تابعنا
منهم من انتقل إلى إسطنبول بهدف الدراسة، ومنهم من جاء من أجل العمل والاستقرار، ومنهم أيضاً من وجد في هذه المدينة ملجأ له من الحروب والأزمات التي تعيشها بلده. كيف يعيش الشباب العرب في إسطنبول؟

على أنغام أغنية "لبيروت" للسيدة فيروز يتجمعون صباحاً في "قهوة اللبنانيين" كما يحب صاحب مقهى Merhaba أن تصبح يوماً ما، متناسين للحظات أنهم يجلسون في منطقة الفاتح بإسطنبول لا في مقهى لبناني صغير بشارع الحمرا.

يتحدّث الشاب اللبناني حسن غيث عن مقهاه الذي افتتحه قبل 4 أشهر في الفاتح، وكيف تحوّل في أيام بسيطة إلى مُلتقى للبنانيين في المدينة المزدحمة.

لجأ غيث إلى إسطنبول كآخرين كُثر من جنسيات مختلفة، فلماذا يلجأ الشباب العربي إلى المدينة التركية؟

الاستقرار

كان هدف الشابّ اللبناني من قرار فتح المقهى في إسطنبول الاستقرار مع عائلته، فبعدما أمضى في الخليج سنوات كثيرة يعمل بالتجارة، لم يرَ في بلده لبنان فرصة ليستقرّ أخيراً.

فكانت إسطنبول هي وجهته، ويقول في هذا الإطار إنها "ستكون وجهة كثير من اللبنانيين في الفترة المقبلة، لا سيما بسبب الأحداث الدائرة هناك منذ شهر ونصف".

ويوضح غيث في حديثه لـTRT عربي ما يفعله كي يجذب الجالية اللبنانية وكذلك العربية والتركية إلى مقهاه في الفاتح، إذ يُرسِل إلى مجموعات معنية بأخبار اللبنانيين في تركيا على تطبيق واتساب، تارة يدعوهم إلى فطور جماعي وتارة أخرى يجمعهم على عشاء يُعِدّه بيده.

ومثلما يتوافدون في الصباح، يجد بعضهم في المساء فرصة للقاء الأصدقاء أو التعرُّف إلى مغتربين يحملون نفس الهموم والأوجاع والأحلام.

"لا شيعي ولا سني ولا درزي ولا مسيحي، لا نتحدث بهذا النفَس الطائفي هنا، كأن كلّاً منا نسي المذاهب والطائفية التي اعتدناها في لبنان".

يتابع غيث: "كلّ منا في المساء يُبدِي رأيه، ونتناقش في السياسة، ولا يُسمِع أحدنا الآخر كلمة تهينه أو تضايقه، وهو شيء بيكبّر القلب كتير".

التعليم

أما الطالب مالك نحاس، فكان الهدف من مجيئه إلى إسطنبول هو التعليم الجامعي.

يقول مالك في حديثه لـTRT عربي إنه من لبنان ويحمل الجنسية الأمريكيَّة، ومع ذلك قرر استكمال تعليمه في إسطنبول.

"لا أشعر بالغربة هنا؛ منزلي قريب من هذا المقهى (Merhaba)، كلما مللت أو شعرت بالضيق، نزلت إليه".

أما في الحياة الجامعية، فيكوّن الطلاب من مختلف الجنسيات مجتمعات تجمعهم رغم اختلاف سنواتهم الدراسية واختصاصاتهم.

فيتحدّث الطالب مالك عن مجموعة على واتساب للطلاب اللبنانيين في جامعة Bilgi حيث يدرس التجارة، ويوضح كيف يساعد بعضهم بعضاً في أي طلب يحتاج إليه أي طالب لبناني في هذه المجموعة.

ولا يختلف الأمر مع الطالبة العراقية شذى التي تدرس العلوم السياسية في جامعة صباح الدين زعيم، فقد التحقت بمجموعة مشابهة للطلاب العراقيين في الجامعة ذاتها منذ أول أسبوع لها في الدراسة قبل عام.

وتقول في حديثها لـTRT عربي: "يساعد بعضنا بعضاً حتى في موضوعات لا تتعلق بالدراسة، قد يبحث أحدنا عن منزل جديد أو لديه أوراق عالقة في إقامة أحد أقاربه...".

فباتت هذه المجموعات التي تضمّ عشرات وربما مئات من الطلاب، أشبه بالمجتمع الصغير الذي يُنسِيهم غربتهم أحياناً.

الهرب من الحرب

لكن هناك من جاء لغير العلم أو الاستقرار؛ يبحث عن ملجأ هرباً من الحرب الدائرة في بلادهم أو الملاحقة الأمنية من سلطاتهم، مثل اليمنيين والليبيين والسودانيين والسوريين والمصريين.

رابطات كثيرة للجاليات المختلفة في إسطنبول، تجمع هؤلاء الذين وجدوا في إسطنبول فرصة جديدة للاستمرار رغم حنينهم إلى أوطانهم.

ومثلما يحاولون التأقلم مع المجتمع التركي، يحاولون في الوقت نفسه أن لا ينسوا ما كان سبباً في اغترابهم.

تراهم تارة ينظمون حفلاً يُحيُون فيه ذكرى شهدائهم، وتارة أخرى يُعِدّون برامج ومسلسلات تحاكي مآسيهم.

ولأن المنطقة العربية تعيش واقعاً سياسيّاً يشبه إلى حدّ كبير ما جاء في رواية الأديب المصري الراحل نجيب محفوظ "الحرافيش"، قررت مجموعة من الفنانين المصريين والسوريين والمغاربة الموجودين في إسطنبول إعداد مسرحية حولها.

المسرحية التي حملت اسم "الحرافيش" كانت معالجة للرواية المذكورة، شارك في بطولتها الفنانون المصريون هشام عبد الله ومحمد شومان ومحمود السعداوي وأيمن الباجوري، وعدد من الفنانين المغاربة والسوريين، سيناريو وإخراج حسام الغمري.

ووفق مخرجها فإن "بين المسرحية والرواية بعض الاختلافات، مثل شخصيَّة عاشور الناجي التي ظهرت في الرواية كأنها شخصيَّة بدأت من العدم، واختفت إلى العدم، لكننا طوّرنا ملامحها لتكون نموذجاً لابن الدولة الذي انتهى بانقلاب أصحاب المصالح حين تآمروا عليه، وهذا الاختلاف يلخّص فلسفة العمل نفسه".

العمل

وما بين المغترب قسراً والقادم سعياً للعلم أو الاستقرار، هناك من جاء بحثاً عن فرصة عمل أفضل.

من فلسطين ولبنان والجزائر والمغرب وتونس، تجد خريجين من اختصاصات مختلفة جاؤوا إلى إسطنبول خصيصاً لبدء صفحة مهنية جديدة.

تقول الشابة الجزائرية عليَّة، إنها حصلت على وظيفة بعدما أنهت تعليمها العالي في جامعة تركية حكومية.

وعن شعورها بالغربة هنا تقول في حديثها لـTRT عربي إن "المطاعم الجزائرية أو المغربية ليست كثيرة هنا. أحسد زميلتي السورية في العمل، فكل ما تريده موجود هنا في السوق الكبيرة بالفاتح".

ويعرف هذه السوق أكثر العرب الموجودين في إسطنبول، لأن فيها محلات الحلويات والبهارات والأطعمة الشرقية وكذلك محلات الذهب والمفروشات والصرافة والحلاقة وغيرها.

وتتابع: "نذهب إلى هذه السوق في أي وقت نريد، صباحاً أو مساءً، نشعر ونحن نتبضع كأننا انتقلنا إلى منطقة عربية شعبية تعجّ بالمأكولات والبذورات والروائح الشهية في كل مكان".

كان هدف الشابّ اللبناني حسن غيث من قرار فتح المقهى في إسطنبول الاستقرار مع عائلته (TRT Arabi)
قررتمجموعة من الفنانين المصريين والسوريين والمغاربة الموجودين في إسطنبول إعداد مسرحية حول "الحرافيش" لنجيب محفوظ لمحاكاة واقعهم العربي (TRT Arabi)
افتتح المقهى اللبناني قبل 4أشهر في الفاتح، وخلال أيام فقط تحول إلى مُلتقى للبنانيين في إسطنبول (TRT Arabi)
يعرف سوق الفاتح أكثر العرب الموجودين في إسطنبول، لأن فيها محلات الحلويات والبهارات والأطعمة الشرقية (TRT Arabi)
رابطات كثيرة للجاليات المختلفة في إسطنبول، تجمع هؤلاء الذين وجدوا في إسطنبول فرصة جديدة للاستمرار رغم حنينهم إلى أوطانهم (TRT Arabi)
في الحياة الجامعية، فيكوّن الطلاب من مختلف الجنسيات العربية مجتمعات تجمعهم رغم اختلاف سنواتهم الدراسية واختصاصاتهم (TRT Arabi)
TRT عربي