تابعنا
باتت الانتخابات بالجزائر من أهم القضايا التي شكلت خلافاً بين شباب الحراك والمؤسسة العسكرية، فبالرّغم من أنّ هذه الأخيرة أبانت، في البداية، عن دعمها للحراك، إلا أن المحتجين يرون أن الإطاحة بما تبقى من رموز النظام السابق شرط أساسي لانتخاباتٍ نزيهة.

بعد أن كانت الشعارات التي حملها المتظاهرون في الجمعات السابقة "الشعب والجيش خاوة خاوة (إخوة إخوة)"، شهدت آخر ثلاث جمعات تغيرا في نبرة المحتجين ومزاجهم تجاه قائد أركان الجيش القايد صالح، بسبب تمسكه بإجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها في الرابع من يوليو/تموز القادم.

فالانتخاباتُ باتت على ما يبدو من أهم القضايا الخلافية بين شباب الحراك والمؤسسة العسكرية، التي التزمت، في البداية، بدعم الحراك ومرافقته حتى تحقيق مطالبه في الاطاحة بالعهدة الخامسة للرئيس بوتفليقة. لكنّ ترتيبات المرحلة الانتقالية وعلى رأسها تنظيم انتخابات رئاسية بدأت تعكّر صفو علاقة الوئام بين الطرفين.

في هذا السياق، يرى ناصر باكرية، إعلامي وناشط في الحراك، أنّ "استمرار رئيس الدولة الحالي والوزير الأول في منصبيهما ورفض القضاة الإشراف على الانتخابات تجعل موعد الرابع من يوليو خارج النص واللحظة الجزائرية".

ويشير في تصريحه لـTRT عربي أنّ "الحراك أصبح يوجه رسالته مباشرة الى قائد الجيش الذي بات عاجزا، حسب رأيه، عن تقديم شيء مقنع للمحتجين بعد سلسلة الاعتقالات التي طالت رجال أعمال ومسؤولين في نظام عبد العزيز بوتفليقة".

تعنّت وإصرار

يصرّ قائد الجيش على إجراء الانتخابات الرّئاسية بدعوى التقيد بالإطار الدستوري، معتبراً إياه الحلّ الأكثر نجاعةً لتجنب الوقوع في فراغ دستوري قد يجر البلاد الى مستنقع من الفوضى ويضعها أمام مصير مجهول.

في المقابل يرفض الحراك الشعبي هدا الطرح، ويرى أنه يستحيل إصلاح النظام وإجراء انتخابات نوعية في ظلّ وجود رموزه الفاسدة التي مازالت تدير المشهد السياسي وفي مقدمتهم الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح والوزير الأول نور الدين بدوي.

ويطالب المحتجّون برحيل ما تبقى من رموز النظام السابق وتسليم السلطة للشعب عبر انتخابات نزيهة يتم التحضير لها من طرف هيئة مستقلة وبشكل توافقي.

تعتبر لويزة آيت حمدوش، أستاذة متخصصة في العلوم السياسية، أن "تنظيم الانتخابات احتمالٌ وارد لكنه ضعيف"، غير أنها لم تستبعد تأجيلها حتى الخريف بسبب الظروف السّياسية والاجتماعية غير المواتية بحسبها.

وأعربت، في تصريحها لـTRT عربي، عن قناعتها بأن "الخروج من حالة الانسداد يتطلّب تطبيق الإصلاحات والإجراءات القانونية الضرورية لضمان انتخابات شفّافة ونزيهة".

وفشلت حملة الاعتقالات التي طالت عدداً من كبار رجال الأعمال المتهمين بالفساد وعدد من رموز النظام، في مقدمتهم السعيد بوتفليقة شقيق الرئيس السابق، ورئيس جهاز المخابرات المقال بشير طرطاق، ومحمد مدين المدعو توفيق رئيس جهاز المخابرات الأسبق، وذلك بتهمة المساس بأمن الدولة في امتصاص الغضب الشعب وإقناعه بجدية التغيير.

في هذا الإطار، يرى نوري إدريس، متخصص في علم الاجتماع السياسي، أنّ "استراتيجية الجيش بدأت تتضح وهي لا تختلف عن استراتيجية أية سلطة تواجه سخطا شعبيا"، موضّحاً في تصريحه لـTRT عربي، أنّ هذه الاستراتيجية تتمثل في "محاولة امتصاص الغضب باعتقال رموز النظام الفاسد من جهة وتشتيت المطالب الموحدة للحراك إلى مطالب فئوية أو جهوية حتى يسهل لها التعامل معها".

وبين إصرار السّلطة على المضيّ في إجراء الانتخابات ضمن الآجال الدستورية وعزم الشارع على استنفاد المسار الدستوري إلى غاية الخروج بحل توافقي حول شخصية وطنية تقود المرحلة الانتقالية، يبدو أن الأوضاع تتجه نحو انسداد سياسي من دون أفق للأزمة.

وحذّر باكرية من أن "تعنت السلطة في الذهاب الى انتخابات رئاسية وفرض مرشحها في الربع ساعة الأخير، قد يؤدي إلى صدام مع الحراك يوم الاقتراع الذي يهدد فيه المحتجون بأكبر مسيرة".

لكنه يتوقع، في المقابل، أن تبدي السّلطة بعض المرونة وتواصل تقطير المطالب بالتضحية بأحد الباءات، بدوي او بن صالح او بوشارب رئيس البرلمان، أو بهم جميعا، لإبداء حسن النية واستعادة ثقة الشارع أو اللجوء الى الحلول السياسية بعيدا عن بعبع التخويف من الفراغ الدستوري، معتبرا أن تلك حجج واهية طالما سوقتها السلطة لتجديد واجهتها.

يُذكر أنّ مهلة إيداع الترشيحات ستنقضي في الـ25 مايو/أيار الجاري، وحتى الآن لم تتقدم أيّ شخصية وازنة لسحب ترشحها.

حراك جديد؟

يرجّح نوري إدريس أن "يلجأ الجيش لاستخدام العنف ضد المحتجين لأن من غير الممكن حسب رأيه قمع شعب بأكمله يتظاهر بطريقة سلمية".

لكنّ المتحدّث ذاته نبّه، في نفس الوقت، إلى أنّه "سيحاول خلق مناخ يسمح بتمرير مرشح الجيش دون اللجوء إلى التزوير لأنه غير وارد في ظلّ استمرار التعبئة."

ويرى إدريس أنّ "انتخابات يوليو ولدت ميتة"، مضيفاً أنّ "الجيش يحاول بلوغ تاريخ 25 مايو بأقل الخسائر بتجنب المواجهة مع المتظاهرين"، ومحذراً من أنّ احتمال الذهاب إلى انتخاباتٍ رئاسية في موعدها قائم وأنّ ذلك سيعيد الجزائر إلى 22 فبراير مرّةً أخرى.

وأمام هذا الوضع، يرى مراقبون أنّ أحلام وآمال الشعب الجزائري في تأسيس جمهورية جديد تصطدم بتعنّت نظام يلعب على عامل الوقت في محاولة لإعادة إنتاج نفسه والمحافظة على امتيازات أقطابه.

رجال أعمال ومسؤولون متهمون بشبهات فساد في عهد بوتفليقة (TRT Arabi)
بدء محاكمة مسؤولين بارزين محسوبين على بوتفليقة في الجزائر (Reuters)
TRT عربي