تابعنا
ستخرج قوى الحرية والتغيير في السودان في احتجاجات ومظاهرات جديدة. الهدف من ذلك، حسبها، هو إجبار المجلس العسكري الانتقالي على نقل السلطة للمدنيين.

الخرطوم ـــ أعلنت قوى الحرية والتغيير التي تقود الاحتجاجات في السودان، عن مظاهرات وفعاليات ثورية جديدة، لإجبار المجلس العسكري الانتقالي على نقل السلطة إلى المدنيين، وذلك للمرة الأولى منذ فض الاعتصام من أمام القيادة العامة للجيش السوداني، حيث قُتل أكثر من (120) وجُرح مئات المعتصمين، وفقاً للجنة الأطباء غير الحكومية.

وقال القيادي في قوى الحرية والتغيير، ساطع الحاج، إنهم لجأوا إلى التصعيد الثوري مجدداً، بسبب تلكؤ المجلس العسكري الانتقالي في الاتفاق على هياكل السلطة المدنية، وبسبب انقلابه على ما تم التوصل إليه من اتفاق حول المجلس التشريعي ومجلس الوزراء.

وأشار الحاج، في حديثه مع TRT عربي، إلى أنّ قوى الحرية والتغيير ظلت تنتهج نهجاً ثورياً سلمياً منذ بداية الثورة السودانية في 19 ديسمبر/كانون الأول 2018 حتى لحظة سقوط الرئيس المعزول عمر البشير في 11 إبريل/نيسان الماضي، كما لجأت -الآن- إلى وسائل المقاومة السلمية مجدداً لمناهضة المجلس العسكري الانتقالي بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، بعد أن ثبت لها أن المجلس يخطط لاختطاف الثورة السودانية.

وفشلت جلسات التفاوض بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير في الاتفاق حول المجلس السيادي المعني بالشؤون الرئاسية، وذلك على الرغم من اتفاق الطرفين على تكوين مجلس وزراء من قوى الحرية والتغيير بصلاحيات واسعة، بجانب تشكيل مجلس تشريعي تُمثِّل فيه قوى الحراك الشعبي بنسبة 67% مقابل 33% للقوى الأخرى التي لم تشارك في النظام السابق.

مفاصلة مرتقبة

اتجاه قوى الحرية والتغيير إلى التصعيد الثوري والدعوة إلى المظاهرات مجدداً، خطوة اعتبرها مراقبون بمثابة مفاصلة وفراق بينها وبين المجلس العسكري الانتقالي، وبخاصة بعد أن تصاعدت النبرة الخطابية الحادة بينهما.

ويرى المحلل السياسي النور أحمد النور، أن لجوء القوى الثورية إلى المظاهرات من جديد، يعود ليقينها بأن المجلس العسكري حسم أمره، وشرع في البحث عن حاضنة سياسية جديدة، تمهيداً لتشكيل حكومة مدنية من جماعات موالية له، بعيداً عن قوى الحراك الشعبي.

وقال النور لـTRT عربي إن قوى الحرية والتغيير تأكدت من أن الوساطة التي قادها رئيس الوزراء الإثيوبي الدكتور أبي أحمد، قد وصلت إلى طريق مسدود، وبالتالي سارعت لبدء مرحلة ثورية جديدة، من خلال الإعلان رسمياً عن جداول للمظاهرات.

وكان نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي الفريق أول محمد حمدان حميدتي، قد أكد أن خلافهم مع قوى الحرية والتغيير، سببه "إصرارها على تكوين مجلس تشريعي بأغلبية كبيرة، لإقصاء كل المكونات السياسية والعسكرية".

وأشار المحلل السياسي النور أحمد النور إلى وجود عقبات جديدة ربما تعرقل نجاح العمل الثوري في ثوبه الجديد، منوهاً بأن أداء قوى الحرية والتغيير خلال التفاوض مع المجلس العسكري تخلله الكثير من الأخطاء، ما أدى إلى تراجع شعبيتها وسط الجماهير التي كانت تلبي دعواتها للاحتجاج ضد الرئيس المعزول عمر البشير، متوقعاً حدوث استجابة لدعوات التظاهر بدرجة أقل مما كانت عليه سابقاً.

لكن الأكاديمي وأستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، دكتور عز الدين المنصور، مضى إلى مسار غير الذي ذهب إليه النور، مؤكداً أن حالة الغبن الشعبي تجاه المجلس العسكري الحالي، تبدو أكبر من التي كانت تحرِّك الجماهير ضد البشير، وبخاصة عقب حادثة فض الاعتصام بطريقة وحشية ودموية.

وقال المنصور، في حديثه مع TRT عربي، إن تفعيل قوى الحراك الشعبي لمسار التصعيد الثوري من جديد، مناورة تهدف إلى كسب مزيد من النقاط خلال التفاوض، وبخاصة بعدما أشيع على نطاق واسع أن المجلس العسكري في طريقه لعدم الاعتراف بالاتفاق السابق بينه وقوى الحرية والتغيير.

وكان مبعوث رئيس الوزراء الإثيوبي الدكتور أبي أحمد، قد أكد قبول المجلس العسكري بالعودة إلى المفاوضات مع قوى الحراك الشعبي من حيث انتهت الجولات، قبل فض الاعتصام.

حلول أمنية

الناظر إلى العلاقة بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير، سيجد أنها لم تعد عامرة بالثقة، وأن مساحات التوافق تناقصت بدرجة كبيرة، ما عدّه كثيرون مقدمة لصدام متوقع بين الطرفين.

هنا يقول المحلل السياسي النور أحمد النور، إن المجلس العسكري ربما يلجأ إلى الحلول الأمنية ويتجه للتضييق على رموز الحراك الشعبي، بما في ذلك اعتقال القيادات الفاعلة التي تقف وراء التصعيد الثوري، متوقعاً أن ترفض بعض مكونات قوى الحرية والتغيير، الاتجاه إلى خيار التصعيد والعودة للمظاهرات، وبخاصة حزب الأمة، حفاظاً على ما تحقق من مكاسب ثورية.

وكان حزب الأمة بزعامة الصادق المهدي قد رفض المشاركة في الإضراب الذي أعلنته قوى الحراك الشعبي يومي 28 و29 مايو/أيار الماضي، لإجبار المجلس العسكري على نقل السلطة إلى المكونات المدنية.

ويومها قال المهدي إن التصعيد لن يقود إلى تحقيق أهداف الثورة، على الرغم من مشروعية الإضراب كسلاح سلمي معترف به دولياً.

غير أن الأكاديمي وأستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، دكتور عز الدين المنصور، رأى أن إقدام المجلس العسكري على فض الاعتصام بالقوة الدامية، قاد إلى توحيد مكونات الحراك الشعبي، مشيراً إلى أن فرص نجاح المظاهرات المرتقبة تبدو كبيرة جداً.

وقال المنصور، إن الاتجاه للتصعيد الثوري من جديد سيضع قوات الدعم السريع أمام امتحان عسير، لأنها ستكون بين خياري التعامل القانوني مع التظاهرات، من خلال تفريقها بالوسائل المشروعة، وبالتالي تزيد رقعة الاحتجاج وأعداد المتظاهرين، أو أن تقابل تلك القوات المحتجين بالعنف، وفي هذه الحالة فإنها سوف تحصد -والحديث لا يزال للمنصور- الحنق الشعبي والإقليمي، وربما تثبُت عليها تهمة قتل المعتصمين التي ظل ينكرها قائدها الفريق أول محمد حمدان حميدتي.

التصعيد المضاد

وفي خطوة اعتبرها كثيرون، بمثابة التدشين الفعلي للتصعيد والتصعيد المضاد، فوِّضت إدارات أهلية وقبلية وعشائرية، المجلس العسكري لتشكيل حكومة كفاءات وطنية. وهي الخطوة التي قابلها المجلس العسكري بالموافقة العلنية، إذ أكد نائب رئيسه الفريق أول محمد حمدان حميدتي قبول المجلس بالتفويض الذي منحته له الإدارت الأهلية لتكوين الحكومة المدنية، ما عدّه مراقبون بداية لمفاصلة وشيكة بين المجلس وقوى الحرية والتغيير.

وفي المقابل سارعت قوى الحراك الشعبي للتقليل من تفويض الإدارات الأهلية للمجلس العسكري، واعتبرته بلا قيمة وفاعلية سياسية وشعبية.

وأكد القيادي في قوى الحرية والتغيير مبارك أدرول، أن الإدارات الأهلية والعشائرية والقبلية لن تكون بديلاً ناجحاً لتجمع المهنيين أو الأحزاب والحركات السياسية.

وأضاف قائلاً: على حميدتي وباقي ضباط المجلس العسكري الانتقالي أن يعلموا أن الثورة السودانية قادها جيل الشباب بوعيه السياسي والثقافي الذي تجاوز الفوارق الاثنية والجهوية والمناطقية والقبلية.

وأشار أردول إلى أن "محاولات التغبيش والرشاوي التي يقوم بها حميدتي للاستقواء بالإدارات الأهلية للانقلاب على الثورة والانفراد بالسلطة وإقصاء مكونات الثورة الحقيقية، ينذر بمستقبل خطير يجب أن يتحمل نتائجه من يشاركون فيه".

محللون سياسيون يقولون إن أداء قوى الحرية والتغيير خلال التفاوض مع المجلس العسكري  تخلله الكثير من الأخطاء
لجأت قوى الحرية والتغيير إلى التصعيد الثوري مجدداً، بسبب تلكؤ المجلس العسكري الانتقالي في الاتفاق على هياكل السلطة المدنية (AP)
الاتجاه للتصعيد الثوري من جديد سيضع قوات الدعم السريع أمام امتحان عسير لأنها ستكون مجبرةي على التعامل القانوني مع التظاهرات (AFP)
TRT عربي