تابعنا
تعيش إيران حالة اقتصادية متردية وسط انهيار العملة والعقوبات المفروضة عليها، وتبعات فيروس كوفيد- 19 المستجد الذي أجهد اقتصاد البلاد، وسط ارتدادات سياسية أخرى لقرار تطبيق قانون قيصر الذي أقرته الولايات المتحدة ضد نظام الأسد في سوريا وداعميه.

مرت إيران بظروف استثنائية منذ منتصف يونيو/حزيران الماضي حتى هذه الأيام، وعاشت ارتدادات سياسية وأمنية لقرار تطبيق قانون قيصر الذي أقرته الولايات المتحدة ضد نظام الأسد في سوريا وداعميه، وأبرزهم إيران، وأفضى إلى عقوبات وحظر على شركات إيرانية عملاقة. فضلاً عمّا عاشه الإيرانيون من سلسلة تفجيرات أصابت مصانع ومنشآت إيرانية شغلت الرأي العام، ورفضت المصادر الرسمية الإفصاح عن أسباب الحوادث لغايات أمنية، على حد قولها.

وممّا زاد المشهد الإيراني تعقيداً الحديث عن "معاهدة الربع قرن" بين الصين وإيران، التي تشمل المجالات الاقتصادية والعسكرية، لتشهد البلاد على أثر هذه المعاهدة غير المعروفة بالنسبة للإيرانيين غضباً قاده مجلس النواب من جهة، ومعارضون للحكومة من داخل إيران وخارجها، من جهة أخرى.

وعلى هامش هذه المستجدات تعيش إيران حالة اقتصادية متردية وسط انهيار العملة والعقوبات المفروضة عليها، وتبعات فيروس كوفيد- 19 المستجد الذي أجهد اقتصاد البلاد بصورة غير مسبوقة.

الانفجارات في إيران.. صدفٌ سريّة

كان دوي انفجار شرقي طهران في منشأة لإنتاج الوقود السائل للصواريخ الباليستية في 25 يونيو/حزيران أول انفجار ضمن سلسلة انفجارات وحرائق في منشآت عسكرية وصناعية، بلغت تسعة انفجارات حتى يوم 7 يوليو/تموز بعد أن وقع انفجار في مصنع للأكسجين جنوبي طهران، ونجم عنه مقتل عاملين وإصابة ثلاثة بحروق وجروح.

وتوالت الانفجارات والحرائق ليسجل حريق كبير في وحدة صحية بالعاصمة طهران 19 حالة وفاة، عزا رئيس مجلس مدينة طهران محسن هاشمي رفسنجاني سببه إلى تسرب في مستودع في منشأة لتخزين الغاز بالقرب من الوحدة الصحية، وجاء بعده حريق محطة "مدحج زرغان" جنوب غربي إيران، وكان سبب الحريق على لسان إبراهيم قنبري رئيس دائرة الإطفاء في محافظة الأهواز، انفجار أحد محولات الكهرباء بسبب ارتفاع درجات حرارة الطقس.

وكان حريق منشأة نطنز النووية الواقعة في محافظة أصفهان وسط البلاد الحدث الأكبر في سلسلة الانفجارات والحرائق، رغم أنه لم يسجل وفيات واقتصر على أضرار مادية، فإن حريق المنشأة الضخمة خلق حالة من الفزع والإرباك والتعتيم الإعلامي وتضارب التصريحات الرسمية، وتصدر الإعلام الإيراني وحديث الشارع في البلاد، أكثر من الحوادث المشابهة.

شكّلت الحكومة الإيرانية لجان تحقيق من مختلف أجهزة الدولة، وعُقِدت اجتماعات سرية ومُنِعَ التصريح للإعلام وتقديم أية معلومة منذ بدايات سلسلة الانفجارات والحرائق لأسباب قالت عنها الدولة إنها أمنية، وستفصح عنها بعد انتهاء التحقيقات. وهو ربما ما يدلل على أن هذه التفجيرات لا تقف وراءها أسباب طبيعية وحسب.

لم تقدم الحكومة أية تقارير أو نتائج تحقيقات واضحة للتفجيرات والحرائق، وكان الرأي الرسمي الموحد أن الجامع بين كل الحوادث أسباب فنية أو طبيعية وبعضها بسبب الإهمال البشري.

وأكد مسؤولون إيرانيون ضرورة عدم تناقل أخبار مضلّلة حول هذه الحوادث والاعتماد فقط على الإعلام الرسمي، وأوعز رئيس السلطة القضائية الإيرانية إبراهيم رئيسي للمنظمة القضائية في الجيش ومنظمة التفتيش والنيابة بأن تحاسب كل من ثبت تقصيره في العمل.

كان رأي المحللين الإيرانيين وبعض أصوات المعارضة في الداخل والخارج أن التفجيرات من صنع المعارضة الداخلية، لأن إيقاع هذه التفجيرات السريع لا ينطبق على قواعد الصراعات الخارجية، إلا أن رواية بعض الأصوات الرسمية والمستقلة كانت تؤيد ما يقال عن عدوان خارجي من خصوم إيران، وهنا تشير أصابع الاتهام إلى إسرائيل.

اتفاقية الصين وغضب الداخل

أدت تسريبات مباحثات طهران وبكين للوصول إلى صيغة نهائية لاتفاقية "الربع قرن" بين الطرفين، إلى سجالات بين التيارات الإيرانية وصلت إلى الاتهام بإذلال وتبعيّة إيران للصين واتهام حكومة روحاني بسوء إدارة البلاد.

كذلك لم تهدأ المعارضة في الداخل والخارج عن توجيه التهم للرئيس حسن روحاني وفريقه، الأمر الذي فتح باب التكهنات عن غياب الرواية الرسمية الحقيقية، التي اكتفت بالقول:" سننشر التفاصيل لاحقاً".

وتجري في هذه الأيام صياغة النسخة النهائية لبرنامج التعاون العالمي بين جمهورية الصين الشعبية وجمهورية إيران الإسلامية، وتقع النسخة التي يتم العمل عليها في 18 صفحة باللغة الفارسية، وتتحدث عن استثمارات صينية بقيمة 400 مليار دولار في إيران على مدى ربع القرن المقبل، ضمن شراكة اقتصادية وأمنية شاملة في البنى التحتية الإيرانية وقطاع الطاقة، وسكك الحديد والمواني والصناعات العسكرية، وسيكون المقابل الذي ستَحصل عليه الصين إمدادات نفطية رخيصة ومنتظمة لنحو 25 عاماً، وسيبدأ العمل بها في شهر مارس/آذار المقبل.

وجاءت أولى تصريحات رفض الاتفاقية بين طهران وبكين على لسان الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد، الذي وصف الاتفاقية بالسرية واعتبرها غير وطنية لأنها تجري في الخفاء بعيداً عن أعين ورأي الشعب الإيراني الذي يتم العبث بمستقبله وكرامته، وطالب "الأمة الإيرانية" أن لا تعترف بهذه الاتفاقية التي تجري بين بلدهم ودول أجنبية دون علمهم ودون علم مجلس نوابهم المُنتخب.

وأيدت أحمدي نجاد صحف ومواقع إخبارية مقربة منه، وعلى الطرف الآخر أطلق مغردون إيرانيون تغريدات ترفض حرص نجاد الزائد على البلاد باعتبار مرحلته لم تكن أفضل من مرحلة روحاني، وردت أصوات حكومية وأخرى شعبية على تصريحات نجاد ومؤيديه واعتبروهم أعداءً للنجاح وفي صف خصوم إيران. إلا أنّ نجاد رد بتصريحات جديدة مطالباً بموافقة الدولة على تنظيم مظاهرة في طهران للمطالبة بالإصلاح والاعتراض على سياسات الحكومة.

وفي معرض دفاعه عن الاتفاقية، قال النائب الأول للرئيس الإيراني إسحاق جهانغيري إن على إيران أن تدافع "بقوة عن توسيع علاقاتنا الاقتصادية مع الصين"، وقال مساعد وزير ‏الخارجية الإيراني للشؤون القانونية والدولية محسن بهاروند، إن سرية بنود الاتفاق ضرورية للطرفين حتى يتم الاتفاق النهائي، ولضمان عدم تدخل الأطراف الخارجية في البنود والضغط على الجانب الصيني، وأشار بشكل غير مباشر إلى تصريحات الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد قائلاً: "ثمّة شخص يتحدث كثيراً ويضعنا في مشكلات كبيرة بعد أن يؤثر على الرأي العام".

واشترك في مشهد رفض الاتفاقية والتحريض ضدها ولي عهد شاه إيران السابق الذي اعتبر الاتفاقية تسليماً صريحاً لخيرات البلاد ومقدراتها مقابل الحماية وإرسال قوات صينية إلى إيران وتغييب الشارع الإيراني عن تفاصيل وبنود الاتفاقية المشبوهة، ووصف الاتفاقية بأنها نابعة من موقف الضعيف الذي فرضته قوى أجنبية على إيران.

ورفض وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ما يتداول حول تفريط إيران بأراضيها والإساءة إلى سيادة الدولة من خلال الاتفاقية مع الصين، مشدداً على أن طهران لن تفرط بشبرٍ واحدٍ من أرضها للصين أو لغيرها.

وحول الأخبار التي تحدثت عن تسليم جزر إيرانية كجزيرة كيش إلى الصين بموجب الاتفاق المشترك لـ25 عاماً، نفى ظريف هذه الأخبار وطلب تقصي الحقيقة أكثر قبل نشر هذه المعلومات المغلوطة، مؤكداً أنَّ الشعب الإيراني سيكون في صورة أي اتفاق وبند في الاتفاقية.

ووجه مجلس الشورى الإيراني تهماً كثيرة لظريف كان أبرزها انتهاج سياسات خارجية خاطئة أوصلت البلاد إلى ما هي عليه من تردٍ اقتصادي واتهامه المجلس بالكذب، ليدافع عن نفسه مستنداً إلى شهادة المرشد الأعلى علي خامنئي الذي وصفه بالثوري الشجاع، وقال إنه يترفع عن الرد على كلام أعضاء البرلمان. ولم تتوقف المساءلة عند ظريف بل طالب برلمانيون باستجواب رئيس الجمهورية حسن روحاني باعتباره المسؤول الأول عن كل الملفات.

وقال مدير مكتب الرئيس حسن روحاني، محمود واعظي، إن المباحثات مستمرة وربما تحتاج إلى نهاية السنة 2020 حتى تصل الاتفاقية إلى صورتها النهائية التي ستكون أمام الناس قبل التوقيع، مؤكداً عدم التفريط بأي أرض إيرانية، أو وضع إيران في موقف يمسّ سيادتها مثل الحضور العسكري للصين على الأراضي الإيرانية.

الإعدامات وعودة الشعارات الشعبية القديمة

عاشت مدينة بهبهان جنوب غربي إيران ليلة الخميس مواجهات بين محتجين وقوات الأمن بعد حملة تحشيد على مواقع التواصل الاجتماعي، تتلخصُ في رفضهم سياسات الدولة وقراراتها الأخيرة، أبرزها تأييد حكم الإعدام لثلاثة شبان (أمير حسين مرادي ومحمد رجبي وسعيد تمجيدي) بتهمة المشاركة في احتجاجات نوفمبر/تشرين الثاني الماضي ضد رفع أسعار الوقود.

و استخدم مغردون إيرانيون وسم "إنترنت حُر لإيران" بعد حجب الإنترنت في أغلب المدن الإيرانية، ونزلوا بعدها إلى الشارع في ساحة البنك الوطني مساء الخميس، في مدينة بهبهان، محتجين على الأوضاع الاقتصادية في البلاد وسياسة تكميم الأفواه من خلال قطع الإنترنت، وتعاملت قوى الأمن مع عشرات المحتجين من خلال الغاز المسيل للدموع، إلا أنهم واصلوا احتجاجهم ووصل العدد إلى 300 محتج. وانتشرت قوى الأمن في مدن أخرى تحسباً لبدء الاحتجاجات فيها، من بينها مشهد بشمال شرقي البلاد، وشيراز في محافظة فارس.

وقال قائد شرطة ولاية خوزستان، حيدر عباس زاده، إنه تم القبض على كل منظمي احتجاجات بهبهان، دون أن يذكر عددهم أو أسماءهم، مكتفياً بوصفهم "محركي الاحتجاجات"، وأضاف أن المحتجين رفعوا شعارات ممنوعة وعالية السقف، وتم استخدام الغاز المسيل للدموع لتفرقتهم بعد أن رفضوا أوامر فك الاحتجاج والعودة إلى منازلهم.

وكانت الملفات الساخنة في إيران حاضرة في الاحتجاجات، أبرزها مطالبة الدولة بوقف دعم الأذرع الإيرانية الخارجية والاهتمام ببلادهم، ورددوا هتافات "لا غزة ولا لبنان، حياتي فداء لإيران"، و"الإيراني يموت ولا يقبل الإذلال".

ويكرر الإيرانيون هذه الشعارات في كل احتجاج تشهده البلاد منذ سنوات، وكان ملف الإعدامات في إيران من أهم ما هتف ضده المحتجون، إذ أطلقوا وسمَ "لا تعدموهم" الذي تصدر منصات مواقع التواصل الاجتماعي، وتحول هذا الوسم إلى بثٍ حي ومباشر لأحداث الاحتجاجات وأسماء المعتقلين والمواجهات بين الأمن والمحتجين. ووصل الأمر عند المغردين إلى أن ينشروا وسم "لسنا مسلمين"، ويرفقوا معه مطالبهم بإيقاف تنفيذ الإعدامات كدولة إسلامية بالإشارة إلى أنهم "فُرس فقط".

ومن أبرز منظمي الاحتجاج الذين تم اعتقالهم وشغلوا وسائل التواصل الاجتماعي في إيران: فرزانه انصاری ‌فر، ومیثم أکبري، ومحمد شریعتی، وپیمان رسولي، وأحمد آخش ومجید ضامن پیشه.

وتحولت فرزانه انصارى فر (27 عاماً) إلى رمز للاحتجاج بوصفها شقيقة أحد ضحايا احتجاجات السنة الماضية، التي قتل فيها في أثناء وقفته ضد ارتفاع أسعار الوقود، إذ تم اعتقالها من ساحة الاحتجاج ونقلت إلى مكان غير معروف حتى اللحظة وفق تصريح أبيها الضابط العسكري السابق.

وقالت تقارير صحفية إيرانية غير رسمية إن السلطات الإيرانية قد توقف تنفيذ عقوبة الإعدام على المحتجين الثلاثة، بعد حملة التضامن على وسائل التواصل الاجتماعي وخوفاً من تنامي عودة الاحتجاجات. وفي سياق متصل تم تنفيذ حكم الإعدام على مجد موسوي، الاثنين 20 يوليو/تموز، بتهمة الجاسوسية للموساد الإسرائيلي.

كورونا تهز الدولة

تشير الأرقام الرسمية لعدد مصابي فيروس كورونا كوفيد-19 المستجد إلى إصابة خمسةٍ وعشرين مليون إيراني بفيروس كورونا، وفق إعلان الرئيس الإيراني حسن روحاني، خلال اجتماع للجنة الوطنية لمكافحة كورونا، ولم يستبعد روحاني إصابة ما بين ثلاثين مليوناً وخمسةٍ وثلاثين مليوناً آخرين بالفيروس في حال تجدد موجة الفيروس الذي بدأ بالتفشي أواخر فبراير/شباط الماضي.

وأضاف روحاني أن سبب تزايد الإصابات عودة الحياة الطبيعية عند الإيرانيين وقيامهم بعادات لا تحفظ السلامة العامة، كذلك أن أعداداً كبيرة من المصابين لا تظهر عليهم الأعراض. وحتى اليوم لم تصل إيران إلى مرحلة المناعة الجماعية، وتحث وزارة الصحة الإيرانية المواطنين على الالتزام بالتباعد الاجتماعي وسبل الوقاية.

وأعلنت وزارة الصحة الإيرانية السبت الفائت عن تسجيل 188وفاة و2166 إصابة جديدة بفيروس كورونا خلال الساعات الـ24 الأخيرة في إيران، مشيرة إلى أنّ هذه الأرقام رفعت عدد الوفيات إلى 13 ألفاً و979، والمصابين إلى 271 ألفاً و606 أشخاص، من بينهم 3529 حالة في العناية الحثيثة.

وأثرت كورونا في سوق العمل الإيراني بشكل ملفت، وتقول بيانات صادرة عن مركز الإحصاء الإيراني إن عدد العاطلين عن العمل في إيران التي تعاني وضعاً اقتصادياً صعباً أكثر من مليونين في ثلاثة شهور، لينخفض مستوى فرص العمل في إيران بنحو 3% بسبب تفشي فيروس كورونا المستجد، ليكون متوسط معدل البطالة في المدن الإيرانية قرابة 10%.

وأرسل أكثر من 500 ناشط سياسي في إيران والخارج رسالة إلى رئيس السلطة القضائية، إبراهيم رئيسي، لإطلاق سراح المعتقلين السياسيين المصابين بفيروس كورونا في السجون الإيرانية، ومن الشخصيات المعروفة التي تبنت فكرة الرسالة ووقعت عليها فائزه هاشمي، وعماد الدین باقي، وفخر السادات محتشمیي پور، وأحمد منتظري، وکاظم علمداري. وطالبوا في الرسالة بإيقاف التعذيب بسبب جائحة كورونا.

ومن أبرز معتقلي الرأي المصابين بكورونا في السجون الإيرانية الناشطة الإيرانية المعتقلة نرجس محمدي (48 عاماً) في سجن زنجان، الواقع على بعد 300 كيلومتر غرب العاصمة طهران.

TRT عربي