تابعنا
بعد تخلي رئيس الحكومة التونسي يوسف الشاهد على الجنسية الفرنسية، أثير جدل كبير في تونس حول قضية الجنسية المزدوجة لعدد من المترشحين للانتخابات الرئاسية المرتقبة في منتصف سبتمبر المقبل.

أعلن رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد يوم الثلاثاء الماضي، في تدوينة عبرحسابه الموثق على فيسبوك، تخليه عن الجنسية الفرنسية بعد أن قدّم ترشُّحه للانتخابات الرئاسية المرتقبة في منتصف سبتمبر/أيلول المقبل.

وأثارت هذه الخطوة جدلاً كبيراً في الأوساط السياسية والشعبية في البلاد، بسبب ما اعتُبر تكتُّماً من رئيس الحكومة الشابّ على حمله جنسية ثانية، وهو ما أعاد إلى الواجهة قضية الجنسية المزدوجة لعدد من المترشحين للانتخابات الرئاسية المرتقبة في منتصف سبتمبر/أيلول المقبل.

ومنذ اسقاط نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، تميّزت مختلف الحكومات المتعاقبة بامتلاك عدد من وزرائها لجنسيات مزدوجة.ومع ترشح بعضهم للانتخابات الرئاسية، طفا إلى السطح قضية أهلية مزدوجي الجنسية لتقلد منصب الرئيس.

في هذا الإطار، يحمل رئيس الحكومة الأسبق وزعيم "حزب البديل" مهدي جمعة الجنسية الفرنسية، التي يحملها كذلك وزيرالصحة الأسبق ورئيس حزب "بني وطني" سعيد العايدي.كما يشترك رئيس حزب "تيَّار المحبة" الهاشمي الحامدي ورئيس حزب "الاتحاد الوطني الحر" سليم الرياحي في حمل الجنسية البريطانية.من جهته، كشف وزير المالية الأسبق والمترشح للرئاسة إلياس الفخفاخ، في تصريح لإذاعة "موزاييك" المحلية، أنه يحمل جنسية أخرى (لم يحددها).

وقال أستاذ القانون الدستوري رابح الخرايفي، في تصريح خاص لموقع TRT عربي، إن الدستور الجديد للجمهورية التونسية كان "أكثر مرونة في هذا الجانب مقارنة بدستور 1959 الذي جعل الترشُّح لمنصب الرئيس مقتصراً على حاملي الجنسية التونسية دون سواها".

وأضاف الخرايفي أن غلبة النزعة القوميَّة خلال تلك الحقبة التاريخية كان لها دور محوري في هذا التوجُّه مقارنة بالدستور الحالي الذي انتقلت من خلاله البلاد إلى مفهوم الدولة المدنية.

وأشار الخرايفي، الذي كان أحد نواب البرلمان إبان صياغة الدستور، إلى أنّ هذا التغيير ساهم في استقطاب الكفاءات التونسية ذوي الجنسية المزدوجة لإثراء المشهد السياسي في البلاد.

وتشير بيانات غير رسميَّة إلى أن أكثر من مليون تونسي (نحو عُشر عدد سكان البلاد) يحملون جنسية ثانية.

ولا يمنع القانون التونسي حاملي الجنسية المزدوجة من تقلُّد مناصب قيادية في البلاد، باستثناء منصب رئيس الجمهورية، إذ ينص الفصل 74 من الدستور التونسي على أن المترشح لرئاسة الجمهورية "إذا كان حاملاً لجنسية غير الجنسية التونسية فإنه يقدم ضمن ملف ترشُّحه تعهُّداً بالتخلِّي عن الجنسية الأخرى عند التصريح بانتخابه رئيساً للجمهورية".

تخوُّف على مسار الاستحقاق الانتخابي

ويعتبر المحلل السياسي نزار مقني أن الجنسية الثانية ليست تهمة في حدّ ذاتها لكن حاملها عليه التخلِّي عنها كي لا يصبح ولاؤه للوطن مشكوكاً فيه لدى الرأي العامّ.

وأضاف مقني في تصريح لموقع TRT عربي، أنّ هذا الجدل نابع من تخوُّف مشروع على مصداقية مسار الاستحقاق الانتخابي، خصوصاً أنّ رئاسة الجمهورية منصب رمزي مبنيّ على الحفاظ على السيادة الوطنية بعيداً عن أيّ تأثيرات أخرى.

وانتقدت شخصيات سياسية التعاطي الإعلامي مع مسألة التخلِّي عن الجنسية الفرنسية، مستنكرين التستُّر على ما اعتبروه القضية الرئيسية، وهي حصول الشاهد على الجنسية الفرنسية وممارسة مهامه رئيساً للحكومة دون أن يكون للرأي العامّ التونسي علم بهذا الملف الذي يصبح أكثر حساسية مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي.

وقال المترشح للرئاسة الصافي سعيد، إن تَقلُّد مزدوجي الجنسية المناصب السيادية ستكون له تداعيات وخيمة على السيادة الوطنية.

وأبرز سعيد في تصريح لموقع TRT عربي، أن برنامجه الانتخابي خلال انتخابات الرئاسة الماضية وانتخابات هذه السنة تَضمَّن ضرورة وقف مهزلة استباحة متعددي الجنسية للمناصب العليا، مشيراً إلى أن تأميم الثروات التي يسعى لتكريسها والتي يدعو لها أطياف واسعة من الشعب، يستوجب "أن نحكم بأبنائنا وبمواطنينا"، وفق تعبيره.

وهاجم رئيس حركة وفاء عبد الرؤوف العيادي ،الذي يشارك في ائتلاف " تونس أخرى" الداعم لترشح الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي للرئاسية، إخفاء رئيس الحكومة يوسف لجنسيته المزدوجة طيلة فترة حكمه، معتبرا أن إخفاء رئيس الحكومة يوسف الشاهد حمله جنسية ثانية، مدوّناً على صفحته الرسميَّة على فيسبوك أن "حمل جنسية ثانية يعني الولاء لدولة أجنبية، بما يعتبر عقوقاً مدنيّاً لا يؤهّل حاملها لتحمُّل مسؤوليات عليا في الوطن الأول".

من جهته أشار رئيس حركة "أمل وعمل" (مستقلة) ياسين العياري، في تدوينة على حسابه بفايسبوك، إلى إنه سيتقدم في نواب الشعب (البرلمان) المقبل -في حالة فوزه- بمقترح قانون ينص على إلزامية نشر جنسية كل مسؤول في الدولة إن كان حاصلًا على أي جنسية أخرى، مع "وجوب تعليقه أو تخلِّيه عن الجنسيات الأخرى قبل تحمُّله المسؤولية".

وأبرز المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي، أن قضية الجنسية المزدوجة -رغم حسمها دستوريّاً وقانونيّاً- أصبح يوظفها بعض الأطراف للقدح في منافسيهم والتشكيك في أهليتهم لمنصب الرئيس.

وقال الجورشي، في تصريح لـTRT عربي، بأن ما يلام عليه يوسف الشاهد ليس حمله جنسية ثانية، بل إخفاؤه لها عن الرأي العامّ رغم تولّيه منصب رئيس الحكومة، ذي أوسع الصلاحيات في البلاد.

ومع تداول نسخة من الجريدة الرسميَّة في فرنسا تتضمن قرار الشاهد التخلِّي عن جنسيته الفرنسية، بدت هذه الخطوة بمثابة نقطة انتخابية يعمل كل مترشح على توظيفها لصالحه.

حرب إعلامية

واعترف رئيس الحكومة الأسبق المهدي جمعة بحمله الجنسية الفرنسية، مبرّرا ذلك بإقامته لأكثر من عشرين عاماً في الخارج، أين اضطلع بإدارة عدد من الشركات العالمية.

وأشارجمعة إلىأن امتلاكه لجواز سفر أجنبي لا يتعدى كونه إجراء إداريا بحتا لتسهيل حياته خارج الوطن ، مشددا على أنه قام بإجراءات التخلي عن الجنسية الثانية منذ مرحلة تقديم الترشح.

واعتبر ذات المصدر أن تَداوُل نسخة من جواز سفره جزء من حملة تشويه تستهدفه وتستهدف حزبه "البديل" الذي يتقدم بخُطىً ثابتة، حسب تعبيره.

ويتجدد جدل الجنسية المزدوجة مع الاقتراب من الانتخابات الرئاسية في تونس، إذ تَعرَّض الرئيس الأسبق والمترشح الحالي للرئاسة المنصف المرزوقي، لمزاعم بحمله جواز سفر فرنسياً في أثناء فترة حكمه (2011- 2014)، وهي اتهامات نفاها بنشر بطاقة إقامته في فرنسا.

وأصدرت المحكمة الإدارية في تونس الخميس الماضي، قراراً بإعادة أربعة مرشَّحين للمنافسة في السباق الرئاسي، ليرتفع بذلك عدد المرشحين لخوض الاستحقاق المرتقب إلى 30 مترشحاً.

ومن المقرر أن تعلن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات القائمة النهائية للمترشحين، يوم 31 أغسطس/آب الجاري.

TRT عربي