تابعنا
شهد يوم الخميس الماضي خطوة جديدة من خطوات فك واحد من أهم ألغاز الحضارة المصرية القديمة، وذلك حين أعلن وزير السياحة والآثار المصري، أحمد عيسى، في مؤتمر صحفي من أمام الهرم الأكبر، عن الكشف عن "ممر جملوني"وذلك بالوجه الشمالي لهرم الملك خوفو.

شهد يوم الخميس الماضي خطوة جديدة من خطوات فك واحد من أهم ألغاز الحضارة المصرية القديمة، وذلك حين أعلن وزير السياحة والآثار المصري، أحمد عيسى، في مؤتمر صحفي من أمام الهرم الأكبر، عن الكشف عن "ممر جملوني" -تصميم هندسي مُضلّع أشبه بالجزء الأعلى من المثلث- وذلك بالوجه الشمالي لهرم الملك خوفو، الهرم الأكبر، ويبلغ طول هذا الممر 9 أمتار، وعرضه نحو مترَيْن و10 سم، في إطار مشروع "سكان بيراميدز".

وكان مشروع scan pyramids قد كثّف جهوده لكشف أسرار بناء أحد عجائب الدنيا السبع القديمة، هرم خوفو.

انطلق المشروع عام 2015 بالتعاون بين كلية الهندسة بجامعة القاهرة، ومعهد الحفاظ على التراث والابتكار في باريس، وتحت إشراف جامعات دولية من اليابان وفرنسا وألمانيا وكندا، وخبراء مصريين من بينهم وزير الآثار المصري الأسبق الدكتور زاهي حواس.

الكشف بالأشعة الكونية

"حاولنا اكتشاف محتويات الهرم بتصويره باستخدام ميونات، نواتج ثانوية للأشعة الكونية يجري امتصاصها جزئياً بالحجر فقط، وكان هذا أهم ما ركز عليه المشروع لإتاحة تصوير الفراغات المعروفة والمحتملة داخل الهرم بطريقة غير مدمِّرة..".

هكذا قال الدكتور حسين عبد البصير، مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية ومدير عام آثار الهرم سابقاً، لـTRT عربي، مضيفاً أن المشروع تركز حول كشف محتويات الهرم دون إيذاء حجارته.

وأوضح حسين أن هذا الأمر جرى باستخدام أجهزة حديثة وُضعت داخل الهرم لفترة زمنية مُحددة وأخرى خارجه لرصد كل الفراغات والتكوينات البنائية داخله.

وأضاف: "كان من المُقرر بدء المشروع بكشف محتويات أربعة أهرامات في دهشور ومنطقة أهرامات الجيزة، لكن هرم خوفو حاز الاهتمام الأكبر، حيث أظهر نتائج طيبة".

وتابع: "تكمن أهمية المشروع علمياً في معرفة تكوينات لم نرَها من قبل بالعين المجردة، لأننا ببساطة لا نستطيع الحفر داخل الهرم.. وقد كان الاكتشاف الأول في المشروع هو طبيعة الأحجار داخل الهرم، وجرى ذلك في يناير 2016. ثم في 2017 اكتشفنا البهو العظيم".

ويعتبر هرم خوفو أحد أكبر الهياكل الحجرية في العالم، حيث شيّده الملك خوفو، نجل الملك سنفرو قبل 4500 عام، على هضبة الجيزة، ويبلغ ارتفاعه نحو 139 متراً وطول كل ضلع من أضلاعه أكثر من 230 متراً، ويُعتقد أنه يضم أكثر من 2.5 مليون حجر في بنائه، يتراوح ارتفاع كل منها بين متر ومترين.

وتوجد هياكل داخلية كبيرة في الهرم متصلة بممرات ضيقة في اتجاه الشمال والجنوب على مسافة نحو 7 أمتار شرقاً من مركز الهرم يطلق عليها من الأسفل إلى الأعلى: الحجرة الجوفية المهجورة، وحجرة الملكة، والرواق الكبير، وحجرة الملك، وهي الوحيدة المبنية بأحجار الجرانيت بما في ذلك تابوت مكسور.

السعي وراء سر بناء الهرم الأكبر لم ينقطع طوال السنوات الماضية، إذ ظل يجتذب اهتمام الباحثين من كل أنحاء العالم، ولا شك أن هذا السر كان كامناً في عقل المهندس الذي صمم الهرم المعجزة، حم إيونو، ذلك المعماري الفذ، الذي كان يُعامَل معاملة مسؤول رفيع المستوى في المملكة المصرية أيام خوفو، والذي خدم كوزير وحامل ختم الملك.

يذكر أن للمعماري إيونو تمثالاً مسروقاً موضوعاً في متحف رومر بيليزيوس في ألمانيا.

من جانبه، قال الدكتور هاني هلال، منسق مشروع "سكان بيراميدز"، لـTRT عربي: "لم نعلن عن أي كشف متعلق بمشروعنا إلا بعد أن تأكدنا علمياً في كل مرة، ونستخدم أكثر من طريقة للتأكد، وقبل إعلان النتيجة نرسلها للتحكيم علمياً في مجلات كبيرة مثل The nature".

وأشار إلى الإنجازين المهمين في هذا المشروع، وهما اكتشاف "البهو العظيم"، والتأكد من أن "الجمالونات"، أي الممرات، دائماً "موجودة لتحمي شيئاً آخر أهم يقع تحتها.. إذ كان هناك خلاف بين أعضاء المشروع، فبعضهم كان يرى أن ما وراء الجمالونات/الممرات فارغ، وهو ما ثبت عكسه"، حسب قوله.

قصة الممر السري المكتشف

جاء الإعلان الرسمي عن الممر السري تأكيداً لرأي اللجنة العلمية للمشروع بوجود ما تحميه الجمالونات، لكن من الواضح أن الخلاف بين الرأيين دفع اللجنة إلى التأكد أكثر من مرة على مدى السنوات الماضية.

فحسب ما قال الدكتور محمد عثمان الخشت، رئيس جامعة القاهرة، خلال إعلان الكشف يوم الخميس الماضي: "جرى اكتشاف الفراغ لأول مرة عام 2016، ثم التأكد منه في 2017 و2018 و2019 باستخدام 5 تقنيات غير ضارة لاستكشاف منطقة الجمالون في الوجهة الشمالية للهرم الأكبر، وهذه التقنيات هي الأشعة تحت الحمراء، ورصد جزيئات الميون الكونية، والجيورادار، والقياسات الصوتية، والمحاكاة والتحليل المعماري الرقمي ثلاثي الأبعاد".

جزء من الممر المكتشف حديثاً في هرم خوفو (Reuters)

وأوضح الخشت لوسائل الإعلام المحلية أن الفريق البحثي رصد عبر تحليل النتائج أن هذا الفراغ هو ممر يقع خلف "جمالون" المدخل الشمالي مباشرة، مضيفاً أنه أجرى المسح الراداري باستخدام أجهزة الجيورادار بترددات مختلفة، 200 و400 و600 ميجا هرتز، وأظهرت النتائج وجود منطقة من الانعكاسات القوية في النصف السفلي للجمالون وحدود الفراغ وموقعه النسبي.

وقال منسق المشروع لـTRT عربي: "رصدنا الممر خلف الجمالون بدقة كبيرة، لكن ظلت الأزمة في عدم رؤيته.. قرأناه على الأجهزة لكن لا يستطيع أحد رؤيته، فعملنا مسحاً بين أرضية الممر ونهاية الجمالون، والتي تبلغ نحو 50 سم، حتى اكتشفنا وجود فاصل خلف الجمالون يبلغ 6 ملليمتر، فأدخلنا ماسورة نحاس فيها إندوسكوب ياباني 5 ملليمتر، وتمكنّا من رؤية الممر".

وأوضح أن الفرق بين هذا الكشف والكشف القديم، هو أننا "نجحنا في عرضه على الناس ليروه بوضوح".

أسرار مجهولة.. إلى متى؟

الدكتور حسين عبد البصير، أحد المتخصصين الذين ساهموا في الاكتشاف الجديد داخل هرم خوفو، قال لـTRT عربي إن الهدف من بناء هذا الممر داخل الهرم "غير معروف حتى الآن"، وبالتالي تبقى أسرار بناء الهرم مجهولة حتى جولة جديدة من الاكتشافات.

وتابع: "في العمارة يمكن بناء هذه الممرات لأسباب عديدة، كمدخل لحجرة، أو وسيلة للخروج، أو تخفيف ضغط وزن حجارة الهرم".

من جانبه أكد هلال أنه: "حتى الآن لا نعلم إذا كان الممر مغلقاً أم يخفي وراءه شيئاً، وبالتالي سنستمر في العمل حتى نكشف ذلك، ونكشف أيضاً إذا كان الممر له علاقة بالكشف الأول، (البهو العظيم)، أم لا".

يذكر أن العديد من الأساطير قد شاعت عن أسباب بناء الأهرامات منها أن الأهرامات بَنَتْها "كائنات فضائية فائقة التطور" أتت إلى الأرض لسحب الحجارة الكبيرة في كومة لسبب ما، فيما رأى غيرهم أن الأهرامات بُنيت لتكون "صوامع حبوب ضخمة" بناها النبي يوسف.

كما انتشر أن الهرم "بناه العبيد بالسخرة"، فيما دحضت بعض الاكتشافات حول مقابر العمال الذين شاركوا في بناء الأهرامات في السنوات الأخيرة كثيراً مما راج عن بُناة الهرم، فقد ثبت أن عشرات الآلاف من العُمال المهرة شاركوا في بنائه، وقد عملوا مقابل أجر، كشكل من أشكال دفع الضرائب.

وحول العديد من النظريات، التي انتشرت حول طريقة بناء الهرم، علّق هلال لـTRT عربي: "حتى اليوم، لا توجد أي نظرية تُثبت لنا كيف جرى بناء الهرم الأكبر على وجه اليقين، فلا يزال الهرم سراً كونياً في معماره، لا أحد يعرف كيف جرى بناؤه، لكن اليوم نحن على مقربة من كشف غموض الطريقة التي بُني بها عبر كشف هذا الممر السري.. هكذا أتوقع".


TRT عربي