احتجاجات السترات الصفراء في فرنسا سلطت الضوء على مطالب الشعوب الأوروبية  (Reuters)
تابعنا

تُعد احتجاجات "السترات الصفراء" الشهيرة في فرنسا واحدة ضمن كثيرٍ من الحركات الأوروبية التي تعكس الاستياء المتنامي للشعوب إزاء حكوماتها. وفيما يلي أسباب ذلك السخط الذي تشعر به الشعوب.

الفرنسيون يسعون لخفض الضرائب

تشمل احتجاجات السترات الصفراء في فرنسا أشخاصاً ينتمون للتيارين السياسيين اليميني واليساري. وما يجمع هذه الحركة التي تفتقر إلى قائد هو الشعور بأنَّ الرئيس إيمانويل ماكرون وحكومته بعيدان كل البعد عن عامة الشعب في أنحاء فرنسا.

واندلعت المظاهرات في فرنسا في البداية احتجاجاً على رفع الضرائب على أسعار الوقود، ثم تحولت إلى حركة جماهيرية ضد ماكرون، الذي كان يعمل مصرفياً سابقاً. وتدفق المتظاهرون إلى هذه الاحتجاجات بأعداد هائلة من المناطق الريفية والمدن الصغيرة الفرنسية، تدفعهم أهداف مختلفة بدءاً من خفض الضرائب وحتى إقالة ماكرون.

ويمكن لأي شخص يرتدي "سترة صفراء" أن ينضم إلى المظاهرات؛ إذ أصبحت هذه السترة رمزاً موحداً وعنصراً مساوياً في حركة متباينة الأحزاب.

البلجيكيون يطالبون بقوة شرائية أعلى

يبدو أنَّ عدوى الاحتقان المحتدمة في فرنسا قد تسللت وأصابت جارتها بلجيكا؛ حيث امتلأت شوارع العاصمة بروكسل بالسترات الصفراء. ويبدو أنَّ هؤلاء المتظاهرين ينحدرون جزئياً من حركة شعبوية غاضبة من سياسات الحكومة بشكل عام. وتسلط كذلك هذه المظاهرات الضوء على اتساع الهوة بين سياسيي التيار الحاكم والمصوتين الذين أوكلوا إليهم زمام السلطة.

لكن حركة السترات الصفراء في بلجيكا نشرت على موقع فيسبوك قائمة مطالب من الحكومة. وإلى جانب المطالب الجذرية التي تشملها القائمة مثل السعي إلى إقالة رئيس الوزراء شارل ميشيل، يريد الشعب خفض تكاليف الكهرباء والماء، وإجراء استفتاءات على تشريعات جديدة، وخفض سن التقاعد ورفع مرتبات التقاعد.

شعب المجر يأبي أن يُقيَّد بالسلاسل إلى مكاتبه

في المجر، احتشد المتظاهرون احتجاجاً على مشروع قانون عمل جديد، وصفه الناقدون بأنه "قانون العبيد"، ويرجع ذلك بدرجة كبيرة إلى حقيقة أنه يسمح لأصحاب العمل بطلب ما يصل إلى 400 ساعة من العمل الإضافي من موظفيهم في العام.

وأشعل هذا التعديل على قانون العمل الذي قُدِّم إلى البرلمان الأسبوع الماضي شرارة الانتقادات؛ إذ يُحتمَل أن يؤدي إلى إضافة ساعتين إلى متوسط يوم العمل في المجر، أو إضافة يوم عمل كامل كل أسبوع.

وغَدَت المجر بلد رخيصة العمالة، وهو ما أثار استياء المواطنين. ففي السنوات القليلة الماضية، نقل عدد من شركات صناعة السيارات الفاخرة الألمانية مصانعها إلى المجر. ويتوقع منتقدون أنَّ جماعات الضغط التي تعمل نيابة عن تلك الصناعات هي التي كانت وراء مقترح زيادة ساعات العمل الإضافية من أجل زيادة الإنتاج.

ومنذ فترة والمجريون غير راضين عن أداء رئيس الوزراء فيكتور أوربان. وكانت الخطوة الأخيرة التي ضربت وتراً حسّاساً هي التخطيط لفرض ضريبة على استخدام الإنترنت، لكن الحكومة عزفت عن تنفيذ هذا القرار في أواخر عام 2014 بعد أن تظاهر عشرات الآلاف من الأشخاص ضده.

الإيطاليون يرفضون سياسة التقشف

هناك شعور بالسخط يراود الإيطاليين إزاء الطريقة التي يعاملهم بها الاتحاد الأوروبي.

منذ أن أنشأ حزب الخمسة نجوم، المناهض للنظم المؤسسية الحاكمة، وحزب الرابطة حكومةً ائتلافية، اتخذ الاقتصاد الإيطالي مساراً عكسياً؛ إذ أثارت خطط الإنفاق الهائلة التي وضعتها الإدارة الجديدة مخاوف من وقوع أزمة مصرفية أخرى.

وقدّمت الحكومة الإيطالية هذه الميزانية الجديدة إلى الاتحاد الأوروبي التي تعهدت خلالها بخفض سن التقاعد ودعم دخل الأفراد، لكن المفوضية الأوروبية رفضت الاتفاقية مُعلِلَة ذلك بأنها لن تخفض ديون إيطاليا العامة الكبرى حسبما تقتضي القوانين، وحذرت من أنها ستفرض عقوبات على روما ما لم تُجرِ تعديلات على الميزانية.

وأعرب كذلك قادة الأعمال الإيطاليين عن قلقهم إزاء هذه الميزانية، مصرحين بأنها ليست كافية للمساعدة في تشجيع الاستثمار وتحفيز نموه.

وفي يوم السبت 8 ديسمبر/كانون الأول، احتشد نائب رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو سالفيني في أحد الميادين الرئيسية بروما مع عشرات الآلاف من المؤيدين الذين يلوّحون بالأعلام في مسيرة شددت على الهيمنة المتزايدة لحزب الرابطة اليميني المتطرف.

وأخبر سالفيني الحشود الهاتفة أنه سيفي بوعوده لتعزيز إنفاق الدولة، محذراً من أنَّ التقشف لن يسفر إلا عن إذكاء هذا النوع من العنف الذي ضرب الجارة فرنسا.

ونظم حزب الرابطة مظاهرةً في ساحة Piazza del Popolo، وتعني حرفياً "ميدان الشعب" في العاصمة، تنادي بشعارات مثل "شعب إيطاليا في المقام الأول!" و"فلتنهض إيطاليا من جديد".

أبناء هولندا المسالمون يريدون الرفاهية الاجتماعية من جديد

في عطلة نهاية هذا الأسبوع في أمستردام، نظم عشرات المحتجين مسيرات سلمية في شوارع هولندا، سادها جوٌّ من الغناء والضحك، في تناقضٍ صارخ لما يحدث في باريس.

وكان جان ديجكغراف، المحرر في صحيفة معارضة هولندية، قد دعا إلى تنظيم احتجاجات سلمية في العاصمة أمستردام وروتردام. وقال ديجكغراف إنَّ الشعب يتوق إلى العودة لحقبة ماضية في تاريخ هولندا حين كان يسود المزيد من العدالة الاجتماعية، واصفاً المسيرات بأنها "شعور بالاتحاد، يصحبه أيضاً الاهتمام بمطالبي اللجوء جيّداً والاعتناء ببعضنا البعض".

لكن يبدو أن هناك متظاهرين أكثر تطرفاً، ففي مظاهرة صغيرة وسلمية الأسبوع الماضي في مدينة لاهاي، لوّح أحد المتظاهرين بعلم هولندي تاريخي صار شعاراً لليمين المتطرف.

وقالت إحدى المتظاهرات، وتُدعَى إينيكي لامبرمونت "يعمل أولادنا بكدٍّ، لكن عليهم أن يدفعوا ضرائب على كل شيء. ما عاد يمكن شراء منزل بعد الآن. إنَّ الأمور لا تسير على ما يرام في المجتمع الهولندي".

وأضافت: "لقد تلاشى نظام الرفاهية الاجتماعية الذي نشأنا عليه. ولم تعد الحكومة تعمل من أجل الأشخاص، بل لحماية مصالحها الخاصة".

بولندا تريد واجهة التغير المناخي

على الجانب الآخر، احتشد بولنديون في نهاية هذا الأسبوع للمناداة باتخاذ إجراءاتٍ أقوى لمكافحة تغير المناخ، وذلك بعيداً عن قمة الأمم المتحدة لتغير المناخ التي عُقدت في كاتوفيتسه.

وضمت المظاهرات مزارعين من أميركا اللاتينية، وعلماء بيئة من آسيا، وطلاب من الولايات المتحدة، وعائلات من أوروبا، وقال كثيرٌ منهم إنَّهم يشهدون بالفعل تأثيرات ناتجة عن تغير المناخ.

TRT عربي