دراسة أمريكية تُظهر أن 81% من العاملين باتوا يفضّلون العمل من المنزل على العودة بدوام كامل إلى المكاتب (Getty Images)
تابعنا

بعد مرور قرابة السنتين منذ الإعلان عن بداية إنتشار وباء كورونا حول العالم، أصبح كثير من الموظفين اليوم معتادين على العمل عن بعد، والتي تعد إحدى الإجراءات الوقائية التي فرضتها الحكومات على عمالها وأرباب الأعمال وأصحاب المؤسسات، للحد من انتشار الفيروس، مع ضمان مواصلة مختلف الأعمال والمهن، دون أي إشكال.

وبينما تمكنت أغلب الدول في النهاية، وبفضل اللقاحات المضادة، من السيطرة على انتشار الوباء نوعاً ما، بدأت الحكومات والجهات المختصة، تدرس عملياً خطة استئناف العمل المكتبي في مختلف القطاعات، ولكن القرار جوبه بالرفض من طرف عدد كبير من الموظفين انطلاقاً من عدة مبررات ودوافع.

وعلى ضوء ذلك، يتساءل مسؤولون ومراقبون، عن الأسباب التي جعلت الموظفين يفضلون ترك أعمالهم في عدد كبير من الدول، على العودة إلى المكاتب، وعما إذا كان ذلك سيفضي في النهاية إلى تعميم نظام عمل جديد، بدل المتعارف عليه والمعمول به طيلة عقود، قبل انتشار الجائحة.

الولايات المتحدة.. الموظفون ينتقدون روتين العمل "القمعي"

في دراسات استقصائية أجريت مؤخراً في الولايات المتحدة الأمريكية، عبر أكثر من 81% من العاملين، على تفضيلهم العمل من منازلهم بدل العودة إلى العمل بدوام كامل من المكاتب.

واعتبر الموظفون الذين استجوبوا في الدراسة، أن العمل بدوام كامل من الساعة 9 صباحاً إلى الساعة الخامسة مساءً في المكاتب، يعد "روتيناً قمعياً"، ويختار أغلبهم الاستقالة وترك وظيفته، على العودة إلى العمل المكتبي.

وفعلاً، كشفت وزارة العمل الأمريكية مؤخراً، في سياق منفصل، أن ما لا يقل عن 30 مليون أمريكي تركوا وظائفهم في الفترة بين شهري يناير/كانون الثاني 2020 وأغسطس/آب من العام ذاته. لتبلغ هذه الاستقالات ذروتها خلال شهر أغسطس/آب، حين بلغ عدد الأمريكيين الذين غادروا وظائفهم حوالي 4.3 مليون أمريكي أي ما يعادل تقريبا 2.9% من القوى العاملة إجمالاً في الولايات المتحدة الأمريكية.

وتعتبر هذه الهزات ضربة حقيقية، لسوق العمل الأمريكي، والتي دفعت أصحاب المؤسسات والجهات الحكومية إلى التفكير ملياً، قبل البدء في محادثات العودة إلى العمل المكتبي.

وكانت العديد من الشركات قد حددت مراراً أطراً زمنية لعودة الموظفين إلى مقرات العمل، ثم أرجأتها عدة مرات، نتيجة الكثير من المعوقات والتي كان عدم تهيئ العمال لاستئناف العمل المكتبي، أحدها.

وفي السياق ذاته، أشارت الخبيرة الاقتصادية في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، أولريك مالميندير، إلى أن "الوباء وظهور العمل عن بُعد قد غير الطريقة التي ننظر بها إلى حياتنا والعالم".

لندن.. الموظفون يغادرون العاصمة المالية

أما في المملكة المتحدة، فقد عبرت كبرى الشركات والمؤسسات، عن العديد من الصعوبات التي تعيق قدرتها على جذب العمال والموظفين من جديد إلى مكاتبهم، رغم التخفيف من قيود الإغلاق والحجر الشامل.

ويخطط بناء على ذلك، أصحاب المؤسسات إلى تكثيف الجهود لإعادة تشغيل المكاتب، بنفس الطريقة التي كانت عليها قبل انتشار الجائحة، وخاصة في مدينة لندن، العاصمة المالية الرئيسية التي أصبحت أقل المقاطعات التجارية نشاطاً، بعد مغادرة أغلب العاملين والموظفين للمدينة في اتجاه بقية المقاطعات، بفضل إقرار العمل عن بعد.

وتبدو مهمة إقناع الموظفين بمزاولة أعمالهم من المكاتب في الوقت الراهن، صعبة، إذ لا يتقبل الكثيرون الفكرة، بعد أن تأقلموا على نظام العمل الجديد.

بلدان أوروبية.. إقرار العمل ثلاثة أيام عن بعد

ولا يختلف الأمر كثيرا في بعض البلدان الأوروبية ومن بينها فرنسا، إذ أصر أغلب الموظفين على أن أداء العمل مع المحافظة على الإنتاجية، مع تطوير تقنيات مراقبة أداء المهام، يعدد سبباً كافياً للتمديد في إجراءات العمل عن بعد.

وكإجراء أولي، أقرت بعض الشركات السماح للموظفين بالعمل عن بعد لمدة ثلاثة أيام في الأسبوع، فيما تواجه أخرى صعوبات في الانتقال إلى تشغيل المكاتب، وسط رفض فئة كبيرة من الموظفين العودة إلى مقار أعمالهم.

هل يعمم نظام عمل جديد؟

لم يكن أحد يتوقع هذا التحول المفاجئ في نظام العمل، إلى أن أردته جائحة كورونا واقعاً ملموساً، وجب على الجميع التكيف معه. وكان الاتجاه إلى العمل عن بعد، أفضل الحلول المتاحة بداية انتشار الوباء.

واليوم، وبعد مرور سنتين، أصبح أرباب العمل يواجهون وضعاً مربكاً لإعادة تشغيل مكاتبهم وإقناع الموظفين بالعودة إلى نظام العمل السابق.

وكحل وسط، التجأت بعض الشركات، إلى إقرار نظام العمل "الهجين"، الذي يسمح فيه للموظفين بالعمل بضعة أيام من الأسبوع في منازلهم، ومازال هذا التوجه يلقى تعثراً.

فقد أصبح عدد كبير من الموظفين على إيمان راسخ، بأنهم قادرين على أداء وظائفهم بنفس الإنتاجية، مما يخول لهم بالتالي اختيار مكان العمل المناسب لهم، أو ترك الوظيفة بكل بساطة والبحث عن أخرى.

كما يجد العاملون أيضاً، أن فكرة العمل عن بعد، قد أتاحت لهم مزيداً من المساحة، للإلتفات إلى حياتهم الشخصية وإيلاء الأهمية لعلاقاتهم الإجتماعية والأسرية، ولم يثنهم بالتالي إصرار أرباب العمل على العودة إلى العمل المكتبي على التضحية بهذه "الميزات"، حسب رأيهم.

ويرجح محللون ومختصون، أن المزج بين العمل من المكتب والعمل عن بعد، قد يعد أفضل الحلول المتاحة حالياً.

وقد انتهزت عمالقة التكنولوجيا العالمية الفرصة، في تطوير تقنيات وأنظمة لتسهيل أداء العمل بفعالية، على غرار غوغل ومايكروسوفت وزوم.

وكانت شركة غوغل أعلنت، على لسان مسؤوليها، في وقت سابق، أن نظام العمل "الهجين" من المرشح أن يستمر حتى بعد انتهاء الجائحة. لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن "نمط العمل لمدة 40 ساعة أسبوعياً داخل حجرة، قد انتهى إلى غير رجعة في القطاعات والمناطق كافة" على حد تعبير المسؤول عن إدارة المنتجات في غوغل ديف سيترون.

TRT عربي