مسابقة لصيدِ صحفي.. كيف يحرِّض اليمين المتطرف ضد الصحفيين في إسبانيا؟ (Oscar Del Pozo/AFP)
تابعنا

أعربت منظمة "مراسلون بلا حدود" عن احتجاجها إزاء التهديد الذي لقيه محرر جريدة "إل خويفيس" الإسبانية الساخرة، من زعيم حزب فوكس اليميني المتطرّف، سانتياغو آباسكال، الذي دعا قواعد حزبه إلى "محاسبة الصحفي في الشارع العام"، مرفِقاً الدعوة بمعطيات حساسة عن مكان وجود محرر الجريدة المذكورة.

فيما، ما قام به آباسكال لا يعدو كونه عملية أخرى لصيد الصحفيين في الشوارع، بما هم الطريدة المفضلة، على ما يبدو، لقوى اليمين الشعبوي. حيث، ومنذ الصعود المطّرد لهذا اليمين منتصف العشريّة الماضية، وهو يشنّ حملات التشويه والتحريض والتعنيف ضدّ صحفيين لم يمارسوا في الأصل إلا دورهم وحريتهم المهنية.

طاردوه في الشارع!

المسألة التي فجَّرت حنق زعيم فوكس اليميني المتطرف كانت رسماً كاريكاتورياًنشرته جريدة "إل خويفيس" الساخرة، معنونة بـ"عصابة حزب فوكس". حيث يظهر فيه آباسكال عارياً، إلا مِن سروالٍ داخلي يحمل معقوفات نازية. كما تصوّر تلك الرسومات كذلك الرجل الثاني في الحزب، خوسيه أنطونيو أورتيغا، الذي اختُطف واحتُجز سابقاً على يد جماعة "إيتا"، المصنّفة إرهابية من السلطات الإسبانية، وجلْدُه يُحرق تحت الشّمس، في تجسيد للشعار الفاشي: "ليس مِن الصحيّ أن تخرج للشمس، بعد أن قضيت وقتاً طويلا في الظلام".

الأمر الذي اعتبره زعيم حزب فوكس "إهانة لملايين الإسبانيين تمارسها الجريدة بشكل يومي". مضيفاً أنه: "سيتحمَّل مسؤولية إهاناته عندما يخرج مِن مكتبه إلى الشارع العام". في تغريدة لمَّحت للمدينة التي فيها مكتب الجريدة، بل وعنوان محررها والشّارع الذي يعبره. الأمر الذي بدا تحريضاً مباشراً ضد الصحفي المذكور، وتهديداً لسلامته الشخصية.

في ذات السّياق، انتقدت منظمة "مراسلون بلا حدود" حديث زعيم الحزب، حيث عبّرت عن احتجاجها في تغريدة قائلة: "فوكس لم يتخطَّ فقط حدوده الأخلاقية، بل حتّى الحدود القانونية.. أن تستهدف محرراً بعينه وتكشف عن عنوان مقر عمله"، مهدداً بأنه "سيتحمّل مسؤولية أفعاله في الشارع العام". من جهة أخرى، أدانت جريدة "إل موندو" في بيان لها ما صدر عن زعيم فوكس، مشددة على أنّ: "في بلاد كإسبانيا، التي عانت ويلات الإرهاب، والتي غالباً ما كانت تسبقها هجمات تستهدف أصحاب المنشورات الساخرة، ما يجعل تحرّك فوكس الأخير تخطٍ للخطوط الحمراء، ولا يمكن تقبّله من الناحية القانونية والأخلاقية".

الصيد المفضَّل لليمين المتطرِّف!

ليس ما قام به حزب فوكس مِن تحريض ضدّ الصحفي الساخر لجريدة "إل خويفيس"، وتعريض سلامته الشخصية لتهديد مُحدق، مقتصر على القُطر الإسباني وحسب، ولا على الحزب اليميني بمفرده. هكذا، وعلى ما يبدو، أنّ الصحفيين هم الطريدة الأكثر تفضيلاً عند شعبويي العالم، والأكثر تهديداً مِن مخاطر عنفهم.

في سنة 2018، نقلت تقارير إعلامية ظاهرة تفشّي المعلومات الزائفة ونظريات المؤامرة التي واكبت خوض جايير بولسونارو انتخابات البرازيل، حيث رصدت شبكة تتعدى الـ100 ألف حساب على تطبيق واتسآب تقف خلف هذه الحملة التي تهدف إلى التشويش على النّاخبين لصالح المرشَّح اليميني المتطرّف. في ذات السياق كان الصحفيون الذين اشتغلوا على فضح هذه الظاهرة هدفاً لمطاردات أنصار المرشّح السّابق والرئيس الحالي للبرازيل.

بالتهديد والتعنيف الذي قاده أنصار بولسونارو، وبتكميم الأفواه من رؤسائهم في وسائل الإعلام الموالية له، هكذا هوجم أولئك الصحفيون. لدرجة تحرُّك منظمات فيها على مستوى دولي، كلجنة حماية الصحفيين، لإيقاف المطاردات التي كانت تقع. وقالت في بيان لها آنذاك إنّ: "التصعيد الحاصل ضد الصحفيين في البرازيل يُنذر بتصاعد خطر خطاب معاداة الصحافة المواكب للحملة الانتخابية الرئاسية.. يجب أن يُسمح للصحفيين الذين يغطّون الرئاسيات بالعمل بحريَّة وأمان وهم يرصدون القضايا التي تهمّ الرأيَ العام".

التشكيك في الصحافة ومعاداتها هو السّمة المرافقة لصعود أيّ تيار شعبوي، وهذه المرّة بالتزامن مع الانتخابات المحلية الإيطالية 2019، التي صعد فيها نجم ماتيو سالفيني وحزب "لاليغا"، حيث سجّل مركز دراسات مؤسسة رويترز بلوغ مؤشر الثقة في الصحافة أدنى مستوياته بإيطاليا.

وأوردت دراسة رويترز أنّ 40% من الإيطاليين فقط يثقون بالصحافة، و33% منهم فقط يؤمنون بأنّ الصحافة تعبّرُ فعلاً عن الإرادة العامة. هذا التدنّي تُرجم على الجانب الآخر، جانب أنصار سالفيني، باعتداءات وعنف مادي ولفظي استهدف الصحفيين. وكمثال على ذلك كان الصحافي جاد لينر الذي حضر ليغطي وقتها تجمّعاً خطابياً للزعيم المذكور، قبل أن ينهال عليه مناصروه بالضّرب والإهانة بألفاظ عنصرية ومعادية للسّامية. في المقابل سُجّل في تلك الفترة كذلك تصاعدٌ لخطاب المؤامرة والأخبار الزائفة بالبلاد.

ثاني بلد يحلّ خلف إيطاليا في تدني مؤشرات الثّقة في الصحافة كان المجر، والتي يقودها هي الأخرى الزعيم الشعبوي فيكتور أوربان، الذي لقَّبته منظمة "مراسلون بلا حدود" بـ"مفترس حريَّة الصحافة". والذي أتى على رأس لائحة مِن 37 حكومة صنَّفتها المنظّمة على أنّها "تقود حملات قمع شرسة ضدّ حريَّة الصحافة". حيث ومنذ قدومه إلى السلطة، عمد أوربان إلى التضييق على الصحافة وملاحقة الصحفيين.

TRT عربي