ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس الأمريكي جو بايدن، خلال زيارة الأخير للمملكة في يوليو/تموز 2022. (Reuters)
تابعنا

لما يقرب من ثمانية عقود، وعلى الرغم من الاختلافات في ملفات حقوقية وسياسية بعينها، نجحت الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية في الحفاظ على تحالف استراتيجي وثيق على أسس واضحة ومباشرة: النفط مقابل الأمن والحماية. والتي بدورها ساهمت في ازدهار وأمن منطقة الخليج برمتها، منذ تأسيس السعودية واكتشاف النفط هناك في الثلاثينيات.

وعلى الرغم من نجاح البلدين في العودة بالعلاقات إلى مسارها بعد أكثر من أزمة، لا سيما حظر النفط الذي فرضته السعودية عام 1973، إلا أن السنوات الأخيرة، كانت شاهدة على توتر العلاقات بين البلدين بسبب ما يعتبره بعض المحللين سياسة خارجية سعودية أكثر حزماً ومستقلة عن النفوذ الأمريكي، تخدم مصالحها الاقتصادية والسياسية، وفقاً لما نقلته صحيفة وول ستريت جورنال.

ومع فشل بايدن في إصلاح العلاقات في يوليو/تموز من أجل إقناع أكبر مُصدر للنفط الخام في العالم لزيادة الإنتاج، وبالتالي دفع أسعار النفط العالمية للانخفاض، ساهم قرار خفض الإنتاج الذي اتخذه تحالف أوبك + بقيادة السعودية مطلع الشهر الجاري في توجيه ضربة جديدة للعلاقات التي بدأت في التآكل منذ فترة الرئيس السابق باراك أوباما، الذي رأى ضرورة خفض الأولوية للعلاقة مع المملكة لصالح آسيا، ودفعت الرياض نحو الاعتقاد أن واشنطن لم تعد مستعدة لضمان أمن المملكة.

تحالف العقود السبعة

تعود جذور الشراكة الأمريكية السعودية إلى أكثر من سبعة عقود، وتحديداً إلى فترة تأسيس المملكة العربية السعودية في عام 1932. فقد أقامت الولايات المتحدة علاقة مع مؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبد العزيز بن سعود من خلال صناعتها النفطية أولاً، حيث شاركت الشركات الأمريكية في صناعة النفط في السعودية منذ عام 1933، عندما فازت شركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا (شيفرون حالياً)، التي نفذت أول اكتشاف نفطي لها هناك في عام 1938، بامتياز لمدة ستين عاماً لاستكشاف شرق المملكة العربية السعودية.

ومنذ إنشاء التحالف، الذي أعقب مباشرةً الاكتشافات النفطية الهائلة في المملكة، تتمتع الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية بعلاقة اقتصادية قوية. فحسب وزارة الخارجية الأمريكية، تعد الولايات المتحدة بمثابة ثاني أكبر شريك تجاري للمملكة العربية السعودية، فيما تعتبر السعودية واحدة من أكبر الشركاء التجاريين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وثالث مصدر رئيسي للنفط المستورد للولايات المتحدة، حيث توفر حوالي نصف مليون برميل يومياً من النفط إلى السوق الأمريكية.

وإلى جانب الاقتصاد، تربط الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية علاقة أمنية طويلة الأمد ساهمت في تحسين التعاون البيني. والقوات المسلحة السعودية وفقاً لتقرير "خدمة أبحاث الكونغرس" لعام 2021، تعتمد منذ عقود على مبيعات الأسلحة الأمريكية والتدريب ودعم الصيانة، والتي بدورها ساهمت في دعم وزارة الدفاع والحرس الوطني ووزارة الداخلية السعودية بمباركة الكونغرس.

وقالت وزارة الخارجية الأمريكية في تقرير نشرته في مايو/أيار، إن السعودية هي أكبر زبون لبرنامج المبيعات العسكرية الأجنبية (FMS) للولايات المتحدة، مع أكثر من 100 مليار دولار كـ"مبيعات نشطة". مشيرةً إلى أن سلاح المهندسين بالجيش الأمريكي لعب أيضاً دوراً حيوياً في البناء العسكري والمدني في المملكة منذ خمسينيات القرن الماضي.

وبالإضافة إلى التعاون الوثيق في ملفات الأمن ومحاربة الإرهاب، تتمتع الولايات المتحدة والسعودية أيضاً بعلاقات ثقافية وتعليمية قوية مع عشرات الآلاف من الطلاب السعوديين، الذين يدرسون في الكليات والجامعات الأمريكية وعشرات من زوار التبادل التعليمي والثقافي كل عام، وفقاً لوزارة الخارجية الأمريكية.

النفط مقابل التحالف؟

في منتصف فبراير/شباط من عام 1945، أطلق اللقاء بين الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت والملك عبد العزيز آل سعود على متن السفينة يو إس إس كوينسي في قناة السويس، الشراكة غير المتوقعة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. كانت شروط التحالف واضحة ومباشرة: النفط السعودي مقابل الأمن والحماية الأمريكية، وفقاً لـ مجلس العلاقات الخارجية CFR، وهو مؤسسة فكرية أمريكية متخصصة تأسست عام 1921 ومقرها نيويورك.

وعلى مر السنين، حافظ البلدان على الشراكة الاستراتيجية واستمرت العلاقات الثنائية بينهما، لا سيما في قطاعي الطاقة والأمن، رغم التوترات بشأن ملفات حقوق الإنسان وهجمات 11 سبتمبر، والاتفاق النووي مع إيران إبان فترة باراك أوباما، فضلاً عن حرب اليمن ومقتل خاشقجي.

وحسب بلومبرغ، انحرفت العلاقات عن مسارها في بعض الأحيان، لكن البلدان نجحتا في إنقاذ العلاقة والعودة بها إلى مسارها. ففي عام 1973، قادت السعودية مقاطعة نفطية عربية للولايات المتحدة ودول أخرى دعمت إسرائيل في الحرب العربية الإسرائيلية، مما ساهم في حدوث ركود في الغرب. ومع ذلك، استمرت العلاقة التي ازدادت عمقاً بسبب الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979، التي أطاحت بملك مدعوم من الولايات المتحدة في بلد ينافس السعودية على الهيمنة الإقليمية، وغزو العراق للكويت عام 1990، المتاخمة للسعودية.

لكن في السنوات الأخيرة، وتحديداً فترة أوباما التي شهدت ازدهار إنتاج الوقود الأحفوري المحلي في الولايات المتحدة وما تلاه من خفض الأولوية للعلاقة لصالح آسيا، بدأت الشراكة الاستراتيجية بين السعودية والولايات المتحدة بالتآكل بعد إحجام الرياض عن تحقيق الاستقرار في سوق النفط عبر قيادتها لأوبك، في حين أصبحت الرياض تعتقد أن واشنطن لم تعد مستعدة لضمان أمن المملكة.

وعلى الرغم من الخلاف الشائك حول قرارات أوبك في السنوات الأخيرة، لا تزال الولايات المتحدة تحتفظ بحوالي 3000 جندي في المملكة العربية السعودية ونحو 2000 في الإمارات العربية المتحدة، ولا يشمل ذلك الأسراب المقاتلة ومقاتلات F-35 وأنظمة الأسلحة الأخرى التي يديرها أفراد أمريكيون، وفقاً لمستشار الأمن القومي جاك سوليفان.

"حلفاء بشروط تغيرت"

تدخل الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية حقبة جديدة في شراكتهما التي دامت لأكثر من 7 عقود مع قرار أوبك + الأخير. فمنذ تحول ملف الطاقة ليصبح أحد أكبر مصادر الخلاف بين واشنطن والرياض منذ عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي سبق أن اعترض في 10 مناسبات على قرارات تحالف أوبك، لم تنجح إدارة بايدن لوضع حد لتصدع العلاقات بين الولايات وأحد أكبر وأقوى حلفائها في الشرق الأوسط.

ووسط تصاعد حدة الهجوم الذي تشنه واشنطن على السعودية ووصفها قرار أوبك + الأخير بخفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يومياً اعتباراً من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل بأنه قرار سياسي يحمل دعماً لروسيا، ويمثل مصدر عبء جديداً على التضخم العالمي، نفت السعودية كل هذه الادعاءات التي وصفتها بأنها تصريحات عاطفية مدفوعة بحسابات سياسية للتأثير على الانتخابات الأمريكية النصفية.

وفيما يصر الطرفان على وصف القرار وردود الفعل التي خلّفها بأنها سياسية، قالت السعودية على لسان وزير خارجيتها الأمير فيصل بن فرحان، الثلاثاء، إن قرار أوبك + اقتصادي بحت وليس له أبعاد سياسية، حيث أشار إلى أن التحالف يسعى إلى استقرار أسواق الطاقة وتعزيز مصالح المنتجين والمستهلكين، مؤكداً أن العلاقات مع الولايات المتحدة طويلة الأمد واستراتيجية وأن التعاون العسكري بين البلدين ساهم في السلام والاستقرار في المنطقة، وفقاً لتقرير نشرته وول ستريت جورنال.

وفي ضربة جديدة للعلاقات، شكك المسؤولون الأمريكيون في تحليل سعودي بأن سعر النفط على وشك الانخفاض، وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي، الثلاثاء، إن الرئيس بايدن يعتقد أن على الولايات المتحدة مراجعة العلاقة مع المملكة العربية السعودية في ضوء قرار أوبك +، "وإلقاء نظرة لمعرفة ما إذا كانت هذه العلاقة في المكان الذي يجب أن تكون فيه وأنها تخدم مصالح أمننا القومي".

تهديدات بايدن، الذي زار المملكة في يوليو/تموز بهدف إصلاح العلاقات والمطالبة بزيادة إنتاج النفط من أجل سحب سلاح الطاقة من يد الرئيس الروسي، فتحت الباب للمشرعين من مختلف الأطياف السياسية لدعوة الولايات المتحدة إلى وقف مبيعات الأسلحة إلى السعودية، وحث المسؤولين الأمريكيين على البحث عن طرق لمعاقبة الرياض.

TRT عربي