عامل منجم يرتدي قناع وجه واقي بشعار اتحاد عمال المناجم واتحاد البناء في جنوب أفريقيا (Reuters)
تابعنا

تتوقع الأمم المتحدة أن يتسبب فيروس كورونا في وفاة ما يزيد على ثلاثة ملايين شخص في إفريقيا، كما أن تفشي الفيروس في القارة قد يخرج عن السيطرة، وقد يصيب ما لا يقل عن 1.2 مليار من جملة سكانها إذا لم تتخذ دول القارة التدابير اللازمة للحد من انتشاره.

فعلى الرغم من أن العالم لم يصل إلى مرحلة يقينية بعد حول انتهاء الوباء، فإن الدول شرعت في اتخاذ إجراءات لما بعد كورونا، والتأهب للحقبة القادمة التي بدأت تتضح ملامحها. ويمضي العالم الآن نحو تخفيف إجراءات الإغلاق والحجر تدريجياً توطئةً لعودة أوجه الحياة المختلفة لطبيعتها، بخاصة النشاط الاقتصادي.

وقد شرعت إفريقيا في الاستعداد لمجابهة فيروس كورونا في وقت متأخر، بعد أن ضرب الفيروس معظم دولها، فعقد الاتحاد الإفريقي اجتماعاً وزارياً يوم 22 فبراير/شباط الماضي لمناقشة كيفية تنسيق جهود الدول الإفريقية للوقاية من كورونا، وخلص الاجتماع إلى تكوين فرق عمل إفريقية لمكافحة الفيروس. من ناحية أخرى عبّر السيد تيدروس أدهانوم، رئيس منظمة الصحة العالمية، عن قلقه بشأن تعاطي الدول الإفريقية مع الفيروس، بخاصة أن أنظمتها الصحية ضعيفة في بنياتها ومقدراتها. وقد دعا أدهانوم قادة الاتحاد الإفريقي إلى العمل بنهج متكامل، والإسراع في الحصول على الأدوية واللقاحات.

ووفقاً لتوقعات خبراء الأمم المتحدة فإن عدد الإصابات بفيروس كورونا في قارة إفريقيا قد ينخفض إلى 122 ألف شخص في حال اتخاذ تدابير احترازية صارمة للسيطرة عليه. ويوجد جدل حول الإحصاءات الرسمية التي تقدمها الدول الإفريقية للمركز الإفريقي لمراقبة الأمراض والوقاية منها.

فقد تُعزى النسب المنخفضة إلى عدم وجود الأجهزة اللازمة لإجراء الفحوصات، كما أن الكثير من المرضى لا يصلون إلى المستشفيات، ويتلقون بدلاً عن ذلك العلاج بالأعشاب أو عن طريق المشعوذين خارج مؤسسات الاستشفاء الرسمية.

وعلى الرغم من عالمية الوباء، فقد وجدت إفريقيا نفسها وحيدة، إذ لم تحظَ باهتمام عالمي، وحرص على تعزيز قدراتها مقدراتها الصحية لمجابهة الجائحة. وقد كانت أولى المساعدات وصلت إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا تحمل معدات طبية وأجهزة فحص من رجل الأعمال الصيني الملياردير جاك ما مؤسس شركة "علي بابا" تم توزيعها على بعض دول القارة. كما أن تركيا قامت بتقديم مساعدات طبية لبعض الدول الإفريقية مثل الصومال وجنوب إفريقيا والجزائر ومملكة ليسوتو وغيرها.

لن تكون القارة الإفريقية أيضاً بمنأى عن الانكماش العالمي الذي قد يصيب الاقتصاد الدولي. وقد بدأت بالفعل بوادر هذا الانكماش ترى في القارة. فعلى سبيل المثال انخفضت صادرات تركيا خلال الثلث الأول من هذا العام تجاه إفريقيا من 5.2 مليار للعام الماضي إلى 4.9 مليار لنفس الفترة.

كما أن لدى بعض البلدان رغبة بعدم الاعتماد على منتجات معينة والتنوع في مصادر الإمداد مما يعني أن التجارة الدولية ستشهد تقلبات من ناحية المصادر والأسواق. واضعين في الاعتبار أن اقتصاديات الدول الإفريقية تعاني من الاختلال أساساً، وهي ضعيفة وهشة وليست مستعدة لتقبُّل الصدمات أو التأقلم مع الأوضاع الجديدة التي فرضها فيروس كورونا.

كما أن مؤسسات التمويل الدولية مثل البنك الدولي لم تُبدِ حماسها لدعم الاقتصاد الإفريقي، في وقت تضخ فيه الدول الكبرى مليارات الدولارات لدعم اقتصاداتها كما حدث في الولايات المتحدة.

وقد أدَّى فرض الحجر المنزلي وإغلاق المدن إلى صنع أزمة اقتصادية كبيرة لدى مواطني الدول الإفريقية. فالنشاط الاقتصادي الإفريقي يعتمد في الأساس على الزراعة التقليدية التي يعمل فيها قطاع كبير من أبناء القارة. وقد أُغلِقَت الأسواق أمام بائعي الخضرة والفواكه الذين يعتمدون على الدخل اليومي، شأنهم شأن الغالبية العظمى من العمال في إفريقيا، مما أحدث أضراراً اقتصادية بالغة على دخلهم وأسرهم.

وقد سبق أن حذرت منظمة العمل الدولية من الأزمة الاقتصادية التي أحدثها فيروس كورونا والتي ألحقت أضراراً بالقدرة على كسب العيش لدى قرابة 1.6 مليار عامل في الاقتصاد غير المنظم، وهي الفئة الأكثر ضعفاً في سوق العمل.

ولم تستطع الدول الإفريقية تقديم مساعدات أو خدمات تأمينية لمواطنيها لمواجهة تداعيات الإغلاق والحجر المنزلي بخاصة من ذوي الأجرة اليومية، مما قد يؤدي إلى حدوث مجاعة في بعض الدول، علما بأن الأوضاع الغذائية نفسها متردية.

وقد ذكر برنامج الغذاء العالمي التابع لمنظمة الأمم المتحدة أن 20% من سكان القارة يعانون أصلاً من سوء التغذية. إن إغلاق الأسواق في المدن الكبرى والحدود بين البلدان التي كانت تسمح للمواشي بالرعي بالإضافة إلى الجفاف، وسوء إدارة الموارد، سيفاقم الوضع الغذائي، ولربما تحدث مجاعة في بعض أنحاء القارة.

من جانبها تقدر المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) أنه من المتوقع أن يتعرض نحو 50 مليون شخص في أغسطس القادم للمجاعة بغرب إفريقيا. إن الشحّ في الغذاء جعل الكثير من شعوب القارة الإفريقية لا تلتزم موجهات الحجر الصحي والخروج إلى الشارع للبحث عن الرزق اليومي، أو الوقوف لساعات طويلة في طوابير الخبز والسلع الأساسية، مرددين أن "كورونا لا تقتل، بل يقتل الجوع".

من جانب آخر فإن الأزمة الاقتصادية التي سوف تضرب العالم بعد كورونا ستؤدي إلى زيادة في عدد الراغبين في الهجرة من القارة السمراء. وقد ظلت أوروبا تعمل بضراوة على إقفال حدودها أمام المهاجرين الأفارقة، ومن المتوقع بعد كورونا أن تقوم الدول الأوروبية بتشديد الإجراءات أمام المهاجرين، وسيكون ملف الهجرة من الملفات التي ستتفق دول الاتحاد الأوروبي على إدارتها، وستخصص الموارد المالية الخاصة بها.

هذا يعني أن الأزمة الاقتصادية التي سيخلّفها كورونا على الشباب الإفريقي وصعوبة الهجرة قد تؤديان إلى تزايد الصراعات المسلحة والانشطة الارهابية، مما سيزيد التعقيدات التي تعيشها القارة، والاستمرار في الدائرة المغلقة (الفقر- الحرب - المرض).

إضافة إلى أن قصور الحكومات الإفريقية في الاستجابة لمعالجة تداعيات الأزمة سيعمّق الفجوة بين الحكومات ومواطنيها، كما أن الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي إبان فترة الحجر المنزلي قد جعل الصراع بين الشعوب والنخب حول السلطة يتخذ منحىً آخر، بخاصة في ظل عدم وجود آليات ديمقراطية للتعبير والتغيير السلمي للسلطة، مما قد يؤدي إلى عدم استقرار العلاقة بين المجتمعات الإفريقية وحكوماتها.

وأخيراً، مما يُؤسَف له أن السيد ميك رايان المدير التنفيذي لبرنامج الطوارئ بمنظمة الصحة العالمية قد حذّر من أن فيروس كورونا قد لا ينتهي أبداً، وقد يصبح مجرد فيروس مستوطن آخر في مجتمعنا، مثل فيروس نقص المناعة المكتسبة "الإيدز". وهو يعتقد أنه لا يمكن لأي شخص أن يتنبأ بموعد انتهاء أو اختفاء المرض، مما يعني أن الطريق سيكون طويلاً أمام القارة السمراء لمواجهة جائحة كورونا التي تُعتبر أخطر جائحة يشهدها العالم خلال الأعوام المئة الماضية.

TRT عربي