يُحيي الفلسطينيون الخميس الذكرى 17 لرحيل الزعيم ياسر عرفات. (AA)
تابعنا

على الرغم من مرور 17 عاماً على رحيل الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، فإن الغموض ما زال يخيّم على فترة مرضه والأسباب الحقيقية خلف وفاته، وسط اتهامات من الفلسطينيين لإسرائيل بدسّ السمّ في طعامه أو مستلزماته الشخصية عبر عملاء لها.

ولا تزال قضية اغتيال الرئيس الراحل ياسر عرفات، المعروف باسمه الحركي "أبو عمار"، مثار اهتمام وسائل الإعلام، لتضارب الأخبار التي تفيد بأنه مات مسموماً، بخاصة مع تعاقب فرق التحقيق الروسية والفرنسية، وعدم خروجهم حتى اليوم بنتائج نهائية.

يستعرض هذا التقرير أبرز المحطات في حياة مؤسس حركة فتح، ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية، منذ 1969 حتى اغتياله 2004.

المولد والنشأة

وُلد محمد عبد الرؤوف عرفات القدوة الحسيني، الذي اشتهر لاحقاً باسم ياسر عرفات، في مدينة القدس يوم 24 أغسطس/آب 1929، وجاء ترتيبة السادس في أسرة تضمّ 7 أطفال. والده تاجر نسيج فلسطيني من أصول مصرية، والدته من عائلة فلسطينية متجذرة في القدس، توُفّيَت عندما كان ياسر يبلغ من العمر خمس سنوات، فأُرسلَ برفقة أخيه الأصغر فتحي للعيش مع خاله في القدس إبان الانتداب البريطاني لفلسطين.

بعد أربع سنوات في القدس أعاده والده إلى القاهرة حيث اكتسب اللهجة المصرية التي لم تفارقه طوال حياته، حيث اعتنت به أخته الكبرى وبقية إخوته. لم تكن علاقته بوالده جيدة بسبب بعد الأخير عن أبنائه وعدم الاهتمام بهم، حتى إن ياسر عرفات لم يحضر جنازة والده في عام 1952، ولم يزُر قبره عند عودته إلى غزة.

في القاهرة قبل بلوغه 17 عاماً، كان عرفات يساعد على تهريب الأسلحة إلى فلسطين لاستخدامها ضدّ البريطانيين واليهود. وفي سن 19 في أثناء حرب الـ48، ترك عرفات دراسته في جامعة فؤاد الأولى (فيما بعد جامعة القاهرة) ليقاتل العصابات الصهيونية في منطقة غزة. إلا أن هزيمة العرب وإقامة دولة إسرائيل تركته في حالة من اليأس لدرجة أنه تَقدَّم بطلب للحصول على تأشيرة للدراسة في جامعة تكساس.

استعاد روحه المعنوية وحافظ على حلمه بوطن فلسطيني مستقلّ، وعاد إلى الجامعة لاستكمال دراسته في تخصُّص الهندسة المدنية، لكنه قضى معظم وقته في ممارسة النشاط السياسي، فانتُخب رئيساً لاتحاد الطلاب الفلسطينيين في القاهرة من عام 1952 إلى عام 1956، والتقى وقتها صلاح خلف المعروف باسمه الحركي "أبو إياد"، وفاروق القدومي الناشط في حزب البعث، وغيرهما.

الرصاصة الأولى

خطبة ياسر عرفات فى الأمم المتحدة عام 1974. (Others)

نجح في الحصول على شهادته عام 1956، وبعد عمله لفترة وجيزة في مصر سافر إلى الكويت حيث عمل في البداية في قسم الأشغال العامة، ثم أدار بنجاح شركته الخاصة للمقاولات. قضى كل أوقات فراغه في الأنشطة السياسية التي ساهم فيها بمعظم أرباح شركته في تمويلها.

وفي نهاية خمسينيات القرن الماضي أسس مع أصدقائه النواة الأولى لما سُمّي لاحقاً "حركة التحرير الوطني الفلسطيني - فتح"، التي أعلن عن انطلاقتها رسمياً مطلع يناير/كانون الثاني 1965، غداة تنفيذ أولى عملياتها المسلحة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

بزغ نجم عرفات، بعد مشاركته في حرب الكرامة عام 1968، وعقب انتخابه في 3 فبراير/شباط 1969 رئيساً للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، التي أعلنت أنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.

وأصبح ياسر عرفات سياسياً وثورياً معروفاً على مستوى العالم في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات، بخاصة بعد أن أجرت معه مجلة التايم سلسلة من اللقاءات الصحفية. وفي خطابه الشهير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في أثناء حمله غصن الزيتون بيد والبندقية بيد، أضفى على نفسه صفة الثوري العالمي.

ترحال

عرفات يتفقد قوات المقاومة الفلسطينية في لبنان. (Others)

قرر عرفات الانتقال من الكويت إلى الأردن للمشاركة في المقاومة على الأرض، وأسّس قواعد لحركة فتح هناك، لكن وجوده في الأردن لم يستمرّ إذ غادرها عام 1971 إلى لبنان، بسبب اندلاع القتال بين قواته والجيش الأردني، في ما عُرف بأحداث أيلول الأسود.

وفي لبنان نقل عرفات مقر قيادة حركة فتح إلى بيروت الغربية، وأسّس قواعد الخلايا المسلحة في الجنوب اللبناني المحاذي لشمال إسرائيل. إلا أن اجتياح إسرائيل للبنان عام 1982 اجبر القيادة الفلسطينية بزعامة عرفات على مغادرة بيروت إلى تونس وشتى البلدان العربية.

شهد مطلع تسعينيات القرن الماضي تغيُّر مواقف منظمة التحرير الفلسطينية تحت قيادة عرفات، إذ تحولت من فكرة تحرير كامل فلسطين إلى القبول بإقامة دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967، مع الاعتراف بحقّ إسرائيل في الوجود.

وهو ما حدث عام 1993، بعد توقيع اتفاق أوسلو للسلام واعتراف منظمة التحرير رسمياً بإسرائيل، وقيام الأخيرة والاعتراف بالمنظمة ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، والسماح بإقامة السلطة الفلسطينية المتمتعة بحكم ذاتي على بعض المناطق الفلسطينية في الضفة وغزة.

وعلى أثر اتفاق أوسلو، فاز عرفات وإسحق رابين وشمعون بيرس (وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك) بجائزة نوبل للسلام، وعاد عرفات مع أفراد القيادة الفلسطينية في 1 يوليو/تموز 1994 إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبقي هناك حتى حصاره واغتياله عام 2004.

عام 1995 تَزوَّج عرفات ذو الـ61 عاماً، سهى الطويل، وأنجب منها ابنته زهوة، التي سماها على اسم والدته.

حصار واغتيال

وصول جثمان ياسر عرفات إلى مقر المقاطعة في رام الله. (Others)

في سبتمبر/أيلول 2000، مع اندلاع انتفاضة الأقصى، اتهمت إسرائيل عرفات بالتحريض على أعمال العنف ضدها، وحاصرت في 29 مارس/آذار 2002 المقاطعة برام الله، مقرّ عرفات ومرافقيه، ومنعته من الخروج منها، سواء للمشاركة في القمة العربية التي عُقدت في بيروت عام 2002، أو لحضور أعياد الميلاد بمدينة بيت لحم.

وفي أثناء الحصار تدهورت الحالة الصحية للرئيس عرفات سريعاً في أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2004، فنُقل بمروحية إلى الأردن ومن ثم أقلته طائرة أخرى إلى مستشفى بيرسي في فرنسا.

وفي 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2004 أعلنت السلطة الفلسطينية وفاته، ونُقل جثمانه إلى فلسطين حيث دُفن في مبنى المقاطعة بمدينة رام الله، بعد أن رفضت إسرائيل أن يُدفن في مسقط رأسه القدس كما كانت رغبته قبل وفاته.

وفي عام 2019 كشف بسام أبو شريف، مستشار الرئيس الراحل ياسر عرفات، عن أن عرفات قُتل مسموماً بعد أن دُسّ له السُّمّ في معجون أسنانه.

TRT عربي