطات.

وتصاعدت التوترات بين صربيا وكوسوفو في شهر أغسطس/آب الماضي عندما أعلنت حكومة كوسوفو أن وثائق الهوية الصربية ولوحات ترخيص المركبات لم تعُد صالحة في إقليم كوسوفو. وفي أعقاب تعثُّر المفاوضات بين البلدين دعا الرئيس الصربي الناتو "لأداء عمله" في كوسوفو، محذراً من أن صربيا ستتحرك بنفسها لحماية صرب كوسوفو، الأمر الذي استدعى من رئيس وزراء كوسوفو تأكيد أن بلاده مستعدة للتصدي لهجوم محتمَل من صربيا، محذراً هو الآخر من أن تفاقم النزاعات مع الأقلية الصربية قد يؤدي إلى صراع مسلح جديد.

وكانت كوسوفو، التي يمثّل الألبان أغلبية سكانها، انفصلت عن صربيا عام 1999 وأعلنت استقلالها عنها عام 2008، لكن بلغراد لا تزال تعتبرها جزءاً من أراضيها، وتدعم أقلية صربية تتركز في الشمال قرب الحدود الصربية.

شرارة الخلاف الأخير

اندلعت شرارة الخلاف الأخير بعد نشر كوسوفو الشرطة في المناطق ذات الأغلبية الصربية، التي لا تعترف بحكومة كوسوفو في العاصمة بريشتينا، نهاية الأسبوع الماضي، الأمر الذي ساهم بدوره في زيادة حدة التوترات المستمرة منذ عدة أشهر بسبب خلاف حول لوحات ترخيص المركبات، وهو ما أدى إلى انسحاب الصرب في كوسوفو من جميع المؤسسات المركزية والمحلية.

وعلى الرغم من مرور 14 عاماً على إعلان كوسوفو استقلالها عن صربيا واعتراف أكثر من مئة دولة -ليس من بينها صربيا وروسيا والصين- بكوسوفو دولة مستقلة، لا يزال نحو 50 ألفاً من أصول صربية يعيشون في شمال البلاد يستخدمون اللوحات المعدنية والوثائق الصربية رافضين الاعتراف بالمؤسسات الحكومية في العاصمة بريشتينا.

وتصاعد التوتر بين البلدين الجارين في أغسطس/آب الماضي عقب محاولة حكومة بريشتينا إصدار قرار يفرض على صرب كوسوفو الذين تحمل مركباتهم لوحات تسجيل صادرة في صربيا أن يستبدلوا بها لوحات جمهورية كوسوفو في غضون شهرين، وأوضح حينها رئيس الوزراء ألبين كورتي أن ذلك كان تدبيراً للمعاملة بالمثل. ولكن كوسوفو تراجعت عن قرارها في أواخر الشهر الماضي بعد التوصل إلى اتفاق لإنهاء النزاع.

جذور التوتر العرقي

على الرغم من أن التوترات والصراعات في البلقان، التي كانت دائماً منطقة متعددة الثقافات واللغات، تعود إلى مئات السنين، فإن الصراع العرقي بين الصرب وألبان كوسوفو تصاعد من الحرب العالمية الثانية إلى فترة الحرب الباردة ونهاية التسعينيات. وبينما تصاعدت التوترات بين المجتمعات المختلفة في المنطقة تدريجياً، اشتدت حدة النزاعات وتحولت إلى حرب مسلحة.

وعلى الرغم من أن كوسوفو، التي كانت جزءاً من جمهورية صربيا الفيدرالية خلال فترة يوغوسلافيا، مُنحَت الحكم الذاتي عام 1974، فإن هذا القرار ألغاه عام 1989 القومي الصربي المتطرف سلوبودان ميلوسيفيتش.

لكن مع تَفكُّك يوغوسلافيا أصبح ألبان كوسوفو قلقين مع صعود القومية الصربية، ووضعوا أساس جيش تحرير كوسوفو (UCK)، الذي سيلعب لاحقاً دوراً مهمّاً في استقلال البلاد، خصوصاً بعدما امتدت الصراعات الدموية، أولاً في كرواتيا ثم في البوسنة والهرسك، إلى كوسوفو عام 1998 مع مداهمة القوات الصربية بقيادة ميلوسوفيتش القرى الألبانية وقتل أكثر من 10 آلاف كوسوفي.

ولم تضع الحرب التي استمرت طوال 9 سنين وبلغت ذروتها بين عامَي 1998 و1999، أوزارها إلا بعد أن قصفت قوات الناتو صربيا والجبل الأسود عام 1999.

الطريق نحو الاستقلال

في عام 2004 حدثت أول أزمة كبرى بعد الحرب عُرفت باسم "انتفاضات مارس"، قُتل فيها 19 شخصاً، بينهم 11 ألبانياً و8 صربيين، وأصيب مئات بجروح. في أعقاب ذلك عينت الأمم المتحدة مبعوثاً خاصّاً إلى كوسوفو، قدّم بدوره تقريراً لمجلس الأمن الدولي عام 2007 مشيراً إلى وجوب استقلال كوسوفو. من ناحية أخرى اقترحت صربيا "الحكم الذاتي الخاضع للإشراف".

وتماشياً مع توصية المبعوث وخطة وقرار الأمم المتحدة رقم 1244، أعلنت جمعية كوسوفو استقلالها من جانب واحد في 17 فبراير/شباط 2008.

اعترف عديد من الدول، بما فيها تركيا، باستقلال كوسوفو على الفور. لكن بسبب حقّ النقض من روسيا، أكبر داعم لصربيا على الساحة الدولية، لا تزال كوسوفو غير قادرة على الانضمام إلى الأمم المتحدة.

وعلى الرغم من عدم اعتراف بلغراد باستقلالها، فإن صربيا وكوسوفو وقّعَتا في 19 أبريل/نيسان 2013 "اتفاقية تطبيع العلاقات بين البلدين"، التي وصفها الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي بـ"التاريخية".

TRT عربي