تابعنا
تتزامن ذكرى ما يُعرف بـ"حراك الريف" لهذه السنة مع تصعيد "خطير" أقدم عليه خمسة من قادة الاحتجاجات المعتقلين، بإعلانهم تخليهم عن الجنسية المغربية.

الرباط ـــ تحلّ خلال الأسابيع القليلة المقبلة، الذكرى الثالثة للاحتجاجات التي عرفتها منطقة الريف بشمال المغرب، على مدى أشهر ما بين خريف 2016 وصيف 2017، بعد أن خرجت مظاهرات بمدينة الحسيمة احتجاجاً على حادثة أودت بحياة بائع السمك محسن فكري، قبل أن تتطور إلى مظاهرات تحمل مطالب اجتماعية واقتصادية وسياسية.

وتتزامن ذكرى ما يُعرف بـ"حراك الريف" لهذه السنة مع تصعيد "خطير" أقدم عليه خمسة من قادة الاحتجاجات المعتقلين، بإعلانهم تخليهم عن الجنسية المغربية وخلع رابط البيعة، بعد أشهر من الحكم عليهم بعشرين سنة سجناً.

وأثار إعلان قائد الحراك ناصر الزفزافي ونبيل أحمجيق ووسيم البوستاتي وزكرياء أضهشور ومحمد الحاكي، ردود فعل متباينة بين من اعتبر ما قاموا به صرخة يأس بعد عدم تسوية الملفّ، ومن رفض الخطوة واعتبرها محاولة لابتزاز الدولة وتزكّي اتهاماتها لهم بالانفصال، مما سيُدخِل الملفّ في النفق المسدود بعد أن بدأت تلوح بوادر انفراج في الأفق.

كرونولوجيا الأحداث

انطلقت شرارة الاحتجاجات بمنطقة الريف بشمال المغرب، المعروفة تاريخيّاً بمشكلاتها مع السُّلْطة المركزية، بعد مقتل بائع الأسماك محسن فكري في أكتوبر/تشرين الأول 2016 دهسًا بشاحنة لجمع النفايات بعد أن حاول استرجاع أسماكه المصادرة بحجة صيدها على نحو غير مشروع، وهي الواقعة التي اعتبرتها السلطات غير عمدية.

وبعد هذا الحادث خرج آلاف المواطنين في مدينة الحسيمة ونواحيها في مسيرات ومظاهرات، احتجاجا على ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية، فحملوا مطالب بتحسين أوضاعهم ورفع التهميش عبر تطوير البنى التحتية وبناء مستشفيات وجامعة ومصانع لتقليص نسب البطالة.

ومع توالي الاحتجاجات لم يصل الملفّ بين المتظاهرين والحكومة المغربية إلى حلّ ينهي حملة الاعتقالات التي بدأت، بعد اعتقال متزعم الحراك الزفزافي، لتستمرّ المسيرات طيلة الأسابيع اللاحقة، قبل أن تخمد، ويدخل الملفّ لحظات حاسمة، مع انطلاق محاكمة المعتقلين.

بعد أشهر من المحاكمات والجلسات الماراثونية، أصدرت غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف في الدار البيضاء، أحكامًا وُصفت بـ"القاسية"، إذ لمدة وصلت إلى 20 سنة، في حقّ متزعم الحراك ناصر الزفزافي، ونبيل أحمجيق ووسيم البوستاتي وسمير أغيد، و15 عامًا بحق محمد حاكي وزكرياء دهشور ومحمد بوهنوش، وعشرات السنوات موزعة على باقي المعتقلين.

وأُدينَ كلٌّ حسب المنسوب إليه، بتهم المشاركة "في المسّ بسلامة الدولة الداخلية عن طريق دفع السكان إلى إحداث التخريب في دوار أو منطقة، وجنح المساهمة في تنظيم مظاهرات بالطرق العمومية وفي عقد تجمعات عمومية دون سابق تصريح، وإهانة هيئة منظَّمة ورجال القوة العامَّة في أثناء قيامهم بوظائفهم، والتهديد بارتكاب فعل من أفعال الاعتداء على الأموال، والتحريض على العصيان والتحريض علنًا ضد الوحدة الترابية للمملكة".

المحلل السياسي عبد الرحيم العلام، اعتبر أن ملفّ الحسيمة يشبه "كرة الثلج التي تتكاثف"، ذلك أنه مع مرور الوقت "تزيد الأوضاع تعقيداً، وتعيش المنطقة حنقاً أمام العنف ومآلات الحراك"، مضيفاً في تصريحه لـTRT عربي أن الموضوع بات "يؤرّق الدولة أيضًا ويحرجها حقوقيّاً".

التخلي عن الجنسية

بعد سنتين من العقوبة السجنية، أعلن خمسة من المعتقلين إسقاط الجنسية المغربية وخلع رابط البيعة عنهم، بعد أن "ضاقوا ذرعاً بكل المحاولات الفاشلة التي باشرتها شخصيات متعددة، وعدم نجاعة كل خطوات الإضراب عن الطعام والخطابات التي بُثّت من داخل السجن"، حسب ما جاء في رسالتهم.

"خطوة المعتقلين خطوة احتجاجية، تعبّر عن الغضب الذي انتابهم جراء ما آل إليه ملفّهم"، يضيف الناشط الحقوقي خالد البكاري، موضحاً أنها "لا تحمل أي بعد يمكن أن يفهم منه أي نزوع انفصالي، فمن جهة أعلن بلاغ المعتقلين بوضوح تفريقهم بين الجنسية والبيعة للملك من جهة، والوطن من جهة أخرى، وبينوا أن مطالبتهم بإسقاط الجنسية عنهم مرتبطة بإخلال الدولة بالتزاماتها في ما يخصّ حفظ كرامة وحقوق المواطنين".

في القانون المغربي لا يُسمح بإسقاط الجنسية إلا وفق حالات وشروط خمسة، لا تنطبق أي منها على المعتقلين الخمسة الذين طالبوا بإسقاطها، ومِن ثَمَّ اعتبر العلام أن "الخطوة وسيلة احتجاجية، أراد من خلالها المعتقلون لفت الانتباه إلى ملفّهم بعدما ملّوا الانتظار".

وأضاف المتحدث أنه "احتجاج، وليس علينا قراءة إن كان سلبيّاً أو إيجابيّاً، بل قراءة خلفياته، كردّ فعل على ما ذهب إليه الملفّ وعدم الاستجابة للمطالب التي رفعوها في الشارع ووراء القضبان".

وإن كانت قراءة هذا الشكل الاحتجاجي غير ممكنة من الناحية القانونية، فإن له وقعاً وتداعيات إعلامية وسياسية كبرى، قد تؤدِّي، حسب رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان عبد الإله الخضري، إلى "تعقيد محاكمة المعتقلين، وسيكون له أثر، ليس فقط على مستوى مصير المحاكمة، بل على قضية حراك الريف برمتها، وعلى مسار الاحتجاجات بوجه عامّ".

مآلات الملفّ

أمام التطورات الأخيرة التي شهدها الملفّ، يصعب التكهن بمآلاته، فبعد أن عرف قبل أسابيع نوعاً من الانفراج بعد الإفراج عن عشرات المعتقلين وتغيُّر لغة الدولة في التعاطي مع الملفّ، فإنه في كل مرة تطرأ تغيرات وتطورات، تزيد من ضبابية أفقه.

ويؤكّد الناشط الحقوقي البكاري أنه "حصل نوع من الانفراج خلال الأشهر القليلة الماضية، خصوصًا مع توالي محطات العفو الملكي في مناسبات وطنية ودينية، ليتقلص عدد المعتقلين إلى حدود 55 معتقَلاً، بعد أن كان يفوق 500 معتقَل، لكن مسلسل إطلاق سراح المعتقلين، لم يشمل قيادات الحراك المحكومين بمدد طويلة تصل إلى عشرين سنة، لذلك يصعب التكهُّن إن كنا سنتجه نحو طي هذه الصفحة الأليمة، أم أن العقل الأمني سيظل أسير قراءته التي تنتصر لما يسميه خطأً "هيبة الدولة".

واعتبر المتحدث أن تدبير الملفّ "كان كارثيّاً"، باعتبار أنه "أحيا جراح الماضي بخصوص علاقة منطقة الريف بالمركز، ومِن ثَمَّ يصبح من المستعجل إطلاق سراح كل معتقلي الحراك، مع التفكير في آليات إنجاز مصالحة حقيقية بين المركز والمجال الريفي، وإلا فسنفتح المستقبل على المجهول".

وحول مسألة الوساطة وتدخُّل هيئات حقوقية لحلّ الملفّ، قال عبد الرحيم العلام إن على الوسيط أن "يحمل مطالب المعتقلين ويحفظ في نفس الوقت هيبة الدولة"، والوساطات كانت تأتي من أجل دفع المعتقلين من أجل طلب عفو ملكي وأن يعلنوا ندمهم على احتجاجاتهم، وهو ما يرفضونه أمام ما تَعرَّضوا له خلال مرحلتي المحاكمة والاعتقال"، مورداً أنه توجد حلول ممكنة، لكنها تستوجب إرادة ورغبة حقيقيتين من الدولة والمعتقلين.

في السياق ذاته اعتبر رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، أن الأمل الوحيد، هو "العمل على إصلاح سياسي عميق وجدّي، يُفضِي إلى القطع مع مظاهر الفساد والاستبداد، ويؤسس لميثاق ديمقراطي حقيقي، من شأنه أن يقدم للمجتمع برنامجاً تنمويّاً ديمقراطيّاً، مبنيّاً على توزيع عادل للثروات الوطنية وعلى إفساح الفرصة للكفاءات الديمقراطية للعمل السياسي".

بعد سنتين من العقوبة السجنية، أعلن خمسة من معتقلي حراك الريف إسقاط الجنسية المغربية وخلع رابط البيعة عنهم (AP)
بعد حادث وفاة محسن فكري خرج آلاف المواطنين في مدينة الحسيمة ونواحيها في مسيرات ومظاهرات، احتجاجا على ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية (AP)
انطلقت شرارة الاحتجاجات بمنطقة الريف بشمال المغرب، المعروفة تاريخيّاً بمشكلاتها مع السُّلْطة المركزية، بعد مقتل بائع الأسماك محسن فكري (AP)
TRT عربي