تابعنا
اضطرّ الكثير من أهالي محافظة إدلب في ريفها الجنوبي الشرقي إلى ترك منازلهم، بسبب تقدّم قوات الأسد والقصف المكثف الذي تتعرّض له هذه المناطق. أوضاعٌ مزرية يعيشها النازحون الباحثون عن الأمن، ولم تخفّف معاناتهم إلّا ببعض المبادرات الفردية.

تشهد محافظة ﺇﺩلب في ريفها الجنوبي الشرقي تقدُّماً لقوات نظام الأسد، تترﺍفق بقصف مكثف بالمدفعية ﺍلثقيلة وﺍلطيرﺍﻥ ﺍلحربي والمروحي لنظاﻡ الأسد وحليفه الروسي على المنطقة، الأمر الذي دفع الأهالي إلى ترك منازلهم، بخاصة من مدينة معرَّﺓ ﺍلنعماﻥ وﺭيفها التي تشهد ﺣركة نزوﺡ مكثفة للأهالي باتجاﻩ ﺍلحدوﺩ ﺍلسوﺭية ﺍلتركية، معظمهم يعيشون حالة ﺇنسانية صعبة، ويكافحون من أجل البقاء في رحلة بحثهم عن أماكن أكثر أمناً.

عديد من ﺍلفاعليات وﺍلمنظمات ﺍلمدنية وﺍلفرﻕ ﺍلتطوعية ﺃطلقت مباﺩﺭﺍت في الشمال السوري لمساعدﺓ ﺍلناﺯﺣين ﺍلذين تركوﺍ مناﺯلهم في مدينة معرﺓ ﺍلنعماﻥ وﺍلمناطق ﺍلمحيطة بها للنزوح إلى المجهول.

"عمل إنساني لوجه الله"

بعض الأهالي تَبرَّع بأراضيه لإنشاء المخيمات للنازحين، منهم مصطفى عبد الغني أحد أبناء بلدة حربنوش بريف إدلب الشمالي، وعن ذلك يقول: "هو عمل إنساني لوجه الله تجاه إخوتنا النازحين، وتبلغ مساحة الأرض التي قدمتها 10 دونمات، استفاد منها حتى الوقت الحاضر نحو 400 عائلة".

وعن تأثير عمله في تخفيف ﺍﻷوضاﻉ ﺍلصعبة للناﺯﺣين ﺇلى البلدة ﺃضاﻑ: "ساهم هذا العمل في تأمين مأوى للعائلات ﺍلتي ليس لديها مكاﻥ يلجؤوﻥ ﺇليه، بهدﻑ تخفيف ﺁﻻﻡ ﺍلنزوﺡ عن ﺍﻷهالي ﺍلقاﺩمين من جحيم ﺍلقصف".

في ﺍلأتاﺭﺏ بريف ﺣلب، نظّم موﺍطنون وتجمعات مدنية من ﺍلمدينة حملة لدعم موجة ﺍلنزوﺡ ﺍﻷخيرﺓ للمدنيين ﺍلفاﺭين من إﺩلب تحت عنوﺍﻥ "ﺃكرموهم"، ممولة من مجتمع ﺍلأتاﺭﺏ، إذ تبرﻉ أﺣد موﺍطني ﺍلمدينة بأﺭضه لإقامة خيام للناﺯﺣين، كما تبرع عديد من ﺍلأهالي بالمال لشراء ﺍلبطانيات وﺍلفرﺵ وﺍلأغطية وﺍلموﺍﺩ ﺍلغذائية، لتأمين ما يلزم النازحين من احتياجات ضرورية.

منسِّق الحملة مصعب عبد الحي يقول لـTRT عربي: "وسط غياب شبه تامّ للمنظمات الدولية تَشكَّلَت ﺍلفرﻕ ﺍلتطوعية من ﺍلمدنيين في ﺍلقرﻯ وﺍلبلدﺍت كافة في ﺍلمناطق ﺍﻵمنة نسبيّاً ﺍلتي يلجأ ﺇليها ﺍﻷهالي، كما ﺍستجابت ﺍلمنظمات ﺍلمحلية وعملت ضمن طاقاتها لإغاثة ﺍﻷهالي وتأمين بعض ﺍﺣتياجاتهم".

كما يشرح آلية الاستجابة الطارئة لمساعدة النازحين: "عندما بدﺃ ﺍلنظاﻡ بقصف مدينة معرﺓ ﺍلنعماﻥ وﺭيفها، وشاهدنا قوﺍفل ﺍلناﺯﺣين من ﺃهلنا في ﺍلريف ﺍلجنوبي لمحافظة ﺇﺩلب، تَحتَّم علينا ﺍلتحرﻙ لمساعدتهم، من خلال مباﺩﺭﺓ (أكرموهم) بمشاركة ﺍلمجتمعات ﺍلمدنية والمحلية كافة في مدينة ﺍﻷتاﺭﺏ، حيث اجتمعنا لتوزيع المهامّ بيننا، والبدء بالاحتياجات الضرورية من خلال تأمين المأوى، فعملنا على تجهيز مراكز الإيواء، وﺇنشاﺀ مخيَّم لاستقباﻝ ﺍﻷهالي ﺍلناﺯﺣين من ﺭيف ﺇﺩلب ﺍلجنوبي ﺍلذين يتعرضوﻥ لحملة عسكرية من ﺭوسيا ونظاﻡ ﺍﻷسد".

وﺃضاﻑ عبد الحي: "ﺍلمخيم يحوﻱ نحو 50 خيمة جُمعَت عبر ﺍلتبرعات وبدعم من منظمات ﺇغاثية، بالإضافة ﺇلى مساعدﺓ قاطني ﺍلمخيم عبر ﺍلمشاﺭكين في ﺍلمباﺩﺭﺓ منهم معلمين وناشطين ﺇعلاميين وغيرهم، كما نحاول بشتى ﺍلوسائل ﺍستجلاﺏ ﺩعم مستمرّ للمخيَّم بهدﻑ سد الاﺣتياجات ﺍلمعيشية لقاطنيه".

أكرموهم!

عمار الكردي نزح من مدينة معرة النعمان إلى مدينة الأتارب، واستفاد من مبادرة "أكرموهم". يتحدث عن ظروف نزوحه فيقول: "خرجنا منذ أيام من مدينة معرة النعمان مع ﺍشتدﺍﺩ ﺍلقصف بمختلف ﺍﻷسلحة، فقد ﺃصبح ﺍﻷمر ﻻ يُحتمل، بخاصة مع بكاﺀ ﺍﻷطفاﻝ وﺍلنساﺀ ﺍلمستمرّ بسبب خوفهم من كثافة وشدﺓ ﺍلقصف ﺍلمركَّز على ﺍلمدينة، لذلك قرﺭنا ﺍلنزوح".

يضيف الكردي: "ﺃخرجنا بعض ﺍﻻﺣتياجات ﺍلبسيطة من طعام وملابس، وقصدنا مدينة الأتارب بريف حلب، حيث لجأنا إلى المخيم، ووجدنا ما نحتاج إليه من مقومات الحياة الأساسية".

المبادرات النسائية أيضاً كان لها دور في تخفيف معاناة النزوح، منها مبادرة نساء أرمناز اللاتي ارتأين أن يحملن أكياس الخبز، ويقفن على الطرقات بانتظار قوافل النازحين الهاربين من القصف.

ديانا العلي، مديرة مركز تجميل وإحدى المتطوعات في المبادرة، تتحدث لـTRT عربي فتقول: "أعمل مع مجموعة من الفتيات في مركز للتجميل، وبعد تهجير أهلنا من معرة النعمان أردنا أن نقف إلى جانبهم ضمن إمكانياتنا المتاحة، لذلك بدأنا توزيع أكياس الخبز على سيارات النازحين وكذلك في المخيمات".

تقاسُم المعاناة

حتى المهجرون من مناطق سوريا المختلفة إلى الشمال السوري قرَّروا أن يتقاسموا المعاناة مع النازحين الجدد من مناطق ريف إدلب الجنوبي وقدموا ما بوسعهم لإغاثتهم ضمن مبادرة أهلية حملت اسم "كن عوناً" انطلقت من ريف عفرين.

الإعلامي رافي الشامي، أحد القائمين على الحملة، يقول: "عملنا على جمع التبرعات لشراء موادّ التدفئة والموادّ الغذائية، وتوزيعها على النازحين، إذ بلغ عدد المستفيدين نحو 100 عائلة".

وفي بادرة إنسانية تَبرَّع عروسان سوريان لاجئان في تركيا بتكاليف عرسهما لضحايا النزوح في إدلب، إذ نشر الشاب إبراهيم الزبيبي وعروسه نور، على صفحتيهما في فيسبوك: "نُلغي حفلنا المقرر بتاريخ 1/1/2020 ونُعلن عقدنا بصمت كما يُشاهد العالَم موتنا بصمت، ونتبرع بكلفته كاملة لأهلنا الصامدين الصابرين، لامتداد تاريخنا القديم، وصوتنا الصارخ في وجه الظالمين دون فضل أو منة".

إبراهيم الزبيبي يتحدث عن دوافع مبادرته لـTRT عربي بقوله: "كثير من أهالي إدلب النازحين مع أطفالهم يبيتون في العراء أو في خيام بُنيت على عجل رغم البرد الشديد، لذلك قرَّرت مع عروسي إلغاء حفل الزفاف، وإرسال كلفته لأهلنا في سوريا من خلال منظمة (غراس النهضة) العاملة في الداخل السوري التي تولت إيصال المبلغ إلى محتاجيه، وصُرِفَ ضمن حملتهم الطارئة لإطعام العائلات النازحة".

على ﺍلرغم من تكاتف ﺍلجهات ﺍلإنسانية وﺍلمباﺩﺭﺍت ﺍلتطوعية لتخفيف وطأة النزوح، فإن ما يعيشه ﺍلنازحون يُعتبر كارثة إنسانية، ولا يمكن للمباﺩﺭﺍت وﺍلحملات أن تسدّ كامل الاحتياجات، لتبقى الحاجة ملحَّة إلى تدخُّل دولي عاجل لوقف المعاناة التي لم يكتب لها نهاية بعد.

دفع تقدم قوات نظام الأسد وحليفه الروسي أهالي محافظة إدلب في ريفها الجنوبي الشرقي إلى ترك منازلهم (TRT Arabi)
يحتوي المخيم على نحو 50 خيمة جُمعَت عبر ﺍلتبرعات وبدعم من منظمات ﺇغاثية، بالإضافة ﺇلى مساعدﺓ قاطني ﺍلمخيم عبر ﺍلمشاﺭكين في ﺍلمباﺩﺭﺓ (TRT Arabi)
يكتشف الأطفال النازحون عالمهم الجديد في المخيّمات التي ستصبح منازلهم الجديدة (TRT Arabi)
في بادرة إنسانية تَبرَّع إبراهيم زبيبي وعروسه، وهما سوريان لاجئان في تركيا، بتكاليف عرسهمالضحايا النزوح في إدلب (TRT Arabi)
المبادرات النسائية أيضاً كان لها دور في تخفيف معاناة النزوح، وهذه مبادرة نساء أرمناز توزع الخبز على الهاربين من القصف (TRT Arabi)
يتقاسم المهجّرون من مناطق سوريا المختلفة المعاناةَ مع النازحين الجدد من مناطق ريف إدلب (TRT Arabi)
 من خلال مباﺩﺭﺓ (أكرموهم) بمشاركة ﺍلمجتمعات ﺍلمدنية والمحلية كافة فيمدينة ﺍﻷتاﺭﺏ، تمّ البدء بالاحتياجات الضرورية للنازحين من خلال تأمين المأوى (TRT Arabi)
بعض الأهالي تَبرَّع بأراضيه لإنشاء المخيمات للنازحين، منهم مصطفى عبدالغني أحد أبناء بلدة حربنوش بريف إدلب الشمالي (TRT Arabi)
TRT عربي
الأكثر تداولاً