"كما في 1918".. كيف ترتبط كرة القدم بالحروب العالمية؟ (Anne-Christine Poujoulat/AFP)
تابعنا

عنوان مثيرٌ للجدل ذلك الذي دبّجت به يومية "L’équipe" الفرنسية افتتاحيتها الأربعاء، تعليقاً على فوز منتخب بلادها على نظيره الألماني، خلال الدور الأول من بطولة أمم أوروبا 2020، الجارية الآن في أكثر من عاصمة أوروبية.

ثلاث كلمات بالبنط العريض: "كما في 18"، تحمل دلالة تاريخية مستفزَّة، ذكَّرت الشعبين الجارين بإحدى مراحل الاقتتال الدموي بينهما، وقلَّبت مواجع الحرب العالميَّة الأولى التي قضت على أكثر من 16 مليون إنسان، وخلَّفت أكثر من 20 مليون إصابة.

فيما الامتعاضُ سائدٌ، فرنسياً وألمانياً، من الاستغلال السافر للرمزية التاريخية المؤلمة، في أغراض ترويجية، لا تمت للرياضة ولا للروح الرياضية بصلة.

"كما في 18" ماذا تعني؟

"كما في 18"، عنوان لمس الوتر الحساسَ في العلاقات الفرنسية الألمانية، مما فهم منه إحالة إلى سنة 1918، حين أعلنت هزيمة الألمان في الحرب العالمية الأولى على يد الحلفاء، موقعين معاهدة استسلامهم بفرساي الفرنسية. معاهدة ستكون بعدها الدرج التي صعدت عليها النازية الألمانية، وأحد الأسباب غير المباشرة لتجدد ويلات الحرب العالمية في نسختها الثانية.

رغم أن الجريدة الرياضية الفرنسية، داخلَ الصفحات التي تلت الأولى، جاهدت في تفسير أن الأمر على أنه إحالة لفوز المنتخب الفرنسي بكأس العالم 2018، لكن هنا يبقى السؤال عن أي رابط بينها وبين المنتخب الألماني؟ مع العلم أن ألمانيا لم تقابل فرنسا في أي مرحلة تأهيلية أو نهائية لكأس العالم التي احتضنتها روسيا في العام ذاته.

إذن الشكوك تزداد في القصد، وبصراحة تكشفها الصحافة الفرنسية، ممتعضة من قرينتها في الميدان، قال موقع " Révolution permanante " الصحفي اليساري:"لقد تحرَّقت جريدة L’équipe لربط هذا الفوز بأي حدث. لكن اختيارها لم يأت إلا لتبيان توجهها الشوفيني، والاحتفاء بالفوز الفرنسي على ألمانيا خلال الحرب الإمبريالية".

موقع RTBF البلجيكي هو الآخرُ علَّق على الحدث، قائلًا: "ربما كان واضع العنوان يرغب في رسم ابتسامة على محيا القارئ، لكنَّه أخطأ التقدير بشكل تام".

امتعاضٌ على تويتر.. والسفير الألماني يهدئ

أطلق عنوان " L’équipe" الفرنسية الجماح لجدل اجتاح مواقع التواصل الاجتماعي، على رأسها تويتر الذي امتلأ بتغريدات احتجاجيَّة. إحداها كانت للصحفي الفرنسي نيلس فيلكه، الذي وصف العنوان قائلًا: "مزيج من الذوق السيئ وكراهية ضد الألمان".

وغرَّد في السياق ذاته بينجامان برييو المدون الفرنسي المختص في التاريخ: "ما هذا بحق الجحيم؟ " L’équipe" أنتم حقيقة مرضى!". وعلَّق مراسل جريدة "ليبيراسيون" ببرلين، جاك بيزي في تغريدة باللغة الألمانية: "عنوان أخرق بحمولة معادية للألمان، ويحيل على الحرب العالمية الأولى".

فيما تدخَّل السفير الألماني على خط الجدل القائم، بهدف التهدئة، بتدعيم ادعاءات الجريدة الفرنسية بأن الأمر متعلِّق بكأس العالم 2018، فغرَّد هو الآخر قائلًا: "ما زلنا نسترجع ألم آداء منتخبنا السيئ خلال مونديال 2018، لكن أصدقاءنا الزرق جعلونا نعيش أسعد اللحظات. عاشت الصداقة الألمانية الفرنسية!".

كرة القدم والحروب العالمية

وعلى استفزاز صيغة عنوان "L’équipe" الفرنسية، ليست هي أول مرَّة ترتبط فيها كرة القدم بالأحداث السياسية الكبرى، على رأسها الحروب العالمية، وتكون مساحة استقطاب سياسي كبير.

حيث، ومن ثلاثينيات القرن الماضي، سوِّق لانتصارات المنتخب الإيطالي، وفوزه بكأس العالم سنتي 1934 و1938، على أنه أحد انتصارات النظام الفاشي الذي يسود البلاد وقتها، وتجلياً للازدهار الذي أحلته زعامة موسوليني، وكان ذلك الخطاب الذي روجته آلة البروباغندا الفاشية للجماهير الإيطالية.

في الحقبة ذاتها، ارتبط اسم نادي ريال مدريد بالديكتاتور فرانكو، حيث سخَّر هذا الأخير كل جهوده لكي يكتسح النادي المشهد الكروي بأوروبا. كما مثَّلت كرة القدم بالنسبة للرايخ الثالث إحدى الميادين لإثبات سيادة أيديولوجيته، فوضع الرابطة الألمانية لكرة القدم تحت قبضة هيئة الرياضة النازية، حيث عمِّد الدوري الألماني باسم الـ"غوليغا"، واستثني من المشاركة فيه كل الأندية العمليَّة واللاعبين اليهود.

بل وساهمت كرة القدم في نشوب نزاعات مسلَّحة بين الدول، كما في سنة 1969، بين هندوراس وسلفادور خلال الأدوار المؤهلة لكأس العالم 1970. حيث كانت المباراة التي فاز فيها الفريق السلفادوري النقطة التي أفاضت كأس التوترات السياسية المتصاعدة بين البلدين.

حشدت كل من الدولتين جنودها على الحدود، وفي 3 يوليو/تموز من السنة نفسها، انتهكت طائرة من هندوراس أجواء سلفادور وأطلقت على كتيبة من جنودها النيران، مما أدى إلى تنفيذ السلفادور هجوماً واسع النطاق اخترقت فيه قواتها مسافة 40 كم من التراب الهندوراسي. ولم تتورع هندوراس كذلك عن إرسال طائراتها لشن غارات على مدن سلفادورية. انتهت هذه الحرب بوساطة دوليَّة، وبحصيلة دمار في البنى التحتيَّة وخسائر في الأرواح.

TRT عربي
الأكثر تداولاً