تابعنا
هل ستندلع الحرب بين إسرائيل وحزب الله؟ ما أهداف إسرائيل إن بدأت الحرب قريباً؟ وهل تدلّ مؤشرات على اقتراب هذه اللحظة؟ وما السيناريوهات المتوقعة؟

بقميصه الأبيض المهترئ منذ مدة، ويديه الصغيرتين اللتيْن غمرهما الطحين، يهرول الفتى زياد بين دكان الجزار والفرن المتجاوريْن في الشارع الصاخب بالضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت؛ يحاول جاهداً أن يلحق بطلبات "المناقيش" الكثيرة، علّ اليوم يمضي دون أن يسمع توبيخاً من العم أحمد، صاحب الفرن.

في كل مرة يضع فيها أكياس المناقيش على دراجته النارية الجديدة التي تبدو أكبر حجماً من جسده النحيل، يسترق النظر إلى السماء، ليطمئن أن لا مناشير سقطت من الطائرات الحربية الإسرائيلية تدعو فيها سكان الضاحية للمغادرة.

يحدّق كالصقر الباحث عن فريسة يميناً وشمالاً، ثم يعاود النظر إلى الشارع.

حسنٌ، لا توجد أي مناشير. بإمكانه الآن كعادته كل يوم، أن يأكل "منقوشته الزعتر" المفضلة سريعاً وهو يتكئ على دراجته، ثم ينطلق بها لإيصال الطلبات.

لا مناشير إسرائيلية بالضاحية.. لا هلع حتى الآن

لم ينسَ زياد (12 عاماً) حديث شقيقه الأكبر حسين، الذي كان يعمل في الشارع نفسه قبل 13 عاماً، لحظة أُسقِطَت المناشير ظهراً.

يروي الصغير الذي لم يكُن قد وُلد بعد، ما تحكيه والدته، حين هُرع حسين إلى المنزل خائفاً يخبر والدته عن المناشير، فغادروا ككُثر غيرهم الضاحية الجنوبية، ونزحوا إلى قلب العاصمة بيروت الذي كان أكثر أمناً.

آنذاك، في يوليو 2006، بدأت حرب شرسة بين إسرائيل وحزب الله اللبناني، استمرت 34 يوماً طالت الضاحية الجنوبية التي تُعَدّ معقل حزب الله ومناطق البقاع والجنوب، أوقعت آلاف الضحايا والجرحى.

اليوم، وبعد مرور أكثر من 10 أيام على حادثة الطائرتين المسيرتين الإسرائيليتين اللتين سقطتا في الضاحية الجنوبية، وما أعقبهما من ردّ للحزب على ثكنة أفيفيم الحدودية، فإن الوضع لا يطمئن المواطنين.

عينا زياد اللتان تُصبّحان وتُمسّيان على السماء والشارع، لا شيء سيطمئنهما إلا مرور الوقت أو ربما هدوء سياسي لم ينعم به لبنان منذ زمن.

لكن البعض استعدّ وأعدّ العُدّة...

ومثل زياد، تحاول السيدة فاطمة يوسف -التي تسكن في الجهة المقابلة للفرن- كلّ ساعتين أو ثلاث أن تخرج إلى شرفتها الكبيرة، تسرح بنظرها إلى شارع عبد النور حيث تقطُن، بحثاً عن تلك المناشير.

لكن فاطمة مستعدة إن بدأت الحرب.

جوازات السفر جاهزة في حقيبة "الطوارئ" مع بعض الثياب والأغراض الصغيرة الثمينة التي لا يمكن تركها في المنزل.

إلا أن الوجهة هذه المرة مختلفة، ففي الحرب الماضية، نزحت فاطمة وعائلتها إلى سوريا. لكن مع الحرب المتواصلة هناك منذ سنوات، والتي لم تعرف طريقاً للخلاص حتى الآن، فهذا الخيار شبه مستحيل.

تقول في حديثها لـTRT عربي إن "الوضع أصعب ومختلف، سنهرب إلى منزل ابنتي في منطقة بشامون (في محافظة جبل لبنان، وغالبية سكانها من الدروز) ثم سنبحث عن مكان آمن قريب".

ربما في الجبل الذي استقبل عشرات العائلات في الحرب الماضية، أو قلب العاصمة بيروت التي فعل أهلها الأمر نفسه، لا تدري فاطمة أو جاراتها إلى أين سيذهبون هذه المرة، لا سيما وأن خيار السفر جوّاً خارج لبنان سيكون صعباً، إذ كان ثاني موقع قصفته الطائرات الحربية الإسرائيلية عام 2006، مطار رفيق الحريري الوحيد في بيروت، فشُلّت الحركة الجوية بشكل كامل منذ أول يوم بدأت فيه الحرب.

ومع ذلك، يبقى هذا الخيار أمل البعض.

فابنتها هناء تنوي التوجه فوراً إلى المطار والسفر إلى تركيا في حال وقعت الحرب.

أما ابنتها الثانية صفاء، الخريجة الجامعية، فتتعجب مما تقوله جارتهم عليا فواز، التي تريد البقاء في منزلها ولو بدأت الحرب.

وترى صفاء، ويؤيدها والدها أحمد يوسف في هذا الخيار، أن اللجوء إلى مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين القريب من منزلهم هو الخيار الأنسب في البداية.

"هو المكان الأكثر أمناً في حال وقعت الحرب؛ لن يقصفوا المخيم"، تروي صفاء، ففي الحرب الماضية، لم تكن المخيمات الفلسطينية هدفاً لإسرائيل.

فهل ستندلع الحرب بين حزب الله وإسرائيل؟

لكن ما أهداف إسرائيل إن بدأت الحرب قريباً؟ وهل تدلّ مؤشرات على اقتراب هذه اللحظة؟ وما السيناريوهات المتوقعة؟

أسئلة كثيرة طرحناها على المحلل السياسي اللبناني علي الأمين، الذي استهلّ حديثه بكلمة رئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري الأربعاء 4 سبتمبر/أيلول 2019 والتي حذّر فيها من احتمال وقوع حرب.

الأمين أكّد أن الحرب أمر محتمل بطبيعة الحال، "في الأيام الماضية، كان يمكن تفادي وقوعها لأسباب تتصل بحسابات الأطراف المعنية".

ويوضح في حديثه لـTRT عربي أن "إسرائيل لا تريد الآن اندلاع الحرب، لا سيما وهي على أبواب انتخابات، وحزب الله بتمثيله المحور الإيراني لا يريد الحرب الآن أيضاً، بسبب مسار المبادرة الفرنسية التي تسعى لتقريب وجهات النظر بين طهران وواشنطن".

ووفق ما يقول المحلل اللبناني، فإن العين شاخصة إلى ما يمكن أن تنتج عنه المبادرة الفرنسية.

"في حال نجحت، يصبح احتمال الحرب مستبعَداً، وفي حال فشلت فسيقع الخطر".

وعن مؤشرات اندلاع حرب أم لا، أوضح الأمين أن "قرار الحرب في لبنان من جهة حزب الله، هو قرار إيراني بالدرجة الأولى، فإن وصلت طهران مثلاً إلى حالة من الانسداد في آفاق التسويات والتفاوض مع أمريكا، فقد تلجأ إلى خيار الحرب".

وسيترافق هذا الأمر مع تصعيد إسرائيلي بكل تأكيد بحسب ما يقوله المحلل اللبناني، الذي أشار إلى أن الحرب المقبلة إن وقعت، ستكون مشابهة للحرب الماضية عام 2006 وربما أكبر.

أم ستكون عمليات تكتيكية لا أكثر؟

لكن حجم الحرب المقبلة ليس هو الهاجس الوحيد الذي يقلق زياد وفاطمة وغيرهم من سكان الضاحية الجنوبية والجنوب والبقاع.

فخلال 13 عاماً طوّرت إسرائيل أسلحتها الجوية والبحرية وأنظمة دفاعها، وهو ما يجعل المعركة دموية أكثر ومخيفة أكثر.

إلا أن المختص بالشأن الإسرائيلي حسن مرهج، يرى أنه لا يمكن القول إنه ستكون هناك حرب طويلة أو قصيرة، مرجحاً أن تقع "عمليات تكتيكية استراتيجية دقيقة من إسرائيل وحزب الله، أي استهدافات ضمن بقع جغرافية محدودة، مع تأطير أي ردّ بطريقة لا تُفضي إلى حرب واسعة".

ويضيف مرهج لـTRT عربي أن كل السيناريوهات المتوقعة في الفترة المقبلة تنطلق من أبعاد استراتيجية، ويوضح بأن "إسرائيل وحزب الله لا يريدان الحرب في هذا التوقيت السياسي، بل تحاول إسرائيل ترميم صورتها الردعية في المنطقة، وإعادة فرض قواعد اشتباك، إضافة إلى تفعيل منظومات دفاعية إقليمية".

ويوضّح أن "هذا الواقع يتوافق مع واشنطن، بخاصة أن نتائج الميدان السوري انعكست بتداعياتها على مُجمَل ملفات المنطقة، وأمريكا لا تريد جَرّ المنطقة إلى حرب كارثية غير مضمونة النتائج، لأنها تدرك أن أي حرب بين إسرائيل وحزب الله لن تبقى ضمن بقعة جغرافية واحدة، بل ستمتدّ إلى باقي مناطق الإقليم".

ووفق ما يقول المختصّ بالشأن الإسرائيلي، فإن جميع الأطراف لا ترغب في حرب في هذا المناخ السياسي والعسكري، ويتابع "يمكننا القول إن طبيعة الحرب ومساراتها لم تنضج بعد، بل توجد محاولات لرفع الأسقف السياسية لفرض الرؤى ضمن معادلات جديدة".

الكلّ في حالة تأهُّب

الجيش الإسرائيلي استعدّ، وأُمر بتقدُّم مدفعياته على الحدود مع لبنان وألغى تدريباته المقررة في الفترة المقبلة وخفض عدد الدوريات التي قد تتعرض للاستهداف شمال فلسطين المحتلة.

في المقابل ردّ الحزب على حادثة الطائرتين، فيما أعلن الأمين العامّ له حسن نصر الله قبل أيام، أن المواجهة على الحدود مع إسرائيل انتهت، لكنها أطلقت مرحلة جديدة لم تعُد بها خطوط حمراء، مشدداً على أن كل الجنود الإسرائيليين على الحدود وفي العمق "سيكونون في دائرة الاستهداف والردّ".

لا حرب قريبة الآن، هذا ما اتفق عليه متابعون ومحلّلون وكذلك مقربون من حزب الله. لكن متى ستُخلَط الأوراق من جديد، وتشتعل شرارة تؤجج المنطقة؟ سؤال سيبقى هاجساً يحوّل زياد كل صباح إلى مراقب جوّي، وفاطمة وجاراتها إلى جنود أعَدُّوا العُدَّة لأيام لا يحلم أحد بها، استعداداً للحرب.

شارع في الضاحية الجنوبية لبيروت الذي تدور حوله الأحداث (TRT Arabi)
في الحرب الماضية، نزحت فاطمة وعائلتها إلى سوريا، لكن مع الحرب المتواصلة هناك منذ سنوات فهذا الخيار شبه مستحيل (TRT Arabi)
أهالي لبنان متأهبون للسفر في أي وقت. يضعون حقائبهم قرب باب البيت تحسّباً لأي طارئ (TRT Arabi)
جوازات السفر جاهزة في حقيبة "الطوارئ" مع بعض الثياب والأغراض الصغيرة الثمينة التي لا يمكن تركها في المنزل (TRT Arabi)
TRT عربي