هل تنجح ألمانيا باحتواء الأزمة المالية والركود؟ / صورة: Reuters (Staff/Reuters)
تابعنا

كشفت أرقام رسمية نشرت الخميس أن الاقتصاد الألماني دخل في حالة انكماش تقني خلال الفصلين الماضيين من العام الجاري. مع تسجيل تراجع في إجمالي الناتج المحلي للربع الثاني على التوالي، بلغت نسبته 0,3% في المدة بين يناير/كانون الثاني ومارس/آذار 2023.

ويُضاف هذا التراجع في الناتج الإجمالي المحلي الألماني، إلى ما سجله الناتج ذاته من انخفاض في خريف 2022، والذي بلغت نسبته 0.5%. وهو ما يعني أن أكبر اقتصاد في القارة الأوروبية يعاني من ركود، يتوقع أن يستمر في التزايد للسنة القادمة.

وفي ظل هذه الوضعية الاقتصادية المقلقة، تسارع الحكومة الألمانية لإيجاد منفذ من الأزمة، غير أنها ترتطم بالخلاف الكبير بين مكوناتها حول كيفية الحل؛ بين حزب الخضر الذي يدفع نحو الزيادة من الإنفاق العمومي، والديموقراطيين الأحرار المتمسكين بضرورة تخفيض الموازنة العامة. وهو ما قد يهدد بتفكك التحالف الحاكم.

ركود الاقتصاد الألماني

لم تكتمل انتعاشة الاقتصاد الألماني، بعد وباء كوفيد-19 الذي تسبب في تراجع إجمالي الناتج المحلي في الربعين الأول والثاني من 2020، لتهزه مجدداً تبعات الحرب في أوكرانيا وأزمة الطاقة التي نتجت عنها. وبالرغم من نجاح الحكومة الألمانية في التخفيف منها، بسياسات التقشف الطاقي وزيادة الاعتماد على الغاز المسال، ظلت مستويات التضخم في ارتفاع متزايد.

ولحدود شهر مايو/أيار الجاري، تسجل ألمانيا ارتفاعاً في مستويات التضخم يقارب نسبة 7% على أساس سنوي. وهو ما ينعكس على الاقتصاد ككل بخفض الإنفاق الاستهلاكي الخاص والعام بشكل كبير، ويتسبب في صدمة للأسواق وركود اقتصادي. كما زادت قرارات رفع معدلات الفائدة التي اتخذها البنك المركزي الأوروبي في تعميق الصدمة، بزيادتها تقليص الطلب.

وهو ما أكدته أرقام مكتب الإحصاء الفيدرالي الألماني، بانخفاض إجمالي الناتج المحلي الألماني بنسبة 0.3% خلال الربع الأول من عام 2023، بعد أن سجل انخفاضاً بـ0.5% خلال الربع الأخير من عام 2022. وهو ما يعني أن البلاد دخلت رسمياً في حالة ركود، إذ يعرَّف الركود الاقتصادي بانخفاض في الناتج المحلي خلال ربعين متتاليين.

وتحدث تقرير مكتب الإحصاء الفيدرالي الألماني عن جمود اقتصادي فيما تبقى من السنة، مخفضاً توقعاته لنمو الناتج المحلي إلى 0.0%. وقال المكتب: "استمرار الزيادات المرتفعة في الأسعار شكّل عبئاً على الاقتصاد الألماني في بداية العام (...) وقد انعكس هذا بشكل خاص في الإنفاق الاستهلاكي النهائي للأسر، والذي انخفض بنسبة 1.2% في الربع الأول من عام 2023".

وإثر نشر هذه البيانات الاقتصادية، سعى المستشار الألماني أولاف شولتز إلى طمأنة الألمان بخصوص اقتصادهم، قائلاً: "آفاق الاقتصاد الألماني جيدة جداً". وأضاف قائلاً "نحن نحل التحديات التي تواجهنا". من خلال إطلاق العنان لقوى السوق وقطع الروتين،

هل تنجح ألمانيا باحتواء الأزمة المالية والركود؟

تكمن الحلول التي أشار إليها شولتز، حسب مقال تحليلي لوكالة "بلومبيرغ" الأمريكية، في إيجاد الحكومة الألمانية مسلكاً من المشاكل التي تسببت في الركود الحاصل، وعلى رأسها أزمة الطاقة. ويرى التقرير أن ألمانيا تجد نفسها غير مناسبة لتلبية احتياجات الطاقة لقاعدتها الصناعية على نحو مستدام، إذ تعتمد بشكل مفرط على الطرق التقليدية في حل الأزمة، وتفتقر إلى المرونة السياسية والتجارية للتركيز على القطاعات الأسرع نمواً.

ووفقاً لهذا، تستجيب برلين لهذه المخاوف، على المدى البعيد، من خلال السعي إلى تسقيف لأسعار الطاقة لبعض الصناعات المستهلكة للطاقة بشكل كثيف، كالصناعات الكيماوية، بحلول عام 2030. وهو ما سيكلف دافعي الضرائب ما يصل إلى 32 مليار دولار. وترى "بلومبيرغ" أن حتى هذا الحل سيكون ترقيعياً بالنسبة إلى الاقتصاد الألماني، إذ إن ارتفاع الضرائب سيؤثر على الاستهلاك بالكيفية نفسها التي يؤثر بها عليه ارتفاع مستويات التضخم.

ومن ناحية أخرى، تسعى حكومة شولتز إلى توصيل ما يقرب من 625 مليون لوحة شمسية و 19 ألف توربينة رياح بحلول عام 2030، في خطة لمكافحة ارتفاع فواتير الطاقة بالاعتماد على المصادر المستدامة. فيما يهدد الفشلُ هذا المشروعَ أيضاً، إذ تفتقر البلاد إلى المؤهلات الطبيعية التي تمكنها من توليد الكم الكافي من الطاقة من خلال هذه المصادر.

فيما على المدى القريب، يُضاف ركود الاقتصاد الألماني الحالي، إلى ضغط النزاعات الموجودة مسبقاً بين مكونات التحالف الحاكم بشأن قانون موازنة العام القادم، والذي من المفترض أن يحمل إجابات عن الوضع المتردي. إذ يدفع حزب الخضر نحو زيادة الإنفاق العمومي، بخاصة في مجال التحول الطاقي، يعارض الديموقراطيون الأحرار هذه الزيادة، متمسكين بضرورة تخفيض الموازنة العامة.

وسبق أن حذر وزير المالية وزعيم الحزب الديمقراطي الحر كريستيان ليندنر، من أن الحكومة بحاجة إلى الاستعداد لمفاوضات "صعبة" بشأن ميزانية العام المقبل، مع الضغط أيضاً لتعزيز الاقتصاد من خلال خفض الدعم بالإضافة إلى جذب المزيد من الاستثمار والعمال المهرة.

ويخطط زعيم الليبراليين ووزير المالية كريستيان ليندر لإحداث تخفيضات كبيرة في الإنفاق العمومي، قد تصل إلى 22 مليار يورو في ميزانية العام المقبل. وكانت وكالة بلومبيرغ الأمريكية قد كشفت عن أن حكومة شولتز تعتزم تخفيض الإنفاق العمومي لكل الوزارات عدا الإنفاق الدفاعي.

وهو ما انتقده غريمه السياسي وحليفه في الحكومة، نائب المستشار وزعيم حزب الخضر روبرت هابيك، محذراً بأنه لألمانيا "احتياجات (مالية) كبيرة في كل نواحي الاقتصاد، لا سيما في مجالات التخلص من الكربون والرقمنة"، وأن التخلي عن هذا الإنفاق قد يضع البلاد في "خطر".

ويجادل الخضر بأن الإجابة عن تخوفات بشأن العجز في الميزانية وتخفيض فواتير الطاقة لإنعاش الاقتصاد، يجري عبر زيادة الضرائب على الأغنياء وتسريع تنفيذ مشاريع التحول الطاقي.

ويرى مراقبون أن هذا الصدام الداخلي بين الخضر والديموقراطيين الأحرار يهدد تماسك الحكومة الألمانية، ويغرقها في خلافات داخلية. وهو ما يؤثر على قدراتها للخروج بأي حلول لإخراج الاقتصاد من ركوده، وإنعاش السوق الألمانية.

TRT عربي