تابعنا
خاضت اللغة الأمازيغية ببلدان المغرب والجزائر وتونس، منذ استقلالها عن فرنسا، محطات ونضالات تاريخية كبيرة في سبيل انتزاع الاعتراف وردّ الاعتبار للغة وهُويَّة سكان شمال إفريقيا الأصليين.

يُسجَّل اليوم تباين في تعامل أنظمة الدول المغاربية مع القضية الأمازيغية، فإن كانت حقّقت "مكتسبات" بالمغرب، بعد ترسيمها في دستور 2011 كلغة رسمية، يطمح الجزائريون في حراكهم الشعبي إلى فتح آفاق أوسع للأمازيغية وتقوية ما انتُزع خلال عهد بوتفليقة، فيما يسعى أمازيغ تونس لإحياء لغتهم ومقاومة الاندثار في صراعِ للبقاء.

المغرب.. "تفعيل مشوَّه"

صدّق مجلس النواب بالمغرب (الغرفة الأولى بالبرلمان) على مشروع القانون التنظيمي للغة الأمازيغية، الذي يُعتبر قانوناً مكمّلاً لدستور 2011، الذي رسّم الأمازيغية كلغة وطنية بالمغرب، بعد أن بقي حبيس ردهات البرلمان لسنوات، بسبب الخلافات بين المعارضة والأغلبية حول الصيغة التي سيخرج بها، والرفض الواسع الذي لقيه من طرف المدافعين عن اللغة الأمازيغية.

ويحدد القانون كيفيات إدماج اللغة الأمازيغية في قطاعَي التعليم والإعلام ومختلف مجالات الحياة العامة، كالتشريع والعمل البرلماني والتقاضي والإبداع الثقافي والفني. وينصّ على العمل بالأمازيغية إلى جانب العربية في الإدارات والفضاءات والمرافق العمومية.

وواجه منذ مراحل مناقشته بالبرلمان انتقادات واسعة من طرف النشطاء الأمازيغ، الذين اعتبروا أنه يعكس استمرار مسلسل "إقصاء" الأمازيغية، التي ظلت مهمشة لعقود، مؤاخذين غياب الإرادة لدى الدولة في التنزيل الحقيقي للأمازيغية، رغم مرور 9 سنوات على ترسيمها في الدستور.

الباحث والصحفي الأمازيغي عبد الله بوشطارت، اعتبر في تصريح لـTRT عربي، أن القانون "تَعرَّض لاستنزاف سياسي مُغرِض نتيجة للتقاطبات السياسية والصراعات الحزبية عليه، مما أفرغ القانون من جوهره، وأعطاه تفعيلاً مشوَّهاً".

وعلى الرغم من أهمية القوانين التنظيمية في حماية اللغة وإجبار التعامل والتخاطب والكتابة بها داخل مؤسسات الدولة، يرى الباحث في الشأن الأمازيغي أن الإشكال الحقيقي يتمثل في "التراجع الخطير في عدد مستعملي الأمازيغية في الحياة اليومية، نتيجة سياسة التعريب التي تنتجها الدولة منذ الاستقلال"، مشيراً إلى أن "السياسات العمومية للدولة في قطاعات الثقافة والتعليم والإعلام والإدارة، تدفع المجتمع المغربي إلى التنازل عن اللغة الأمازيغية".

وعن الآجال الزمنية المتمثلة في 5-15 سنة، التي حدّدها المشروع في تنزيل المقتضيات القانونية لإدماج الأمازيغية في الحياة العامة للمغاربة، قال صاحب كتاب "الأمازيغية والحزب"، إن تبنِّي منهاج التدرُّج "يكشف رغبة الأحزاب في جعل الأمازيغية قضية رفوف وضياع الحقوق"، واصفاً القانون بكونه "جافّاً ولا يتماشى مع طموحات الحركة الأمازيغية".

وفي مقابل انتقادات الصيغة التي أُخرِجَ بها القانون التنظيمي، دافع وزير الثقافة والاتصال المغربي محمد الأعرج عن المقتضيات القانونية، واصفاً التصديق عليها بـ"اللحظة الدستورية التاريخية"، مشيراً إلى أنه "سيساهم في النهوض باللغة الأمازيغية وحماية موروثها الثقافي والحضاري"، وإلى كونه "خطوة هامة" في مسلسل ترسيخ المكتسبات المحققة في هذا المجال.

الجزائر.. "تفاؤل حذر "

دُسترت اللغة الأمازيغية بالجزائر خلال التعديل الدستوري الذي شهدته البلاد سنة 2016، وفي السنة التالية أُنشئَت أكاديمية اللغة الأمازيغية التي وُكِلَت إليها مهامّ تقعيد وتطوير اللغة الأمازيغية، ودعم مكانتها في المشهد اللغوي الوطني والجهوي.

خاض أمازيغ الجزائر على مدار العقود الماضية نضالات قوية في سبيل الدفاع عن هُويتهم ولغتهم الأم، وتَمكَّنوا خلال السنوات الأخيرة لحكم عبد العزيز بوتفليقة، من تحقيق مكتسبات هامَّة، منحت اللغة الأمازيغية الطابع الوطني من خلال الدستور، ثم جعلها لغة رسمية في آخر تعديل دستوري.

يقول أستاذ اللغة الأمازيغية إيدير دحماني، في تصريح لـTRT عربي، إن تشجيع الأمازيغية أو قمعها ارتبط منذ البداية بالقرار السياسي، مشيراً إلى أن "الأشواط التي قطعتها الأمازيغية أعادت لها الشرعية والقوة القانونية، فصارت مؤسسات الدولة برمتها مطالبة بحماية وإثراء وتكريس هذه اللغة".

وسجل المتحدث أن القضية الأمازيغية بالجزائر "خرجت من التجاهل الذي عانت منه لعقود"، كاشفاً في الوقت ذاته أنها "لم تَلِجْ بعدُ تماماً رحاباً يليق بها كلغة تملك كل مقومات نهضتها".

مع بداية الحراك الشعبي الجزائري علّق أمازيغ الجزائر آمالهم على أن تخلق الفترة الانتقالية قطيعة مع الماضي "المُجحِف" في التعامل مع المسألة الأمازيغية، غير أن التفاؤل انقلب إلى حذر ومخاوف من أن يشتعل صراع الهُويَّة من جديد، عقب الاعتقالات التي طالت حاملي الراية الأمازيغية بعد أن أصدر قائد الجيش أحمد قايد صالح، أوامر بمنع رفعها في المسيرات الاحتجاجية.

وتسبب القرار في حالة احتقان كبيرة وردود فعل مستنكرة في صفوف الجزائريين، ووصفه نشطاء أمازيغ بكونه "عودة إلى سنوات الحصار والعنصرية ضدّ مكونات الهُويَّة الأمازيغية".

واعتبر الباحث في الشأن الأمازيغي إيدير دحماني في تعليقه على الموضوع، أن السلطات الجزائرية استعملت عدة أوراق لوقف الحراك وتقسيم الشعب، آخرها منع العلم الأمازيغي"، مشيراً إلى أن البعض ما زال يواجه اللغة الأمازيغية ومختلف عناصر ثقافتها وهُويَّتها "بحساسية غير مبرَّرة".

وشدّد المتحدث على أن هذا الموقف "مُعادٍ للأمازيغية، التي يحمي الدستور عناصرها ومكوناتها"، كاشفاً أن حشود الحراك رفعت هذا العلم في عدد من الولايات، على رأسها العاصمة، منذ بداية الحراك في 22 فبراير/شباط دون أي مشكلات، قبل أن يأتي هذا "القرار الغريب".

تونس.. "صراع البقاء"

في الوقت الذي يناضل فيه أمازيغ المغرب والجزائر من أجل الأجرأة الحقيقية والفعلية للغتهم الأم، تصارع اللغة الأمازيغية بتونس لأجل البقاء. وتحاول الأقلية الناطقة والمنحصرة في مناطق جغرافية محدودة، مقاومة التعريب، بعد أن بعث "ربيع 2011" آمالاً ونفَساً جديداً للتغيير، غير أن الواقع، وفقاً لمتابعين، يبقى جامداً ويعكس استمرار نفس تعامل "نظام بن علي" مع المكوِّن الأمازيغي.

ساهمت الثورة التونسية في إبراز المكون الأمازيغي بتونس، وفتحت المجال أمام النشطاء الأمازيغ للتعبير عن آرائهم والدعوة إلى إحياء هذا المكون البارز من تاريخ تونس.

تقول الناشطة الأمازيغية التونسية الكاهنة الطالبي "رغم أن الثورة ساعدتنا على إسماع أصواتنا بأننا أمازيغ الأرض والهُويَّة، فإنه حتى الآن بعد ثماني سنوات لم يتحقق شيء رسمي وقانوني".

وأضافت المتحدثة في تصريحها لـTRT عربي "على الرغم من جهود الجمعية التونسية للثقافة الأمازيغية والتوصيات الدولية لتونس من أجل الاعتراف باللغة الأمازيغية، والتنصيص عليها في الدستور وإعادة الهُويَّة الأمازيغية إلى المكانة التي تستحقّ، فلا شيء تحقق".

في ظلّ غياب الاعتراف الرسمي بالأمازيغية، ترتفع دعوات أمازيغ تونس برَدّ الاعتبار للغتهم الرسمية، وتأتي مسألة تدريس اللغة على رأس المطالب التي يرفعها النشطاء الأمازيغ. تقول الناشطة التونسية "نطمح إلى تدريس اللغة الأمازيغية للأجيال القادمة حتى نضمن استمراريتها ونقلها من جيل إلى جيل، ونطالب بالاعتراف بنا مكوِّناً أساسيّاً للشعب التونسي مع مختلف روافده الأخرى".

خاض أمازيغ الجزائر على مدار العقود الماضية نضالات قوية في سبيل الدفاع عن هُويتهم ولغتهم الأم (AP)
لقي مشروع القانون التنظيمي للغة الأمازيغية في المغرب رفضاً واسعاً من طرف المدافعين عن اللغة الأمازيغية (AP)
TRT عربي
الأكثر تداولاً