قساوسة يونانيون يعمّدون الطيارين و6 مقاتلات مستعملة من طراز رافال. (Others)
تابعنا

في استعراض ديني جديد يُظهِر مدى اعتماد الحكومة اليونانية، التي تتغنى دوماً بالقيم العلمانية أمام تركيا، على الدين للتحشيد ضد تركيا في أزمة شرق المتوسط، عمّد قساوسة يونانيون في مراسم دينية خاصة، الطيارين و6 مقاتلات مستعملة من طراز رافال الفرنسية، كانت اليونان اشترتها لتعزيز سلاحها الجوي ضد التفوق التركي.

وليس استخدام الدين للتحشيد ضد تركيا بالأمر الجديد الذي يقتصر على الطائرات والطيارين، بل أصبح ممارسة شبة يومية من الحكومة اليونانية التي طالما طالبت تركيا بالتزام القيم العلمانية التي أُسّست عليها عام 1923، لكسب ودّ المواطنين اليونانيين خصوصاً المتدينين والقوميين، فضلاً عن كسب تعاطف اليمين الأوروبي الذي يقف وراء أثينا ويدعمها في القضايا السياسية والعسكرية ضد تركيا.

وبينما تكيل أثينا لأنقرة الاتهامات بعدم احترام الإرث المسيحي والبيزنطي على الأراضي التركية، لا تتوانى الحكومة اليونانية عن تضيق الخناق على الجالية التركية المسلمة في إقليم تراقيا اليوناني، التي ما زالت تعاني مشكلات متنوعة وانتهاكات مستمرة وحرماناً من أقلّ الحقوق الإنسانية في الهوية العرقية والتعليم وصولاً إلى تعيين المفتين.

ملفات الخلاف بين البلدين

التوتر بين البلدين ليس وليد الأحداث والسنوات الأخيرة، بل إن جذوره ضاربة في القدم منذ بدء النزاع السلجوقي-البيزنطي عام 1048، الذي ورثة العثمانيون بدءاً من عام 1300 واستمر على شكل انتفاضات شعبية في الأعوام الأخيرة التي سبقت نهاية حقبة الدولة العثمانية، وما تبعها من غزو يوناني لتركيا انتهى بدحر اليونانيين خلال حرب الاستقلال والتحرير التي قادها مصطفى كمال أتاتورك ورفاقه بين عامي 1919 و1923.

فإلى جانب ملف صراع غاز شرقي المتوسط الذي طغى على العلاقة بين البلدين في السنوات الأخيرة ودفع اليونان إلى التحشيد ضد تركيا على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية، نجد أيضاً الخلاف حول آلية الحلّ النهائي في جزيرة قبرص، فضلاً عن ملف الجزر المختلَف عليها في بحر إيجة، والتي تُعَدّ من أبرز ملفات الخلاف حساسية في العلاقة بين البلدين، إذ تُعتبر ركيزة نزاع أساسية تتخذها اليونان ذريعة لتمديد سيطرتها على المجال البحري والجوي في بحر إيجة.

وبالإضافة إلى ملفات الخلاف السابقة، يحظى ملفّ الأقلية التركية المسلمة الساكنة في إقليم تراقيا الغربي بثقل لا يقلّ أهمية عن الملفات الأخرى، إذ يعاني أكثر من 150 ألف تركي مسلم من سكان الإقليم مشكلات متنوعة وانتهاكات مستمرة وحرماناً من أقل الحقوق الإنسانية، بدءاً من استثنائهم من اتفاقية التبادل السكاني قبل 97 عاماً، مروراً بالانتهاكات الشديدة للحقوق الأساسية إبان فترة حكم العسكر لليونان ابتداءً من عام 1967 حتى سقوطهم في أعقاب "عملية السلام" التركية في جزيرة قبرص عام 1974، وصولاً إلى الأزمة الحالية المتمثلة برفض الحكومة اليونانية الاعتراف بهُويّتهم العرقية فضلاً عن التدخل بشؤونهم الدينية والتعليمية.

الدين وسيلة للتحشيد

لا تنفكّ الحكومات اليونانية المتعاقبة تستخدم الدين المسيحي للتحشيد ضد تركيا، سواء داخل الحدود اليونانية أو خارجها، لكسب تعاطف ودعم المجتمعات المسيحية في العالم أجمع، وبالأخصّ أوروبا والولايات المتحدة. وإلى جانب الدين تحاول أثينا إقحام التراث البيزنطي أيضاً في دعايتها الدينية الموجهة ضد تركيا وشعبها.

ففي أعقاب تحويل أنقرة أيا صوفيا ليصبح مسجداً من جديد، استغلت أثينا هذا الموضوع وبدأت تروّج أن تركيا تخلّت عن قيمها العلمانية وأصبحت دولة دينية، وأن أردوغان وحزبه يسعون من خلال هذه القرارات لإعادة إحياء الخلافة العثمانية التي انتهت قبل قرابة قرن من الزمن، وفقاً لادّعاءات وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس الذي قال: "على تركيا إنهاء السياسات العثمانية الجديدة والعودة إلى تفاهم الدولة العلمانية".

لكن المراقب للأفعال والممارسات اليونانية يرى عكس التصريحات تماماً، وإذا ما احتجنا إلى ضرب أمثلة على عودة الحكومة اليونانية إلى عقلية الماضي والتحشيد بالدين، لعل نصب اليونان صليباً عملاقاً على ارتفاع شاهق قرب الحدود التركية منتصف سبتمبر/أيلول 2020 هو أحد الأدلّة على استخدام أثينا الدين للاستفزاز والتحشيد.

هل يكفي التعميد لخلق تفوُّق جوي؟

منذ اندلاع توتر شرق المتوسط بين البلدين، لم تسعَ اليونان لحشد مزيد من الحلفاء الأوروبيين ودول المنطقة إلى صفّها وحسب، بل حاولت جاهدةً ردم الهوة بينها وبين تركيا التي تفوقها عسكرياً، عدداً وعدة، برّاً وبحراً وجوّاً.

ومن أجل مجاراة التفوق الجوي التركي الذي حلّ بالمرتبة التاسعة عالمياً من خلال امتلاكه أكثر من ألف و56 طائرة، إلى جانب المسيَّرات الوطنية التي أحدثت ثورة حقيقية في تفوق تركيا الجوي بالمنطقة والإقليم، لجأت اليونان المتأخرة عن تركيا بمراحل (المرتبة 18 عالمياً في القوة الجوية) إلى فرنسا لمساعدتها على تعزيز سلاحها الجوي بمقاتلات رافال مستعملة بموجب عقد شراء قُدّر بنحو 2.5 مليار يورو.

وتعقيباً على إعلان أثينا توقيعها عقد شراء مقاتلات مستعملة من فرنسا نهاية سبتمبر/أيلول 2021، قال وزير الدفاع التركي خلوصي أقار: "لا يمكن تغيير ميزان القوى من خلال امتلاك عدة طائرات مستعملة". لكن يبدو أن أثينا وجدت الحلّ في التعميد لإحداث الفارق في المجال الجوي!.

TRT عربي
الأكثر تداولاً