"ليلة الطائرات الشراعية".. عربيّان دخلا فلسطين جواً وقتلا جنوداً إسرائيليين (وزراة الدفاع الإسرائيلية)
تابعنا

في مثل هذا اليوم قبل 34 عاماً، امتزج الدّم التونسي بالدّم السوري عندما حلّقا بطائراتيهما الشراعية من مرتفعات جنوب لبنان باتجاه معسكر إسرائيلي، ونجح أحدهما في قتل جنود إسرائيليين وجرح العشرات منهم في عملية نوعية أذهلت العالم، أُطلق عليها رسمياً اسم "عملية قبية" لكنها اشتهرت باسم "ليلة الطائرات الشراعية".

ففي ليلة 25 نوفمبر/تشرين الثاني 1987 حيّا 4 مقاتلين قادتهم في "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة" وانطلقوا محلّقين بطائراتهم الشراعية صوب معسكر "غيبور" الإسرائيلي القريب من قرية ترشيحا في الجليل الأعلى، وشارك في العملية فلسطينيّان لم يُكشف عن اسميهما بعد، بالإضافة إلى السوري خالد محمد أكر والتونسي ميلود بن الناجح نومة.

وقد أسفرت عملية الطائرات الشراعية هذه عن مقتل 6 جنود إسرائيليين وإصابة 8 آخرين بجروح خطيرة إلى متوسطة، كما أسفرت عن مقتل المقاوم التونسي ميلود نومة بعد تحطّم طائرته، بينما قُتل السوري خالد أكر خلال تنفيذه للهجوم، ونجا الفلسطينيّان لعدم مشاركتهما في العملية بسبب مشاكل تقنية منعت طائراتيهما من التحليق.

التخطيط للعملية

منعاً لأية تسريبات عن طبيعتها وموعدها، اقتصر العلم بتفاصيل العملية على الأمين العالم لـ"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة"، أحمد جبريل، و4 آخرين ضمن دائرة ضيقة جداً، بالإضافة إلى المقاتلين الـ4 المشاركين في العملية، الذين انشغلوا بالتدريب والتحضير والتخطيط لأدقّ التفاصيل.

ونظراً لأن الطائرات الشراعية البسيطة كانت الفيْصَل في نجاح العملية أو فشلها، اهتم القائمون على العملية بأدقّ التفاصيل وكان على رأسها موضوع إجمالي الوزن الذي باستطاعة الطائرات أن تحمله خصوصاً وأنّ العملية ستُنفّذ في ليلة باردة وجوّ عاصف، إذا طلب المنفذون أن يخفض عدد وأوزان الملابس والمعدات لصالح زيادة كمية الذخائر التي سوف يحتاجون إليها أكثر حين اقتحام المعسكر.

ومنذ اللحظة الأولى التي بدأ التخطيط فيها لـ"عملية قبية"، أدرك الشَُبان المشاركون فيها أنهم يمتلكون تذاكر ذهاب بلا عودة، وأنهم بشكل أو بآخر يشاركون في عملية فدائية نهايتها القتل أو الاعتقال، فما أن تحطّ طائراتهم على أرض المعسكر، ما من وسيلة ستجعلها تقلع بهم مرة أخرى باتجاه لبنان.

ليلة الهجوم

في تمام الساعة 11:00 من ليلة 25 نوفمبر/تشرين الثاني 1987 أقلع سرب من الطائرات الشراعية التي يقودها 4 مقاومين عرب باتجاه معسكر "غيبور" أو ما كان يُطلق عليه اسم "معسكر الأبطال"، والذي كان تابعاً للواء جولاني الذي يضمّ قوات النخبة في الجيش الإسرائيلي وفيه مقرّ قيادة المنطقة الشمالية.

وبينما فشل 3 من المشاركين في العملية في الوصول إلى الهدف، حيث اضطرت طائرات الفلسطينيَيْن على الهبوط داخل الأراضي اللبنانية نتيجة مشاكل ميكانيكية، فيما تحطّمت طائرة التونسي ميلود بن نومة داخل المنطقة العازلة التي كانت تسيطر عليها قوات "جيش لبنان الجنوبي" الذي كان يُدين بالولاء لجيش الاحتلال الإسرائيلي، استطاع المقاوم السوري خالد أكر الوصول إلى المعسكر بعد أن تمكّن من قيادة طائرة بدقة وحرفية فوق الأحراش بعيداً عن أعين الجنود الإسرائيليين وراداراتهم.

وفور هبوط خالد على أرض المعسكر حاملاً بيده سلاح "كلاشنكوف" وبالأخرى مسدساً فيه كاتم للصوت، باشر بالاشتباك مع الجنود الإسرائيليين الذين أصابهم الهلع والخوف، ولمدة ساعة ونصف تمكّن من قتل وجرح العشرات، ولم تنتهِ المعركة بين خالد أكر وقوات النخبة إلا بعد تدخّل قوات إضافية براً وجواً ما أدى لمقتله.

أما رفيقه التونسي ميلود بن الناجح نومة فقد أُصيب بعد أن سقطت طائرته فوق مرتفعات منطقة عين زحلتا في الجنوب اللبناني، وأختبأ منتظراً وصول دوريات جيش الاحتلال وجيش لبنان الجنوبي التي كانت تمسح الحدود بحثاً عن مقاتلين آخرين، وفور اقترابهم منه بدأ ميلود بإطلاق النار ولم يتوقف إلا حين قُتل.

نتائج عملية "قبية"

أسفرت العملية عن مقتل مقاوميَن عربيّيَن هما السوري خالد أكر والتونسي ميلود بن الناجح نومة، بالإضافة إلى مقتل وجرح 36 جندياً من قوات النخبة في جيش الاحتلال الإسرائيلي، وفقاً لأول تصريح أدلى به الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، الذي عاد وأعلن لاحقاً مقتل 6 جنود وجرح 8 آخرين فقط.

كما كان لـ"عملية قبية" دور رئيسي في إعادة القضية الفلسطينية لمسرح الأحداث العربية والعالمية، خصوصاً وأنّ البعض حاول حرف بوصلة الصراع العربي من إسرائيل إلى إيران، وساهمت أيضاً في إحياء الكفاح ضد الاحتلال داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وإشعال الانتفاضة الأولى.

يُذكر أنّ عملية الطائرات الشراعية أخذت اسمها الرسمي وهو "عملية قبية" من قرية قبية الواقعة قضاء رام الله، والتي تعرّضت لهجوم من قوات الاحتلال الإسرائيلية بقيادة أرئيل شارون يوم 14 أكتوبر/تشرين الأول 1953، وراح ضحيته 51 شهيداً من المدنيّين العُزّل فضلاً عن تدمير منازل القرية وتسويتها بالأرض.

TRT عربي