المعماري العثماني الأشهر سنان باشا الذي أبدع لتركيا هويتها المعمارية الفريدة والمميزة. (AA)
تابعنا

على الرغم من مرور 434 عاماً على وفاة أشهر المعماريين العثمانيين وأكثرهم براعة، فإن ذكر المِعماري سنان باشا لا يزال مخلَّداً حتى اليوم، من خلال آثاره المعمارية التي بلغ عددها نحو 476 بناءً (ما بين إنشاء وتصميم)، والتي وصل منها إلى عصرنا الحالي 196 مبنىً.

وخلال العام الفائت استقبل منزله الحجري الذي وُلد فيه، بولاية قيصري وسط تركيا، قرابة 70 ألف زائر، وهو المنزل الذي تحول إلى متحف عام 2004، والذي يُعَدّ أحد المعالم الأثرية التي تخلّد ذكرى بطل قصتنا في هذا التقرير.

تَغنَّى في مدحه كثير من المؤرخين الغربيين، فها هو ذا المستشرق الروسي فاسيلي بارتولد في كتابه الحضارة الإسلامية يقول عنه: "الأعمال التي نفّذها المعماري سنان لم تكن أقل من الناحية الفنية من الأعمال المعمارية الأوروبية في عصر النهضة". فيما قال العالم الألماني وأستاذ تاريخ العمارة في جامعة فيينا هـ.كلوك: ‍"إن سنان يتفوق فنياً على مايكل أنجلو، صاحب أكبر اسم فني في الحضارة الأوروبية".

المولد والنشأة

حسب أغلب المؤرخين، وُلد سنان باشا لعائلة مسيحية في قرية آغرناص التابعة لولاية قره مان العثمانية (قيصري حالياً) في تاريخ 5 أبريل/نيسان 1489 في عهد السلطان بايزيد الثاني. وكان من بين المسيحيين الذين جندتهم الدولة والمعروفين باسم "الدوشيرمه"، وأسلم وهو في سنّ 23 في عهد السلطان العثماني سليم الأول.

انتقلت عائلته إلى إسطنبول وهو صغير، وهناك التحق سنان بمدرسة "عجمي أوغلانر" الابتدائية العسكرية، وتَعلَّم فيها القراءة والكتابة والعلوم التطبيقية، ثم انضمّ إلى الإنكشارية في أثناء استعداد السلطان سليم الأول لشن حملة عسكرية على الصفويين.

وخلال مشاركته في الحملات العسكرية على مصر والصفويين وشرق أوروبا، بزغ نجم سنان الذي نجح في تشييد الجسور وبناء السفن، وحاز على إعجاب وتقدير وثقة السلطان سليمان القانوني الذي منحه منصب "كبير المعماريين" لينفصل المعماري سنان عن الجيش ويسخّر حياته لفن العمارة.

365 أثراً معمارياً

استمر المعمار سنان في وظيفة كبير المعماريين لمدة 49 عاماً في عهود السلطان سليمان القانوني والسلطان سليم الثاني والسلطان مراد الثالث.

وخلال تلك المدة خلّف سنان باشا وراءه 365 أثراً معمارياً حول العالم، تمثّلت في 92 جامعاً كبيراً و52 مسجداً صغيراً و55 مدرسة و7 دور لتحفيظ القرآن الكريم و20 ضريحاً و17 دار إمارة و3 مستشفيات و6 ممرات مائية و10 جسور و20 خاناً و36 قصراً و8 مخازن و48 حماماً.

وإلى جانب أعماله الهامة في توسعة المسجد الحرام وآثاره بالقدس ودمشق، تنتشر آثاره في جميع أرجاء الأراضي التي حكمتها الإمبراطورية العثمانية. وله ثلاثة أعمال تمثل أهم مراحل حياته المهنية: جامع شهزاده بإسطنبول عام 1548 ويمثّل مرحلة التلمذة له، وجامع السليمانية بإسطنبول عام 1557 ويمثل مرحلة النضج، وجامع السليمية بأدرنة عام 1575، ويمثل مرحلة الأستاذية.

مسجد السليمانية.. تحفة سنان الفنية

شيّد المعماري سنان باشا مسجد السليمانية بين عامَي 1550 و1557 تكريماً للسلطان سليمان القانوني، ويُعتبر أحد أهمّ الأمثلة على العمارة العثمانية الكلاسيكية المطلّة على مضيق البوسفور في منطقة السليمانية.

وكما برع سنان بهندسة الصوتيات داخل المسجد، أتقن إدماج فنه المعماري برموز وتواريخ تخصّ السلطان سليمان الأول (القانوني)، ومن أبرزها احتواء المسجد على 4 مآذن تحوي 10 شُرَف، في إشارة منه إلى أن القانوني هو السلطان الرابع منذ فتح إسطنبول، والعاشر بين سلاطين الدولة العثمانية.

ولم يقتصر إبداع سنان على التصميم والبناء، بل كان عالماً بموادّ البناء وعمرها الافتراضي. ولعل أوضح دليل على ذلك هو ما وجده المهندسون الأتراك عندما بدؤوا ترميم مسجد السليمانية قبل سنوات قليلة. فعندما أزالوا حجارة أحد الأقواس ليستبدلوا بها أخرى جديدة، وُجد أسفل الحجارة رسالة مكتوبة بخط سنان موضوعة داخل زجاجة توضّح المكان الذي جُلبَت منه الحجارة وطريقة إعادة تركيبها.

وهو الشيء الذي يدل على أن سنان كان يعي تماماً أن مسجده سيبقى صامداً أمام عوامل الزمن وزلازل إسطنبول، إلى جانب معرفته أن الوقت سيأتي لإصلاح بعض الأجزاء، لذلك ترك رسالته في المكان الذي توقع أنه سيحتاج إلى الترميم في المستقبل.

TRT عربي