تابعنا
غزة... الميناء حزين باصطفاف مراكب الصيادين بلا عمل لعدة أيام بسبب قرار إسرائيلي بإغلاق البحر أمام الصيادين ومنعهم من ممارسة مهنتهم الوحيدة التي تطعم أسرهم.

غزة ــ الاحتلال ينفجر بشكل مستمر في وجه الصيادين ويمارس العنف ضدهم بفرض عقوباته، بالمضايقات المستمرة أو بمنعهم من الصيد بشكل كامل.

تبدو علامات الحزن والبؤس واضحة على وجوه الصيادين الذين يجلسون في غرفهم بين شباكهم ينتظرون خبر رفع الحظر عن الصيد وممارسة مهنتهم، اعتادوا تذوُّق مرارة هذه المهنة منذ أكثر من 13 عاماً، كأنّ الاحتلال يعاقب الصيادين فقط على اختيارهم هذه المهنة ويحرمهم منها باستمرار.

مهنة الصيد هي ثاني مصدر دخل للمواطنين في قطاع غزة بعد الزراعة، وقد ضعفت بشكل كبير بسبب الحصار المفروض على المدينة منذ أكثر من 13 عاماً. أُغلقت المعابر ومُنع دخول عديد من المواد الخام والغذائية وغيرها من مقومات الحياة، وتقلّصت مساحة الصيد، كما مُنع إدخال الأدوات الخاصة بالصيد، ومُنع التصدير الى الخارج وعديد من الإجراءات التعسفية التي تسببت في خنق أهالي قطاع غزة.

آلاف من الصيادين وُلدوا قرب البحر. هذا الأخير صار بمثابة الأكسيجين في حياتهم. أحمد الهسي (57 عاماً) يعمل في مهنة الصيد منذ أكثر من 40 عاماً عندما كان طفلاً صغيراً. ورث المهنة من والده وورّثها لأبنائه وأحفاده. تبدو علامات الحزن واضحة على الهسي الذي كسر الحصار ظهره وأفقده جزءاً من روحه.

يصف الهسي لـTRT عربي حال الصيد قائلاً "الاحتلال يستعرض قوته على الصيادين ويحرمنا من مصدر رزقنا الوحيد، لم تعُد مهنة الصيد كما كانت في السابق، إذ أطفأ الاحتلال بهجتها وحوّل الصيادين إلى فقراء ينتظرون المساعدات من أجل أن يعيش أطفالُهم، ولا يكتفي بمنعهم من الصيد بل يكبّدهم خسائر هائلة بمعداتهم ومراكبهم".

تقليص مساحة الصيد بشكل مستمر

لا يستطيع الصياد أن يفرح بمساحة صيد معيَّنة طيلة الوقت، فقرارات الاحتلال صادمة في أي لحظة. يقول الهسي: "عندما نكون داخل البحر ونصطاد نُفاجأ بأن الاحتلال منع الصيد لأكبر من مساحة 6 أميال، وفي بعض الأحيان يجعلها 12 ميلاً ويتراجع بسرعة عن قراره، لا مساحة صيد محددة نستطيع التأقلم معها، وعلى أساسها نحدّد تغطية مصاريف الصيد من وقود للقوارب وأجور للعمال الذين يخرجون للصيد في منتصف الليل من أجل توفير شواقل قليلة لأسرهم".

حصار وفَقد

فقد أحمد الهسي ابنه محمد خلال عمله ليلاً في البحر، عندما كان برفقة أبناء عمه في رحلة صيد كالمعتاد، لكنّ السفن البحرية الإسرائيلية هاجمته وأطلقت النار نحوه حتى فُقد في البحر في نهاية عام 2017، ولم تعثر عليه عائلته حتى اللحظة. كسرت هذه الخسارة ظهر الهسي.

يقول بحسرة: "قضيتُ حياتي كلها في البحر، ولم أتوقع لحظةً أن أفقد ابني فيه بسبب ظلم الاحتلال، ما زلت أشعر بنفس الخوف حينما يخرج أحد من أبنائي للصيد. لا آمَنُ عليهم من ظلم هذا الاحتلال أبداً، في ليلة سوداء فقدت ابني ومركب الصيد الذي كان يعول أكثر من ثلاثين أسرة، الاحتلال أفقدني قطعة من روحي، والآن يُفقِدني مصدر رزق أبنائي وأحفادي اليتامى".

تراكُم الديون على الصياد

يعاني الصيادون من قلة توافر أدوات الصيد بسبب عدم سماح الاحتلال بدخولها عبر المعابر، وهذا يؤدي إلى هلاك المراكب وعدم القدرة على إصلاحها، مما يجبر الصياد على تراكم الديون لشراء الغزل وإصلاحه.

"عندما يخرج الصياد للصيد يفكر في كيفية سداد ديونه من تعويض الوقود الذي يستهلكه خلال الصيد، فالجميع لديهم ديون متراكمة لا تقل عن 8 آلاف شيقل، وهذه تحتاج إلى الصيد لكي يبيع الصياد ويسدد الديون المتراكمة وإلا فقد تكون نهايته السجن"، يقول الهسي لـTRT عربي.

يذهب ثلثا ما يحصّله الصياد خلال خروجه للصيد إلى تسديد الديون ودفع أجرة الوقود الذي استهلكه خلال الصيد. أما الباقي فيوزَّع على العمال، فلا يتبقى للصياد سوى مبلغ 20 شيقلاً (8 دولارات) لا تكفيه حتى لتوفير متطلبات أسرته.

المضايقات داخل البحر

تَعوَّد الصيادون مضايقات الشرطة البحرية الإسرائيلية التي تعترض مراكب الصيد وتتعمد إتلافها أو تعطيلها عن الصيد. جمال بكر (56 عاماً) يعمل في الصيد منذ 42 عاماً، وصف قرار منع الصيد بالظلم الكبير للصيادين ووقف حياتهم ومصدر رزقهم.

"قبل سنوات الحصار كان الصيد جيداً نوعاً ما، من بداية الثمانينيات حتى سنة 2000 كنا نستطيع الصيد في أي مساحة، وكان البحر مفتوحاً أمامنا بشساعته، قبل أن تبدأ مضايقات الاحتلال، وتزداد في سنوات الحصار"، يقول جمال لـTRT عربي.

ويضيف: "ضاق الخناق علينا بشكل كبير بعد حرب 2014، إذ تضاعفت مشكلات مساحة الصيد التي قُلّصَت كثيرًا ما بين 6 أميال و15 ميلاً، وعندما تأتي توسعة مناطق الصيد، يكون ذلك في أماكن لا تتوافر فيها الأسماك".

ويرى هؤلاء الصيادون أنّهم الطبقة الأضعف في قطاع غزة، إذ أصبحوا يبحثون، طول الوقت، عن المساعدات وعن فرص عمل مؤقتة، لكسب قوت عيشهم اليومي.

80% من الصيادين تحت خط الفقر

يبلغ عدد الصيادين في غزة أكثر من 4 آلاف صياد يعولون عشرات آلاف من الأسر، باعتبار أن عديداً من المهن يعتمد على الصيد، ووقف هذه المهنة يؤثّر بشكل سلبي على مختلف المجالات، حسب نقابة الصيادين بغزة.

نقيب الصيادين نزار عياش وصف الفترة بعد الحرب الأخيرة بالأكثر صعوبة على مهنة الصيد قائلاً لـTRT: "المتحكم الوحيد في البحر هو الاحتلال الإسرائيلي، لذلك لا يوجد طرف آخر غيره مسيطر بشكل كامل على البحر، لهذا يتحكم في الصيد ويقرر إغلاق أو فتح البحر كما يريد، وهذا الأمر صعب جدّاً على الصيادين، فهم يُعتبرون عاطلين عن العمل من دون الصيد، وقوت يومهم متوقف على الخروج للصيد، إن لم يخرج فلن يجد طعاماً هو وأطفاله".

ويضيف: "الاحتلال يحاول الضغط على الصيادين لإضعاف المجالات كافة التي تعتمد على الصيد، وتتنوع أشكال المضايقات التي يمارسها الاحتلال ضدّ الصيادين، من اعتراض لمراكبهم ومصادرتها واعتقالهم، إلى إطلاق النار نحوهم ورَشّ المراكب بالمياه بهدف إغراقها وإلحاق خسائر كبيرة بها، فإن الصياد ليس لديه دخل آخر من أجل إصلاح مراكب الصيد الذي يعمل به فقط لعول أسرته".

وبعد أن كان الصياد في غزة صاحب مهنة تغنيه عن الحاجة، أصبح يحتاج إلى مساعدات من الأونروا والحكومة من أجل عول أسرته ويبحث عن فرص عمل مؤقتة لفقدانه الأمل من مهنة الصيد التي لم تعد توفّر له أي شيء.

هذا ولا تحمي جهة حقوق الصياد في غزة، بل جميعها محاولات للضغط على إسرائيل بتخفيف العقوبات عن الصيادين الذين لا ذنب لهم في الظروف التي تتغير في غزة، ولكن عديداً من المحاولات فشلت لأن الاحتلال يقرّر من نفسه فتح أو اغلاق البحر في الوقت الذي يناسبه.

على الرغم من الصعوبات التي يواجهها الصياد فإنه يجد البحر حياته التي لا يستطيع الانقطاع عنها أبداً، لهذا يقضي يومه كاملاً في الميناء يتفقد قاربه وشباك الصيد ويجلس مع الصيادين يتذكرون الظروف التي تعطيهم الأمل لربما تعود يوما ما.

تصطفّ مراكب الصيادين في غزة بلا عمل لعدة أيام بسبب قرار إسرائيلي بإغلاق البحر أمام الصيادين ومنعهم من ممارسة مهنتهم (TRT Arabi)
لا يستطيع الصياد أن يفرح بمساحة صيد معيَّنة طيلة الوقت، فقرارات الاحتلال صادمة في أي لحظة (TRT Arabi)
على الرغم من الصعوبات التي يواجهها الصياد فإنه يجد البحر حياته التي لايستطيع الانقطاع عنها أبداً (TRT Arabi)
مهنة الصيد هي ثاني مصدر دخل للمواطنين في قطاع غزة بعد الزراعة، وقد ضعفت بشكل كبير بسبب الحصار المفروض على المدينة (TRT Arabi)
يجلس الصيادون في غزة بين شباكهم منتظرين خبر رفع الحظر عن الصيد للعودة إلى عملهم (TRT Arabi)
TRT عربي