محركات الصواريخ.. كيف كسرت تركيا الاحتكار الفرنسي بعد إطلاقها صاروخ تشاقير؟ / صورة: AA (AA)
تابعنا

خلال السنوات الأخيرة، لم تكتفِ تركيا بتطوير أحدث وأقوى المركبات الجوية دون طيار فحسب، بل شجعت بقية شركات الدفاع الوطنية للاندماج في العملية عبر تطوير الأنظمة والأسلحة التي من شأنها أن تجعل المسيّرات المحلية في مستوى الطائرات المقاتلة. وهي الخطوات التي فتحت الباب لعصر جديد في مجال الطيران الحربي وتقنيات التسيّر.

وفي تجربة غير مسبوقة، أصبحت تركيا الأسبوع الماضي أول دولة تطلق صاروخ كروز من طائرة دون طيار. نجاح تركيا في تجربة إطلاق صاروخ تشاقير (Çakır) من مسيّرة أكينجي كان خلفه نجاحها في تطوير محرك الصاروخ بالكامل بموارد محلية ووطنية. وبهذه الخطوة أظهرت تركيا أيضاً أن بإمكانها أن تكون بديلاً عن فرنسا التي تحتكر صناعة محركات الصواريخ.

ولجعل الأمر أكثر وضوحاً، أطلقت تركيا صاروخاً وطنياً من توقيع شركة روكيتسان يعمل بمحرك وطني من مركبة جوية وطنية دون طيار. فلماذا هذه التجربة مهمة؟ وما نوع الرسائل التي تحملها للفترة المقبلة؟ دعونا في هذا التقرير نُلقِ نظرة فاحصة على تفاصيل العملية..

خطوة مهمة للغاية

حتى وقت قريب كانت صواريخ كروز منتجات استراتيجية للغاية وغير مستخدمة إلا عند الضرورة؛ نظراً إلى تكلفتها الباهظة. ومع ذلك فإن تطور التكنولوجيا بمرور الوقت قد سهل الوصول إلى بعض التقنيات التي تسببت في تخفيض التكاليف. وانطلاقاً من هذه المعطيات أصبح هناك حاجة ملحة إلى صواريخ كروز "منخفضة التكلفة وسريعة الإنتاج وقابلة للاستهلاك"، وبدأت البلدان المنتجة لها في تطوير التقنيات وفقاً لذلك.

في العادة، يجري إطلاق صواريخ كروز من الطائرات الحربية. تكلفة الطائرة المقاتلة، والمخاطر على حياة الطيار، بالإضافة إلى استبدال طيار أو طائرة محتملة في حالة الخسارة، هي مهام طويلة ومكلفة للغاية.

ولكن عند النظر إلى حقيقة أن تشاقير، الذي من المتوقع أن يدخل المخزون العام المقبل، يمكن إطلاقه من منصات جوية - أرضية - بحرية دون طيار، نجد أن تركيا قد اكتسبت ذخيرة تقلل من المخاطر التي ذكرناها أعلاه، وهي رادعة للغاية في ساحة المعركة.

وفي خطوة استراتيجية لا تقل أهمية عن إطلاق صاروخ كروز من مسيّرة جوية محلية، تمكنت شركة توساش من تحويل العضو الأخير من عائلة شمشك (Şimşek)، التي ظهرت لأول مرة باعتبارها طائرة مستهدفة، إلى كاميكازي انتحاري يعمل برفقة المقاتلة المسيّرة عنقاء 3. هذه الخطوات مجتمعة من شأنها أن تجعل من تركيا لاعباً قوياً ومتفرداً في مجال المسيّرات الجوية وأسلحتها الفعالة.

الجيل الجديد من صواريخ كروز

تشاقير المحلي، الذي جرى إطلاقه في مارس/آذار من العام الماضي، هو صاروخ كروز يتمتع بعديد من الميزات التي تجعل منه صاروخ كروز المناسب للوقت الحالي. تمتلك تركيا بالفعل صواريخ كروز مثل SOM وAtmaca، التي تنتجها بوسائلها الخاصة. ومع ذلك فإن تشاقير هو صاروخ كروز استراتيجي أقل تكلفة بكثير منها.

والصاروخ موضوع النقاش ينتمي إلى عائلة صواريخ تضم 8 صواريخ مختلفة في أكثر من مجموعة، بمدى يزيد على 150 كيلومتراً. وطُوِّر خصيصاً من أجل تلبية احتياجات عديد من الوحدات الأمنية في وقت واحد، بما في ذلك الصواريخ المضادة للسفن وصواريخ الحرب الإلكترونية.

ويمتلك تشاقير الذي يعمل بمحرك KTJ-1750 turbo-jet المطور محلياً قدرة تدميرية عالية ضد الأهداف من خلال رأسه الحربي المبتكر، واختياره نقطة الاستهداف. كما يوفر القدرة على الوصول إلى الأهداف بدقة عالية في ظل الظروف الجوية المتنوعة، ويسمح بتغيير الهدف أو إلغائه في أثناء مسيره اعتماداً على اختيار المستخدم.

ومن الخصائص الاستراتيجية الأخرى أن الصاروخ قادر على العمل وفق مفهوم السرب الذي يسمح بهجوم منسق بعدد كبير من الذخيرة ويسهل التغلب على أنظمة العدو الدفاعية، بالإضافة إلى قدرته على مواصلة التحليق في حالات التشويش الإلكتروني المكثف، وذلك بفضل نظام GNSS المقاوم للتشويش ونظام الملاحة بالقصور الذاتي المدعوم بمقياس الارتفاع.

كسر الاحتكار الفرنسي

إحدى القضايا الرئيسية التي لا ينبغي التغاضي عنها في تجربة الإطلاق الأخيرة في ولاية سينوب هي محرك الصاروخ. فقد حلَّق تشاقير إلى هدفه في ذلك اليوم بمحرك صاروخي جرى تطوير جميع مكوناته بموارد وخبرات وطنية، إذ أظهرت تركيا أنها دولة لا تنتج الصاروخ فحسب، بل تنتج محركه أيضاً، فمن الممكن أيضاً استخدام هذا المحرك في صواريخ أخرى.

عالمياً، يجري توفير هذه المحركات بشكل عام من قِبل فرنسا. هذا الوضع يضعهم في موقف احتكار ويمهد لهم الطريق لاستخدام هذه البطاقة بوصفها بطاقة رابحة.

ولكن عندما تثبت تركيا محركها الخاص على صاروخها فإنها لا تتحرر فقط من تهديدات الحظر التي لطالما لوّح بها في وجه أنقرة بهدف كبح صناعتها الدفاعية، بل يجعل منها لاعباً جديداً قادراً على كسر الاحتكار الفرنسي في سوق بمئات الملايين من الدولارات .

بالإضافة إلى كل ذلك، وبالنظر إلى حقيقة أن التعاون في صناعة الدفاع يستمر لسنوات عديدة، قد يمهد هذا الطريق لاكتساب حلفاء جدد، وهو ما ينعكس على شكل مكاسب في سياسة أنقرة الخارجية طويلة الأمد أيضاً.

TRT عربي