أزمة الرهائن الأمريكيين في إيران عام 1979. (AP)
تابعنا

صباح يوم 4 نوفمبر/تشرين الثاني 1979، وبعد مضي أقل من 9 أشهُر على قيام الثورة الإيرانية، هاجم قرابة 500 طالب إيراني من الموالين للإمام الخميني السفارة الأمريكية في طهران، واحتجزوا 52 أمريكياً من موظفي السفارة، فضلاً عن مصادرة آلاف الوثائق، مشعلين بذلك أزمة دبلوماسية كبيرة لا تزال ارتداداتها حاضرة حتى يومنا الحالي.

في ذلك الوقت برر قادة الثورة الإيرانية هذه الحادثة بأنها جاءت ردّ فعل على ما فعلته الإدارة الأمريكية بعد سماحها لشاه إيران المخلوع محمد رضا بهلوي، بدخول الأراضي الأمريكية لأغراض علاجية نتيجة إصابته بالسرطان، ومنحه حق اللجوء، الأمر الذي أثار منتسبي الثورة الذين اتهموا أمريكا بالتخطيط لتقويض الثورة وإعادته إلى الحكم.

وبعد مضي 444 يوماً على احتجازهم، نجحت الوساطة الجزائرية في الإفراج عن رهائن السفارة الأمريكية يوم 20 يناير/كانون الثاني 1981، لتنتهي بذلك أعقد حلقات مسلسل الخلافات الدائرة بين الدولتين، وتُقطع معها العلاقات الدبلوماسية بين البلدين الخصمين، ويُفرض حظر تجاري على إيران حتى اليوم.

أصل الحكاية

اقتحام طلبة إيرانيين السفارة الأمريكية في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 1979 (AP)

مطالبين بتسليم الشاه المخلوع الذي كان يُعالَج في الولايات المتحدة، اقتحم قرابة 500 طالب إيراني من منتسبي الثورة الإيرانية أسوار وساحات السفارة الأمريكية في طهران صباح يوم 4 نوفمبر/تشرين الثاني 1979، ونجحوا في غضون 3 ساعات فقط في السيطرة على عناصر المارينز واحتجاز أكثر من 60 أمريكياً ممن هم في السفارة، قبل أن يطلق سراح بعضهم، ويترك 52 منهم لمواجهة مصيرهم رهائنَ لمدة 444 يوماً.

ولم يمضِ سوى يومين على تلك الحادثة حتى أجبر مجلس الثورة الإسلامية رئيس الحكومة الانتقالية المعتدل مهدي بازركان، على تقديم استقالته، ليتسلّم المجلس حكم البلاد ويعلن رفض بيعهم النفط الإيراني للولايات المتحدة، لتردّ الأخيرة بفرض حظر على السلع الاستهلاكية وتعلن تجميدها الأموال الإيرانية المودعة في مصارفها.

وعلى الرغم من أن الشاه المخلوع كان قد غادر الولايات المتحدة في ديسمبر/كانون الأول 1979 بعد حصوله على حق اللجوء في مصر، حيث توُفّي في 27 يوليو/تموز 1980 عن عمر ناهز ستين عاماً متأثراً بمضاعفات مرض السرطان، فإن المفاوضات فشلت مجدداً، لإصرار الطلبة حينها على عدم الإفراج عن الرهائن قبل إعادة ثروته الشخصية إلى إيران.

يُذكر أن الجهود المشتركة بين وكالة المخابرات المركزية وكندا كانت أسفرت عن إنقاذ 6 دبلوماسيين أمريكيين في 27 يناير/كانون الثاني 1980 بعد أن لاذوا بالفرار.

عملية مخلب العقاب

حطام طائرة عسكرية أمريكية شاركت في عملية مخلب العقاب الفاشلة في أبريل/نيسان 1980 (AP)

في أعقاب فشل المفاوضات الدبلوماسية بين البلدين لإطلاق سراح الرهائن، أمر الرئيس الأمريكي آنذاك جيمي كارتر، في أبريل/نيسان 1980، ببدء عملية الإنقاذ التي أطلق عليها اسم "عملية مخلب العقاب"، التي بدأ التخطيط لها منذ اليوم الأول لاختطاف الرهائن.

وفي يوم 24 أبريل/نيسان 1980، مستفيدين من البوارج الأمريكية الراسية في المياة القريبة من إيران، أقلعت المروحيات التي تحمل قوات "دلتا" الخاصة باتجاه صحراء طبس، على بعد 500 كلم جنوب غربي طهران، وبدأت الاستعدادات لتنفيذ خطة الإنقاذ التي كانت من المفترض أن تستمرّ ليومين.

لكن العاصفة الرملية التي ضربت المكان كان لها رأي آخر، إذ اضطرّت المروحيات المخصصة لنقل الرهائن إلى العودة لعدم قدرتها على الطيران، الأمر الذي تسبب في إلغاء العملية والطلب من القوات الخاصة مغادرة إيران. إلا أنه في أثناء الانسحاب اصطدمت إحدى المروحيات بطائرة مما أدى إلى اشتعال النيران في كلتا الطائرتين ومقتل 8 من جنود أمريكيين.

الوساطة الجزائرية

دفعت الحرب العراقية-الإيرانية التي اندلعت عقب الغزو العراقي لإيران في سبتمبر/أيلول 1980، إلى قبول الحكومة الإيرانية الدخول في مفاوضات مع الولايات المتحدة بواسطة جزائرية، وذلك عقب عدد من الشروط التي وضعها الخميني لتحرير الرهائن، ومن أبرزها: إعادة ثروة الشاه المحتجَزة في البنوك الأمريكية، والإفراج عن الأموال الإيرانية المجمَّدة في الولايات المتحدة، وإلغاء المطالب الأمريكية بالحصول على تعويضات، بالإضافة إلى توقف الإدارة الأمريكية عن التدخل في شؤون الجمهورية الإسلامية الداخلية.

وبفضل الجهود الجزائرية الحثيثة تَمكَّن البلدان من الوصول إلى اتفاق في 19 يناير/كانون الثاني 1981، أُخليَ على أثره في اليوم التالي سبيل الرهائن الأمريكيين الـ52، تزامناً مع تنصيب رونالد ريغان رئيساً للولايات المتحدة.

وبحلول الذكرى 40 على اتفاق الجزائر، ذكّر وزير الشؤون الخارجية الجزائري صبري بوقدوم، بمجهودات الدبلوماسية الجزائرية الشاقة التي أشرف عليها وزير الشؤون الخارجية السابق محمد الصديق بن يحيى، التي كُلّلت بحلّ أزمة الرهائن الدبلوماسيين الأمريكيين وقتذاك.

وغرّد كاتباً: "أربعون سنة تمرّ على إبرام اتفاق الجزائر الذي سمح بإطلاق سراح 52 دبلوماسياً أمريكياً كانوا محتجَزين في طهران. كان ذلك ثمرة وساطة شاقة قامت بها بلادنا وأشرف عليها المرحوم والشهيد محمد الصديق بن يحيى وزير الشؤون الخارجية، وطاقم دبلوماسي من خيرة أبناء الجزائر".

TRT عربي