تابعنا
رغم المطالب الدولية للحد من التوسع الإيراني إلّا أنّ النظام السوري يعطيه مزيداً من الامتيازات، لأنّه يخشى السقوط إذا ما تحكم أحد الأطراف في مصيره، وبذلك يسعى النظام ليكون مديراً لمصالح الاحتلالات المتعددة.

تعالت أصوات الفواعل الدولية والقوى المؤثّرة في القضية السورية حول ضرورة الإسراع في تقويض السلطة العسكرية والسياسية والاقتصادية للوجود الإيراني في سوريا، إلا أنّه لا صدى يُذكر على صعيد التنفيذ والتطبيق لهذه المطالب في الساحة السورية.

بل الغريب في الأمر أنّ النظام السوري كثّف الإجراءات والامتيازات الساعية لتكريس الوجود الإيراني بشكلٍ أكبر، بخاصّة بعد الضربات الإسرائيلية والمطالب والمساعي الدولية والروسية الهادفة إلى تقويض الفاعل الإيراني في المنطقة. لكن بذات الوقت أعطى النظام الروس والأمريكان امتيازات عسكرية واقتصادية وسياسية موازية لا تقل أهميّة عن الامتيازات الإيرانية!

وهنا يفسّر غسان المفلح المعارض السوري المختص بالشأن السياسي الحالة السورية على أنّها نتاج سلطة الأنانية ومحاولة الشخص الواحد تسخير الكل لخدمة الرأس، واصفاً النظام السوري بأنّه "غير حاسم وارتجالي بحكم ديكتاتوريته"، مضيفاً لـTRT عربي أنّه "من خصائص الديكتاتورية أنّ القرار في السياسة الخارجية لديها هو قرار شخصي بامتياز، وغالباً يكون آنيّاً وينطلق من مصالح الديكتاتور الساعي للعب على كلّ الخيوط بهدف الاستمرار في سلطته بغضّ النظر عن الثمن".

وعليه يلاحظ المتابع أنّ تحركات النظام السوري تحذر الوقوع في فخ التحالف المطلق مع طرف دون آخر، لأنّه يعلم طبيعة ذاته السياسية وأنّ قوة وجوده أو بالأحرى وجوده يكمن في مهارته البراغماتية باللعب على تناقضات ومصالح الفواعل الدولية والاحتلالات المتعددة ذات التأثير المباشر في القضية السورية، وبذلك يسعى النظام السوري ليكون بيضة القبّان ومديراً لمصالح الاحتلالات المتعددة، دون التفات إلى تأسيس دولة وطنية مستقلّة تدير شؤون السوريين!

الحالة السورية نتاج سلطة الأنانية ومحاولة الشخص الواحد تسخير الكل لخدمة الرأس.

غسان المفلح، مختص بالشأن السياسي السوري

وهذا ما يفسّر سلوك النظام السوري في التعاطي مع التهديدات الدولية تجاه إيران، فرغم كل الإجراءات الدولية الساعية للحد من التوغل والتوسع الإيراني على الأصعدة كافة، إلّا أنّه سرعان ما همّ في ذات التوقيت إلى إجراء شراكات وعقود مع الطرف الإيراني بغية إحيائه على الأصعدة الاقتصادية والعسكرية كافة، وكان آخرها حسب وكالة سانا التابعة للنظام السوري، صفقة النفط (البلوك رقم 12) في البوكمال بدير الزور الأسبوع الحالي.

فإنّ تسويق النظام السوري لهذه الاتفاقيات مع الجانب الإيراني بحدّ ذاته، لا يقلّ سياسياً واستراتيجياً عن عقد الشراكة مع إيران وحقها في التنقيب عن النفط، لما يحمله ذلك من رسائل سياسية واضحة تقتضي أنّه لا يمكن التفريط في العلاقات مع إيران، وعليه فإنّ تقدير الكلام هو "لا يمكن التفريط في العلاقة مع أي من الأطراف الضالعة في الشأن السوري في الوقت الراهن خوف أن يصبح قرار مصير الأسد بيد طرف واحد، ما يسهل بدوره مهمة التنازل عنه في أي لحظة".

المدلولات والاتجاهات

إنّ مثل هذه العقود والاتفاقيات الاقتصادية هي بذات الوقت لا تخرج عن إطار الديون المستحَقّة لإيران على النظام السوري مقابل حمايته من السقوط والانهيار حسبما أفاد غسان المفلح لـTRT عربي، مضيفاً: "من جهة أخرى فإنّ عقد النظام للاتفاقيات الاقتصادية مع إيران بهذا التوقيت هو تلويحٌ بإيران متعلّقٌ بما هو مطلوب منه من الطرف الآخر، أي أحد الفواعل الأساسية في القضية السورية".

في ذات السياق يعتبر خليل المقداد، الكاتب والباحث السياسي، في إفادته لـTRT عربي، أنّ الصفقات الاقتصادية بين النظام السوري وإيران في البوكمال لها مدلولات واتجاهات مختلفة، مشيراً إلى أنّها أقرب لكونها تفاوضاً غير مباشر من جانب إيران مع الاحتلال الإسرائيلي من خلال تأكيدها أنّها "باقية في سوريا ولكن لن تزعج الكيان الإسرائيلي وستكتفي بالاعتزال في المنطقة الشرقية".

يضيف المتحدّث نفسه: "لا أستبعد وجود اتفاق وتفاهم روسي-إيراني على مناطق النفوذ وإعطاء إيران امتيازات اقتصادية وعسكرية وسياسية وثقافية في المنطقة الشرقية، بخاصّة أنّ هذه المنطقة تشكل مكمن التشيع الذي تحاول إيران ترويجه في المنطقة منذ البدايات، وكان ذلك من خلال تشييد الحسينيات حتى قبل أي وجود شيعي، وبذلك وفي ذات الوقت يعطي النظام تطمينات شعبية للمستوطنين الذين أتت بهم إيران لقمع الحراك السوري".

الصفقات الاقتصادية بين النظام السوري وإيران في البوكمال لها مدلولات واتجاهات مختلفة وهي أقرب لكونها تفاوضاً غير مباشر من جانب إيران مع الاحتلال الإسرائيلي.

خليل المقداد، كاتب وباحث سياسي

هذا ويرى المقداد في إفادته لـTRT عربي، أنّ "هذا المشروع الاقتصادي الموكول إلى إيران وُلد ميتاً وفاشلاً بكل المعايير، بخاصة أنّ المنطقة الشرقية غير مستقرة ولا آمنة، إضافة إلى أنّ إيران دولة بدائية غير قادرة إلّا على التخريب وإدارة الإرهاب، ما يعني أنّ الاقتصاد ليس كل شيء بالنسبة إلى إيران هناك، بل هو ذريعة إيرانية بهدف الوجود في تلك المنطقة الاستراتيجية بغية نشر ثقافة التشيع واستغلال حاجة الناس إلى إدارتهم بطريقة غير مشروعة".

علاقة الفواعل والارتجال السياسي

وعن طبيعة العلاقة بين روسيا وإيران ومدى احتمال وقوع الطلاق السياسي بينهما في الوقت الراهن، يرى غسان المفلح أنّ: "الروس يخشون تكرار السلوك الأمريكي في العراق، من خلال عقد صفقة سياسية مشابهة مع إيران في سوريا، لذلك نلحظ حرص الروس على الحفاظ بعلاقتهم المستقرّة مع الجانب الإيراني سواء بوجود الأسد أو من دونه".

يستدرك المتحدّث نفسه: "إنّ إيران فاعل مهم للروس على الأصعدة والنواحي كافة، وحتى اللحظة لم تأتِ بالنسبة إلى روسيا ساعة تحديد الاختيار ما بين إيران أو أمريكا وأوروبا، ليأخذ الروس موقفاً نهائياً في هذا الإطار، وهذا الواقع السياسي يعرفه الأسد ويعيه جيداً ويتصرف على أساسه. باختصار اليوم كل الأطراف ترتجل ما عدا الأمريكي".

أمّا عن نيّة الاحتلال الإسرائيلي وأمريكا متابعة المعركة وطرد إيران من سوريا أو احتواءها، فيرى المفلح أنّه من المبكر الحكم على ذلك، مشيراً إلى أنّ "أمريكا لا تزال تغلي في المرجل السوري، الذي لم تنضج محتوياته بالنسبة إليها بعد، بل ويمكن أن لا تنضج هذه المحتويات لعقود لاحقة!".

إيران فاعل مهم للروس على الأصعدة والنواحي كافة وحتى اللحظة لم تأتِ بالنسبة إلى روسيا ساعة تحديد الاختيار ما بين إيران أو أمريكا وأوروبا.

غسان المفلح، مختص في الشأن السياسي السوري

مبيّناً ذلك بقوله: "العراق على سبيل المثال بعد مضي 17 عاماً من الوجود الأمريكي-الإيراني لا تزال لعبة شد الحبل قائمة فيه بين الطرفين، لتأخذ لبوس الصفقات أحياناً والخلافات أحياناً أخرى، وحتى اليوم لم تحسم أمريكا شيئاً في العراق ضدّ إيران".

وحول طبيعة العلاقة السياسية بين الفواعل الدولية في الشأن السوري، يرى خليل المقداد أنّه "لا خلافات جوهرية بين الأطراف الفاعلة في الشأن السوري، والخلاف ينحصر في القشور والغنائم لا غير، لأنّ إيران بالنسبة إلى الروس والأمريكان تُعتبر الخزان البشري المسؤول عن تزويدهم بالعناصر الإرهابية المسؤولة عن القتل والتنكيل والتهجير الذي من دونه ما كان للقوى الكبرى أن تحقّق أدنى تقدُّم على الحراك الشعبي السوري".

ويضيف المتحدّث ذاته لـTRT عربي: "إيران تتقن فنّ التقية السياسية، لذا فحتى إذا ادّعت الخروج من إحدى المناطق الخاضعة لنفوذ فواعل أخرى، فإنها في الحقيقة كاذبة وتكون في ذات المكان ولكن بهيئات مختلفة، مرة باسم الإغاثة وتارة بثوب الهيئات الحكومية، بل وكثيراً من الأحيان اليوم يستخدم مرتزقة المليشيات الإيرانية الهويات الشخصية الخاصة بالسوريين".

ويبقى الأسد هو المفعول به سياسياً وعسكرياً وحضارياً، وفعله السياسي لا يكون إلا في إطار تشريع وتحليل وجود الأطراف قانونياً من خلال الاعتراف بشرعية وجودهم أمام الدول، إمّا بحجة محاربة الإرهاب وإما بذريعة العقود التجارية والاقتصادية والتدريبة والإغاثية، وعليه تَحوَّل الأسد إلى تيس مستعار وظيفته شرعنة الاحتلالات المتعددة تحت شعاره "سوريا لمن يدافع عنها بغضّ النظر عن جواز سفره".

TRT عربي