تابعنا
لا يزال الجدل محتدماً في تونس حول تنقيح القانون الانتخابي الذي صادق عليه البرلمان مساء الثلاثاء بأغلبية الأصوات، بين من اعتبره تحصيناً للديمقراطية، وبين من رآه محاولة من أحزاب الائتلاف الحاكم لقطع الطريق أمام منافسيهم تحت ذريعة تحصين الانتخابات.

تونس ـــ كان مجلس نواب الشعب في تونس قد أجل المصادقة على مشروع القانون الانتخابي بعد أن فشل في تمريره إثر جلسة صاخبة منذ أيام، لم تخل من تلاسن واتهامات بين نواب الحكم المعارضة، لترفع الجلسة وتعود الثلاثاء بعد جلسة توافقات بين الأحزاب، بخاصة منها "النهضة" و"تحيا تونس" و"المشروع"، تم بموجبها المصادقة على فصول تنقيح القانون الانتخابي برمته بأغلبية 128 صوتاً.

ويطرح توقيت تنقيح القانون الانتخابي، قبل أربعة أشهر فقط من موعد الانتخابات المقررة أواخر السنة، أكثر من سؤال حول صدق نوايا المتقدمين إلى هذه المبادرة التشريعية، خصوصاً رئاسة الحكومة التي تعد الجهة المبادرة بهذا المشروع.

ومن بين التنقيحات المثيرة للجدل التي صادق عليها البرلمان الفصل 42 مكرر والذي ينص على أنه "لا يقبل الترشح للانتخابات الرئاسية لكل شخص تبين للهيئة قيامه أو استفادته خلال السنة الانتخابية بأعمال يمنعها التشريع المتعلق بالأحزاب السياسية ومسيريها" ومن بين هذه الأعمال الإشهار السياسي، والتمويل الأجنبي، وتوزيع الامتيازات المالية والعينية.

هذا الفصل الذي تم تمريره وغيره من الفصول، يُقصي بشكل آلي رؤساء الجمعيات وأصحاب المؤسسات الإعلامية وبعض فلول النظام القديم والذين أعلنوا خوض المنافسة الانتخابية من السباق الانتخابي.

"زلزال سياسي"

تأتي هذه التعديلات للقانون الانتخابي في سياق نتائج سبر آراء نشرتها شركات متخصصة، وصفها ملاحظون بالزلزال السياسي الذي عصف بأسطورة الأحزاب الكبرى والقيادات السياسية على غرار حزب حركة النهضة ورئيسها راشد الغنوشي وحزب "تحيا تونس" ورئيسه يوسف الشاهد، إذ أظهرت الأرقام تراجعاً كبيراً في شعبية هذه الأحزاب وهؤلاء الزعماء السياسيين مقابل صعود صاروخي لشخصيات مستقلة ومغمورة في نوايا التصويت.

وصعد نجم صاحب قناة "نسمة" الخاصة نبيل القروي، والخبير في القانون الدستوري قيس سعيد، وعبير موسى التي تعد امتداداً لمنظومة الرئيس المخلوع بن علي، فضلاً عن صعود كيانات ذات صبغة جمعياتية خيرية في نوايا التصويت وصف أغلبها بالتيار الشعبوي البعيد عن التنظيم الحزبي.

إكراهات لحماية الديمقراطية

القيادي بحركة النهضة زبير الشهودي وصف في تصريح لـTRT عربي مشروع تنقيح القانون الانتخابي بأنه يأتي في ظل "حالة إكراه استوجبتها عوامل تتعلق بتلوث المناخ الانتخابي الديمقراطي، بعد محاولات أطراف بعينها توظيف العمل الخيري والجمعياتي لتحقيق أهداف ومطامع سياسية.

الشهودي يرفض أيضاً استغلال الأطراف ذاتها شعبيتها التي كونتها بغطاء الإشهار السياسي المغلف بالعمل الإعلامي والجمعياتي، واصفاً ذلك بالتحايل على قوانين اللعبة الديمقراطية، مؤكداً أن ممارسة السياسة والطموح إلى السلطة يمر وجوباً عبر بوابة الأحزاب وليس الجمعيات.

حركة النهضة أصدرت بياناً رسمياً في هذا الخصوص عبرت خلاله عن رفضها القطعي "لكل ضروب التحايل على الرأي العام وعموم الناخبين من خلال توظيف بعض الأطراف العمل المجتمعي أو الديني أو الجمعياتي أو الإعلامي في العمل السياسي".

كما دعت إلى ضرورة حماية المسار الديمقراطي وعدم السماح بأي تلاعب بالتجربة الوليدة والتفاعل الإيجابي مع كل المقترحات التي تحقق هذا الغرض، واتخاذ جميع التدابير القانونية لمنع التحايل على الناخبين وحماية الديمقراطية.

إقصاء وعودة للدكتاتورية

وسارع صاحب قناة نسمة نبيل القروي الذي أعلن رسمياً ترشّحه للانتخابات الرئاسية إلى نشر بلاغ عبر صفحته الرسمية على فيسبوك حمل خلاله مسؤولية تنقيح القانون للائتلاف الحكومي، معتبراً أن هذا الإجراء هو "محاولة فاشلة للتراجع عن مكاسب المسار الديمقراطي والانتخابي وإعلان صريح لبوادر ديكتاتوريّة بدأت تكتمل ملامحها بمحاولة إقصاء المرشّحين الجدّيين الذين أظهرت استطلاعات الرأي ونوايا التصويت، على اختلافها، تقدّمهم بنسب مهمّة على مرشّحي الأحزاب الكلاسيكيّة".

اتحاد الشغل التونسي الذي يقف على المسافة ذاتها من جميع المتنافسين، دعا لتأجيل تنقيح القانون الانتخابي لما بعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وفتْح حوار واسع بعيداً عن الضغوطات الانتخابية.

واعتبر، في بيان له، أن الرغبة في تغيير القانون في هذا الظرف الحساس، هي رغبة متأخرة، من شأنها أن تفاقم حدة التجاذبات السياسية وتعكر المناخ الانتخابي برمته، وقد تخفي وراءها حسابات انتخابية ضيقة.

ويشكك العضو في "الجمعية التونسية من أجل نزاهة وشفافية الانتخابات" بسام معطر في تصريح لـTRT عربي في نوايا الأحزاب الداعمة لتنقيح القانون الانتخابي تحت ذريعة حماية المسار الديمقراطي، مبرراً ذلك بتوقيت طرح هذا المشروع الذي جاء مباشرة بعد نتائج استطلاع للرأي أظهرت تراجع هذه الأحزاب في نوايا التصويت.

ويستذكر في هذا السياق دعوات ملحة تقدمت بها جمعية "عتيد" منذ سنة 2014 لإصلاح بعض الثغرات في القانون الانتخابي ومنها فصول يُنظر فيها حالياً، غير أن مطلبهم في تلك الفترة لم يلقَ أي استجابة أو تفاعل من الطيف الحزبي.

وخلص معطر للقول بأن حرص هاته الأحزاب على تمرير التنقيحات ليس رغبة في حماية المناخ الانتخابي بل لحماية مصالحهم السياسية، بهدف ضمان مقاعد خلال الانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة بعد إزاحة خصومهم بطريقة قانونية.

حجج واهية

الناشط والباحث في الشأن السياسي طارق الكحلاوي يقول لـTRT عربي إن الحجج التي اتّخذت بعداً أخلاقياً تبنتها الأطراف المؤيدة والرافضة لتنقيح القانون الانتخابي هي ضعيفة ومردودة على أصحابها.

فهو من جهة يعتبر أن المنظومة الحزبية التي بدأت تتهاوى وتضعف تريد أن تحصن نفسها وتقطع الطريق على اللاعبين الجدد، ومن جهة أخرى هؤلاء الصاعدين في سلم نوايا التصويت استغلوا العمل الجمعياتي والمال الأجنبي للرفع من شعبيتهم، وكلاهما حسب قوله خطر على الديمقراطية.

ويبقى الجدل حول تنقيح القانون الانتخابي متواصلاً حتى بعد المصادقة عليه، إذ هددت الأطراف المستهدفة بهذا التعديل بالتصعيد واللجوء إلى القضاء المحلي وحتى التظلم دولياً بحال تم إقصاؤها نهائياً من اللعبة الانتخابية.

عصف زلزال سياسي بالأحزاب الكبرى مقابل صعود صاروخي لشخصيات مستقلة ومغمورة في نوايا التصويت، من بينها نبيل القروي صاحب قناة "نسمة" (AP)
حركة النهضة أصدرت بيانا رسميا عبرت فيه عن رفضها توظيف بعض الأطراف العمل المجتمعي أو الديني أو الجمعياتي أو الإعلامي في العمل السياسي (AP)
TRT عربي