تابعنا
التطبيع السافر بين الإمارات وإسرائيل سيخلق واقعاً اقتصادياً جديداً في منطقة الشرق الأوسط، سيسعى الكيان الصهيوني لاستغلاله للسيطرة على قطاعات اقتصادية يستهدفها في دول بعينها، وربما تتخطى تلك السيطرة المخاطر الاحتكارية المعتادة.

جاء التطبيع الإماراتي الاسرائيلي تتويجاً لعقود من العلاقات الاقتصادية المستترة بين الطرفين، ولذلك لم يمض اليوم الأول من إعلان التطبيع إلا وقد وقّعت شركة "أبيكس الوطنية للاستثمار" الإماراتية مع مجموعة "تيرا" الإسرائيلية اتفاقاً للتعاون في مجال الأبحاث لمكافحة فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19″، بما في ذلك إنتاج جهاز للاختبار، كما أُعلن عن البدء في تشغيل خدمة اتصالات هاتفية مباشرة بين الإمارات وإسرائيل، ثم السماح بتسيير رحلات جوية مباشرة عبر الأجواء السعودية، هذا بالإضافة إلى إعلان رجال أعمال من الإمارات وإسرائيل وأوروبا تدشين "منتدى الأعمال الإماراتي الإسرائيلي".

تسارع الإجراءات الاقتصادية التطبيعية دفع كثيرين إلى وصف المصالح الاقتصادية بالعامل الحافز على العمل العلني، وإلى التساؤل كذلك حول الطرف الأكثر استفادة من العلاقات الاقتصادية، لا سيما أن الإمارات تعد من الدول الغنية، وبالرغم من معاناة إمارة دبي وشركاتها خلال الأعوام الأخيرة فإن بقية الإمارات لا تزال تمتلك من الفوائض المالية ما يمكنها من مواجهة مشاكل الدولة ككل وللعقد القادم على الأقل.

وكان لهذا التطبيع العديد من المحطات التمهيدية التي بدأت منذ عقدين تقريباً، حيث ظهر للمرة الأولى عند تأسيس إمارة دبيبورصة للماس عام 2004، ومنذ ذلك الحين ارتفع حجم تجارة الألماس في دبي مننحو 3.5 مليارات دولار في عام 2004 إلى 25 مليار دولار عام 2018، بنسبة نمو بلغت 614%، وكان نصيب الألماس الاسرائيلي نح 300 مليون دولار سنوياً في المتوسط. وتنبع أهمية دبي لصناعة الألماس الإسرائيلية في بحث الكيان عن أسواق جديدة، لا سيما بعد تراجع السوق الأمريكية.

بعدها مباشرة وفي عام 2005 قدم رجل الأعمال الإماراتي محمد العبار للإسرائيليين عرضاً لشراء 21 مستوطنة إسرائيلية، كان الكيان الصهيوني يخطط لتدميرها قبل الانسحاب من غزة، وذلك في مقابل 56 مليون دولار.

كما شهد عام 2007 بداية التعاون الإماراتي مع شركة AGT المملوكة لرجل الأعمال الإسرائيلي ماتي كوتشافي، حيث تم توقيع عقد بقيمة 800 مليون دولار لتوفير نظم مراقبة للبنى التحتية الأساسية وحقول النفط، وما بين عامي 2007 و2015 أسست AGT أحد أكثر أنظمة المراقبة تكاملاً في العالم، وهو نظام يحوي آلاف الكاميرات وأجهزة الاستشعار الممتدة على طول 620 ميلاً هي كامل الحدود الإماراتية.

وفي عام 2007 كانت الشراكة بين موانئ دبي ومجموعة "إلعاد" الإسرائيلية، والمملوكة لرجل الأعمال الإسرائيلي إسحاق تشوفا، لإقامة مشروع ضخم في سنغافورة تحت اسم"الشاطئ الجنوبي"، باستثمارات تصل إلى 2.1 مليار دولار، وهو المشروع الذي جرى التخارج منه في عام 2012.

وفي عام 2014 وقعت شركة Verint Systems الإسرائيلية المتخصصة في الأمن الإلكتروني، عقداً مع الإمارات بقيمة أكثر من 100 مليون دولار.كما باعت شركة NSO Technologies Ltd الإسرائيلية برنامجها الخاص بالمراقبة إلى الإمارات.

في عام 2018 كشف النقاب عن زيارة سلطان أحمد بن سليم الرئيس التنفيذي لشركة موانئ دبي العالمية منذ 2016 إلى تل أبيب من أجل تطوير عمل موانئ دبي، التي تتمتع بعلاقات قوية مع العديد من الشركات الإسرائيلية الكبيرة.

كما كشف النقاب في العام نفسه عن قائمة من الشركات الإماراتية الموردة لمنتجات حيوية إلى الدولة العبرية، وعلى رأسها شركة تعرف باسم "إمارات المستقبل"، يملك 40% من أسهمها نائب رئيس الوزراء منصور بن زايد.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2018 كذلك وافقت الإمارات على المقترح الإسرائيلي لدعم مد خط أنابيب بحري لنقل الغاز من إسرائيل إلى أوروبا، وخصصت 100 مليون دولار لهذا الغرض، بحسب وسائل إعلام إسرائيلية.

كما أعلنت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في أغسطس/آب 2019 إبرام الإمارات صفقة ضخمة بقيمة ثلاثة مليارات دولار مع إسرائيل لتزويدها بقدرات استخباراتية متقدمة، تشمل طائرتي تجسس حديثتين، كما كشفت هآرتس عن عرض شركة أمنية إماراتية على ضباط سابقين في الاستخبارات الإسرائيلية العمل لديها برواتب فلكية تصل إلى مليون دولار سنوياً.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2019 أعلنت إسرائيل مشاركتها في معرض "إكسبو دبي 2020"، مشيرة إلى أن المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية يوفال روتيم زار دبي في إطار الاستعدادات للمعرض.

وفي فبراير/شباط عام 2020 دعا إبراهيم عجمي المدير التنفيذي لشركة مبادلة الإماراتية، أحد صناديق أبو ظبي للثروة السيادية، الشركات الإسرائيلية الناشئة إلى العمل في دول الخليج، تزامن ذلك مع افتتاح أول مطعم إسرائيلي بدولة الإمارات في يونيو/حزيران الماضي، تحت ذريعة الطلب المتزايد على الطعام الحلال من اليهود.

ربما توجد علاقات اقتصادية عديدة سرية أخري خلال الفترة الماضية، ولكن المؤكد أن هذه العلاقات كانت التمهيد لإعلان التطبيع السافر، الذي أقر كل المراقبين بأن فوائده السياسية والاقتصادية الكبرى ستعود على الجانب الإسرائيلي، فالاستنتاج المؤكد أن إسرائيل هي الرابح الأكبر، يؤكده السرد السابق لتطور تلك العلاقات، والتي لم يُلاحَظ من خلالها إلا بيع منتجات إسرائيلية للإمارات، وهي منتجات كان من الممكن للإمارات الحصول عليها من العديد من الدول بخلاف الكيان الصهيوني، هذا بخلاف المساندة المالية الإماراتية المباشرة، في حين اختفت تماما أي استفادة مالية إماراتية حتى الآن.

ولن تتوقف مكاسب الكيان الاحتلالي عند حدود الإمارات الجغرافية، بل ستتوغل كياناته الاقتصادية تحت أسماء شركات تؤسس في الإمارات إلى كامل الدول العربية، وربما العديد من الدول الإسلامية، ونتمنى ألَّا تسيطر تلك الشركات في السنوات القادمة على مفاصل اقتصادية استراتيجية في تلك الدول، خاصة دول مواجهة الكيان الصهيوني.

التطبيع السافر بين الإمارات وإسرائيل سيخلق واقعاً اقتصادياً جديداً في منطقة الشرق الأوسط، سيسعى الكيان الصهيوني لاستغلاله للسيطرة على قطاعات اقتصادية يستهدفها في دول بعينها، وربما تتخطى تلك السيطرة المخاطر الاحتكارية المعتادة التي تعمد إلى إعطاب تلك القطاعات، فالكيان الغاصب الذي بني على أشلاء شهدائنا لا يمكن تصور أن التطبيع معه يحمل خيراً لأحد على الإطلاق.

TRT عربي