تابعنا
إرادة قوية وخطوات ثابتة من نقطة إلى أخرى داخل الملعب، وتعاون جميل بين فتيات يهوين كرة السلة منذ الطفولة، مما دفعهنّ إلى مواجهة نظرة المجتمع القاسية في غزة للفتاة التي تمارس الرياضة.

غزة ـــ حلمهنّ أن يصبحن لاعبات كرة سلة كبيرات. والتشجيع الوحيد الذي يتلقينه يكون من الأهل والعائلة والمقربين، أما المجتمع بصفة عامة فيرفض الرياضة بشكلٍ عامّ للفتيات، ويرى فيها عيباً كبيراً.

النتيجة نقص كبير في نسبة الفتيات اللاتي يمارسن مختلف أنواع الرياضة. لكنّ هؤلاء الفتيات يتحدّين المجتمع، ويرفضن مواضعاته، بل ويقاومنه عن طريق إثبات أهمية الرياضة للإناث أيضاً.

سفيرات الرياضة النسائية

بيسان عودة (20 عاماً) طالبة جامعية، وُلدت في عائلة تحب الرياضة، وتعلمت هذه اللعبة منذ أن كانت في العاشرة. يُعتبر والدها أهم مشجعيها لممارسة رياضة كرة السلة، إذ دعمها بشكل كبير للانضمام إلى فريق رياضي، لتمارس هذا النوع من الرياضة. هذه نقطة القوة لدى بيسان: دعم عائلتها لها.

تقول لـTRT عربي "دعم العائلة كان السند الأول والأخير لي، فقد شجعني على تعلُّم لعب كرة السلة. والدتي أيضاً تشجِّع فكرة ممارسة الفتاة الرياضة، وخروجها، والتفريغ النفسي المستمر لها، كما أن أصدقائي يدعمونني".

وتضيف بيسان "أرى أن من حق الفتاة أيضاً أن تمارس الرياضة التي تحلو لها، ومن حقها أن تحلم أن تصير بطلةً كبيرة، هذا ليس عيباً بل نقطة إيجابية تقوّي شخصية الفتيات أكثر فأكثر".

تقضي بيسان ما يقارب إحدى عشرة ساعة مع زميلاتها في التدريب خلال الأسبوع، وفي بعض الأحيان تكون التدريبات مضاعفة من أجل التحضير لمباريات محلية، كما هو عليه الحال في هذه الفترة، إذ تتدرب من أجل بطولة محلية في نهاية الشهر الحالي.

على الرغم من وجود داعمين لفكرة ممارسة الفتاة للرياضة، فإنّ البعض ينتقد بيسان ويشعر بالاستغراب عند رؤيتها بزيّ الرياضة، أو وهي تتنقل بباص النادي الرياضي الذي تنتمي إليه.

توضح بيسان بأسى "نشعر بتحدٍّ كبير عندما نسمع الانتقادات اللاذعة من المجتمع، بسبب نشرنا ثقافة الرياضة للمرأة أيضاً، ودفاعنا عن حقها في ذلك".

وتضيف "لقد سمينا أنفسنا سفيرات للرياضة في غزة، ونحلم أن يزداد عدد الفتيات في مختلف الرياضات، نريد أن نقاوم المجتمع الذي لا يسمح للبنات بممارسة الرياضة إلا في الطفولة، وحين تصل إلى النضج يُصبح ذلك مرفوضاً".

تتابع الفتيات مباريات دولية خارجية عبر مواقع التواصل الاجتماعي ويوتيوب، وذلك لكسب خبرة من اللاعبين المفضلين لديهنّ، وتعلّم حركاتٍ ومهارات مميزة ونقلها إلى الفريق ومحاولة تطبيقها مع المدرب، كما تختار الفتيات أرقام الزي الخاص بهن بناء على متابعاتهنّ للاعبين الدوليين الذين يرينهم قدوتهن في اللعب. بالنسبة إلى بيسان، فهي تتابع اللاعب الأمريكي مايكل جوردن.

قسوة المجتمع على الفتاة في غزة

ليلى الطباع (19 عاماً)، بدأت في رياضة كرة السلة منذ 7 سنوات. في البداية لم تكُن مهتمة جدّاً بالدفاع عن حق الفتيات في ممارسة الرياضة، مما جعلها تتوقف عن التدرُّب مدّة من الزمن.

تحكي ليلى لـTRT عربي "المجتمع قاسٍ جداً على الفتاة من النواحي كافة، كأنه لا يعلم أن تعليقاته القاسية تؤثّر بشكل كبير علينا كفتيات، فبعضنا يفقد ثقته بنفسه وينعزل عن المجتمع، ومنهن من تكره نفسها لمجرد أنها أنثى من قسوة التعليقات التي تنهال عليها".

وتضيف "انقطعت لفترة عن ممارسة الرياضة بسبب تعليقات الناس على ذهابي للتدريب ورؤيتي بزيّ الرياضة على الرغم من صغر سني. إنهم يقيدوننا ويرفضون اندماجنا في أي مجال، ويعتبرون أننا خُلقنا للبيت فقط".

حتى عدد اللاعبات اللاتي تعرفهنّ ليلى قليل جدّاً، ولا يكفي لإجراء مباريات محلية داخل غزة، مما يجعل الأمر، بالنسبة إلى الشابة، أشبه بضربٍ من العبث. فهنّ يتدرّبن بشراسة، لكنهن لا يرين نتيجة تدريباتهن.

تقول ليلى "مؤخراً بدأ العدد يزيد قليلاً، وبدأت الفتيات يتشجعن لتشكيل فريق وللمنافسة واكتشاف بعضهن مستويات بعض في اللعب".

تعاني ليلى مع مسألة تقلص أعداد الفتيات بعد سن 18 عاماً، فأغلب الفتيات اللاتي يلعبن حتى الآن هنّ من فئة الأطفال، مما جعلها تعيش حالة من القلق والخوف من انقطاعها مرة أخرى وعدم ممارسة الرياضة التي تحبها.

لكنها تؤكّد محاولاتها الدائمة للتمسك بصديقاتها اللاتي يلعبن الآن، وإقناعهن بالاستمرار معاً.

يرجع النقص في عدد الفتيات البالغات اللاتي يمارسن رياضةً مثل كرة السلة، إلى العقلية التي لا يزال المجتمع الغزي يحملها عن الأدوار المنوطة بالفتاة، فكثير من العائلات ترى أن الفتاة خلقت للزواج والبيت والأطفال، وأنّ اقتحام مجالات معينة في المجتمع ليس ضرورياً.

الحصار عائق أمام أحلامهن

يؤثر الحصار المفروض على قطاع غزة أيضاً بشكل سلبي على الأنشطة الرياضية بالقطاع، ويحرم عديداً من الفرق من المشاركة الدولية.

تشعر هؤلاء الفتيات بالأسى لعدم قدرتهن على تحقيق أحلامهن بالخروج من مدينتهن، واللعب مع فرق أخرى، وهو أمر قد يشجعهن على الاستمرار فيكسبهن مهارات وخبرة أكثر

في هذا السياق تعتبر داليا نصر (19 عاماً) مواقع التواصل الاجتماعي منقذاً لها، إذ تساعدها على التواصل مع الفتيات في الضفة الغربية وتبادل الخبرات معهن.

تقول لـTRT عربي "الحصار قاتل للأحلام، إنه يحرمنا من الخروج للمشاركة في مباريات خارجية، لكن لدي علاقات جيدة جداً مع فتيات يلعبن كرة سلة في الضفة الغربية، وهن أكثر منا عدداً ونتواصل باستمرار بتبادل فيديوهات للمهارات التي نتقنها ويستشير بعضنا بعضاً بالتمارين".

وتضيف "نحلم اليوم بمقابلة صديقاتنا في الضفة الغربية واللعب معهن والاستفادة منهن، نحن لم نطلب شيئاً كبيراً، لا نريد مغادرة البلاد، بل الذهاب إلى الضفة الغربية فقط".

وتتمسك داليا برياضة كرة السلة، وقد طورت مهاراتها بأخذ دورات إضافية للتدريب والحكم لكي تصبح مدربة للأطفال بسنّ ست وسبع سنوات. وبتشجيعٍ من عائلتها تستمرّ في اللعب، لكن مع نظرة المجتمع يحتاج الأمر إلى تَحَدٍّ وقوة أكبر من أجل الاستمرار.

داليا مستمرة في النضال والمقاومة لتحقيق حلمها.

الرياضة تعلّم الصبر والتعاون

كرة السلة علّمت الفتيات الصبر والتحدي، وهذا ما تحتاج إليه الفتاة من أجل نيل مرادها في مجتمع ذكوري من الدرجة الأولى. لا تزال نهاوند العجلة (13 عاماً) تحارب مع أختها أهداب التي تلعب معها بنفس الفريق، وهي التي تشجعها وتدعمها من أجل الاستمرار.

تحكي نهاوند لـTRT عربي: يظن الجميع أن الرياضة مضيعة للوقت، بخاصة بالنسبة إلى الفتيات، لكنني أراها المستقبل الذي أستند إليه. إنها تعني لي الكثير. وأحلم أن أصير لاعبة كرة سلة كبيرة. لقد ساعدتني هذه الرياضة على أن أكون أكثر اجتماعية، وعلى تكوين علاقات مع صديقات جديدات، كما أصبحت لديّ روحٌ رياضية، وأشعر بفخر كبير عندما أتحدث عن نفسي مع زملائي في المدرسة وأخبرهم أنّ لدي خبرة ثلاث سنوات في اللعب".

يطرح الجميع على هؤلاء الفتيات سؤالا باستمرار، وهو: هل فرق كرة السلة هذه مختلطة، أي هل تلعب فيها الإناث والذكور على حد سواء؟

هذا السؤال، حسب لاعبات كرة السلة اللاتي قابلتهن TRT عربي، مزعج، إذ يرين أنّ المجتمع يعيب عليهنّ اللعب إلى جانب الذكور، وهو ما يزيد التحديات أمامهن.

ويساعد المدرب محمد عاشور هؤلاء الفتيات على تجاوز التحديات والمعيقات المحيطة بهن، إذ يعمل على تطوير مهاراتهنّ في رياضة كرة السلة.

يقول لـTRT عربي "لا خلاف على أن المجتمع ذكوري ولا يسمح للفتاة بعد سن 18 عاماً بالاستمرار في اللعب، وهو ما يجعل عدد الفتيات فوق 18 عاماً قليلاً جدّاً. إنه سنّ مرحلة الجامعة التي يبدأ فيها المجتمع اعتبار الفتيات بالغاتٍ وناضجاتٍ، ومن غير المسموح لهن اللعب وممارسة الرياضة".

ويضيف عاشور "في المقابل فالطفلات من سن الثامنة حتى السادسة عشرة، يتجاوز عددهن الستين، وهن يتعرضن لمضايقات من المجتمع ولنظرة سلبية جدّاً. عندما تشتكي إليّ بعضهن من ذلك، أحاول جاهداً دعمهنّ نفسياً، وإقناعهنّ بأن الرياضة مفيدة للفتاة أيضاً من كلّ النواحي".

بالنسبة إلى المدرب عاشور فإنه لا يوجد سوى أربع فرق لكرة السلة فئة الفتيات في غزة كلها. أما باقي مدن ومحافظات القطاع فلا تمارس فيها الفتيات هذه الرياضة أصلاً، بسبب فكرة المجتمع الرافضة لذلك.

ويحلم عاشور بالسماح لفرق الفتيات بالخروج من قطاع غزة من أجل كسر الروتين، والاستفادة من تدريبات مكثفة مع فرق أخرى واكتساب المهارات. إنه حلم مشترك للمدرب واللاعبات الشابات، اللاتي يرغبن في المشاركة في بطولاتٍ خارجية، والحصول على مراكز مميزة يُرفع فيها اسم فلسطين وعلمها فخراً بما أنجزته نساؤها.

 يساعد المدرب محمد عاشور هؤلاء الفتيات على تجاوز التحديات والمعيقات المحيطة بهن، إذ يعمل على تطوير مهاراتهنّ في رياضة كرة السلة (TRT Arabi)
تحلم فتيات كرة السلة بغزة بمقابلة صديقاتهن في الضفة الغربية واللعب معهن والاستفادة منهن (TRT Arabi)
تقضي بيسان عودة ما يقارب إحدى عشرة ساعة مع زميلاتها في التدريب خلال الأسبوع،وفي بعض الأحيان تكون التدريبات مضاعفة (TRT Arabi)
بدأت ليلى الطباع في رياضة كرة السلة منذ 7 سنوات. في البداية لم تكُن مهتمة جدّ اًبالدفاع عن حق الفتيات في ممارسة الرياضة لكنها أصبحت مدافعة شرسة عن هذا الحق بعد ذلك (TRT Arabi)
 تعتبر داليا نصر (19 عاماً) مواقع التواصل الاجتماعي منقذاً لها، إذ تساعدها على التواصل مع الفتيات في الضفة الغربية وتبادل الخبرات معهن (TRT Arabi)
تتابع الفتيات مباريات دولية خارجية عبر مواقع التواصل الاجتماعي ويوتيوب، وذلك لكسب خبرة من اللاعبين المفضلين لديهنّ (TRT Arabi)
لا تزال نهاوند العجلة (13 عاماً) تحارب مع أختها أهداب التي تلعب معها بنفس الفريق، وهي التي تشجعها وتدعمها من أجل الاستمرار (TRT Arabi)
تعاني ليلى مع مسألة تقلص أعداد الفتيات بعد سن 18 عاماً، فأغلب الفتيات اللاتي يلعبن حتى الآن هنّ من فئة الأطفال (TRT Arabi)
TRT عربي