تابعنا
بينما كان الانتحال شائعاً في الأوساط الأكاديمية، تكشف اليوم العديد من المصادر الاستقصائية مدى انتشاره وتفشّيه لدى الزعماء والسياسيين حول العالم، في محاولة منهم لإحراز مزيد من المكتسبات بطريقة غير قانونية.

يكاد يكون من الطبيعي والمألوف لدى الجميع، أن يروّج القادة والسياسيون لخطابات تفتقر إلى المصداقية، في سبيل كسب التأييد الشعبي أو الفوز في السباق الانتخابي، والانتصار على خصومهم. لكنّ المفاجئ، لجوء عدد كبير منهم إلى الانتحال السياسي، وذلك سواء بتلفيق المؤهلات العلمية إلى السِّيَر الذاتية الخاصة بهم، أو سرقة جهود أشخاص غيرهم.

وفي الوقت الذي تطفو فيه الكثير من عمليات نسخ ولصق المحتوى أو سرقة خطابات لبعض السياسيين، على السطح لأبرز الزعماء السياسيين، يرى ناقدون ومحللون أنّ الأمر بات اليوم أشبه بـ"الوباء".

وفيما يلي أبرز عمليات الانتحال السياسي حول العالم:

بايدن.. سرقة أدبية تتسبب في خسارته

بالرغم من فوزه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2020 باعتباره المرشح الأوفر حظاً آنذاك، إلا أنّ الرئيس الأمريكي جو بايدن كان في الحقيقة على بُعد خطوات من حلمه قبل أكثر من 30 عاماً، حين ترشّح للانتخابات وارتكب خطأه الفادح الذي عصف بكل آماله.

فأثناء خطاب توجّه به بايدن عام 1987 إلى أنصاره خلال حملته الانتخابية، نقل كلاماً حرفياً من خطاب سابق كان قد ألقاه زعيم حزب العمال البريطاني السابق نيل كينوك، وذلك دون نسبة الكلام إليه.

وسرعان ما انتبه خصوم بايدن لذلك، واستغلّوا الثغرة التي وقع بها لتأجيج حملة انتقادات واسعة تتهمه بالسرقة الأدبية. فانتهت أحلام بايدن بالرئاسة بعد 11 يوم فقط من إلقائه خطابه الشهير.

وأُثيرت القضية مرة أخرى، خلال ترشحه للانتخابات الرئاسية عام 2020، إلا أنّ زعيم حزب العمال البريطاني السابق نيل كينوك، الذي أصبحت تجمعه علاقة صداقة كبيرة مع بايدن، قال معلّقاً على تلك الانتقادات: "خطأ بايدن كان خطأ بريئاً.. أؤكد أنّ جو رجل نزيه".

وزراء وسياسيو ألمانيا.. انتحال أكاديمي

كشفت مدونة خاصة بتقصي حالات الانتحال في المنشورات الأكاديمية، مؤخراً، أن نحو 12% من أطروحة الدكتوراه لرئيسة المفوضية الأوروبية الحالية، ووزيرة الدفاع الألمانية، أورسولا فون دير لاي، مسروقة من عمل أستاذ في القانون كان قد نشر أبحاثه في وقت سابق على الإنترنت.

وبعد إجراء المزيد من التحقيقات في ذلك، أعلن رئيس جامعة "هانوفر" في تصريح إعلامي بأنه يمكن للوزيرة الألمانية الاحتفاظ بدرجة الدكتوراه باعتبار أنّ "نمط الانتحال لا يُشير إلى نية احتيالية"، على حدّ تعبيرهم.

ولم تكن أورسولا فون دير لاي، الوزيرة الوحيدة التي طالتها مثل هذه الاتهامات، ففي عام 2011، استقال وزير الدفاع آنذاك كارل ثيودور زو غوتنبرغ، بعد اكتشاف أنّ جزءاً كبيراً من أطروحته يحتوي على مقاطع مسروقة من أبحاث علمية أخرى. وفي عام 2013، أيضاً استقالت وزيرة التعليم أنيت شافات، بسبب اكتشاف إسنادها بعض الجهود البحثية لها في أطروحتها.

وعلى الصعيد ذاته، فقد واجهت كذلك زعيمة حزب الخضر الألماني، أنالينا بربوك، العديد من الاتهامات بحشو سيرتها الذاتية بمعلومات كاذبة. كما كشفت مدونة الباحث النمساوي ستيفان ويبر، أنّ جزءاً كبيراً من كتاب بربوك الذي يحمل عنوان "الآن، كيف نجدد بلادنا؟"، يحتوي على مقاطع وصفحات من مجلات وكتب أخرى وبعضها حكومية، دون إسناد المصادر إليها، وبالتالي فإنه لا يمكن أن يُنسب مجهود الكتاب إليها وحدها. ولا تزال التحقيقات في الموضوع متواصلة، ويعدُّها الكثيرون من أنصار الحزب، بمحاولة اغتيال معنوي لشخصية سياسية بارزة.

الرئيس المَجري.. سرقة أكاديمية تجرّده الحكم

أثار كشف مجلة "HVG" المجرية عام 2012 عملية سرقة أكاديمية كبيرة قام بها الرئيس المجري آنذاك بال شميت، غضباً شعبياً وسياسياً كبيراً. حيث أنه نسخ 16 صفحة بشكل حرفي وضمّنها في أطروحته للدكتوراه دون أن ينسبها لمصادرها الأصلية.

وبعد التأكد من هذه الادعاءات التي طالما نفاها شميت بشدة، جرّدته جامعة سيميلويس من درجة الدكتوراه، وطالبه أعضاء البرلمان بالاستقالة والتنحي من منصبه واصفين الرئيس المجري بـ"الغشاش".

ومع تصاعد وتيرة الاحتجاجات التي تطالبه بالاستقالة، أصدر الرئيس المجري بياناً رسمياً قال فيه: "قضيتي الشخصية تقسم أمتي الحبيبة بدلاً من توحيدها. من واجبي إنهاء خدمتي والاستقالة من ولايتي كرئيس".

وبالرغم من أنّ المجهود العلمي للسياسيين لم يكن في أي وقت إشكالاً في حد ذاته، إلا أن الانتحال السياسي والسرقة الأكاديمية التي أقدم عليهما الكثير منهم، بغرض تلميع صورته أو إحراز مكاسب معينة، قد ساهم في ضرب المصداقية للعديد من الزعماء والسياسيين، واعتُبر وجهاً جديداً للتوظيف العلمي والأكايدمي لخدمة السياسي.

TRT عربي