بعد نهاية الأسبوع الأوّل يبدو أن خروج اللبنانيين مختلفٌ هذه المرة سواء في أعداد المشاركين أو في الشعارات والمطالب المرفوعة (AP)
تابعنا

يومٌ سابع من عُمرِ الحراك اللبناني، يبدأ على وقع اشتباكاتٍ بين الجيش والمُحتجين، بعد محاولات الأوّل فتح عدد من الطرق المقطوعة بالمتاريس، منذ أيام، في بيروت العاصمة وصيدا جنوبي البلاد.

سبعةُ أيامٍ شهدت مظاهرات كبيرة لم تقتصر هذه المرة على العاصمة، وانتقلت إلى مدن أخرى، من طرابلس شمالاً، وصولاً إلى الجنوب اللبناني الذي ظلّ دائماً بعيداً عن أيّ تحرّك في المركز.

بعد نهاية الأسبوع الأوّل، يبدو أن خروج اللبنانيين مختلفٌ هذه المرة؛ سواء في أعداد المشاركين، أو في الشعارات والمطالب المرفوعة، أو حتى في قفزه على حواجز الطوائف ومتاريس المناطقية التي وسمت لبنان ما بعد الحرب الأهلية.

من "رياض الصلح" إلى "النور".. 7 أيامٍ في الشارع

يوم الأربعاء 16 أكتوبر/تشرين الأول، كان لبنان يصحو متثاقلاً بعد أيام حارب فيها المواطنون وقوات الدفاع المدني جنباً إلى جنب، حرائقَ طالت مساحات مزروعة بالأشجار جنوب بيروت، وغابات الصنوبر في الشمال.

ليلة الثلاثاء، هطلت أمطار على البلاد ساهمت في إطفاء ما تبقى من النيران، لكنّها لم تحسب حساب حريق جديد كان يلوح في الأفق، شأنها في ذلك شأن حكومة البلاد، التي كانت تجهّز قراراً سيُعطي شرارة انطلاق موجة احتجاجات جديدة.

يوم الخميس 17 أكتوبر/تشرين الأول، خرج وزير الإعلام جمال الجراح على اللبنانيين، مُعلناً فرضَ حكومته رسوماً على الاتصالات الصوتية عبر تطبيق واتساب وتطبيقات أخرى مماثلة، في إطار سعي حكومة الحريري إلى زيادة الإيرادات في مشروع ميزانية البلاد لعام 2020.

مساء اليوم ذاته، خرج آلاف اللبنانيين في تجمّع احتجاجي على القرار، أمام مقرّ الحكومة وسطَ بيروت، واستمروا في الاحتجاج حتى صباح الجمعة، وأغلقوا الطرق في الشمال والجنوب ووادي البقاع ومناطق أخرى، ودخلوا في مواجهات مع قوى الأمن التي واجهتهم بالغاز المسيل للدموع.

صباح الجمعة، كان ظاهراً للعيان أن #لبنان_ينتفض حقاً، فيما أسمته صحيفة النهار بـ"انتفاضة الضرائب"، بينما قالت صحيفة الأخبار إنها "ثورة الواتساب".

في الأيام التي تلت، امتلأت الشوارع والساحات بالمتظاهرين الغاضبين، من ساحتي رياض الصلح والشهداء في بيروت إلى ساحة النور في طرابلس شمالاً، وصولاً إلى ساحة دوّار إيليا في صيدا جنوباً.

"كلّن يعني كلّن".. موجز المطالب

مع توالي المظاهرات، بدا واضحاً الانزياح الحاصل في الشعارات التي رفعها المتظاهرون، فبعد أن كانوا يحتجون على الضرائب الجديدة والوضع الاقتصادي المزري في البلاد، انتقلت المطالب لتكون سياسة واضحة، تشير بالبنان إلى رموز سياسية، وتكيل لها الشتائم أيضاً، وصولاً إلى مطلب "إسقاط الحكومة".

طالت الهتافات كل الزعماء السياسيين دون استثناء، وتنوّعت بين استعادة هتافات "الربيع العربي" المطالبة بإسقاط النظام، وصولاً إلى وضع أركان الحكم في صف واحد دون تمييز، وإطلاق شعارات انتشرت بسرعة رغم "بذاءة" مفرداتها، حسب ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية.

لاحقاً، احتل شعار "كلّن يعني كلّن" الصدارة، في إشارة إلى المطالبة برحيل الطبقة السياسية كاملة، لا الحكومة فحسب.

بدا لافتاً تجاوز البعد الطائفي الذي حكم لبنان طيلة العقود الماضية، برفع شعارات ضد كل رموز المحاصصة الطائفية، ومشاركة مختلف الطوائف في المظاهرات مع ترديد شعارات من قبيل "إسلام ومسيحي مع دولة مدنية".

من جهة أخرى، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، غرّد اللبنانيون مستخدمين وسم #لبنان_ينتفض و#الشعب_يريد_إسقاط_النظام".

أسباب الأزمة.. في البدء كان الاقتصاد

حمل الحراك الأخير معه نقمة شعبية واضحة، وكان جلياً أنها مقرونة بأسباب اقتصادية. فبالإضافة إلى أنه جاء بعد فرض ضرائب جديدة، إلا أنه تساوق أيضاً مع ارتفاع سعر صرف الليرة في السوق السوداء مقابل الدولار للمرة الأولى منذ 22 عاماً.

وفي الوقت الذي لم تقدّم فيه السلطات تفسيراً واضحاً لارتفاع التسيّب المصرفي، اعتبر المتظاهرون أن قطاع المصارف، الذي يعود له الجزء الأكبر من ديون الدولة، مسؤول عن الأزمة وشريكٌ في إفقار اللبنانيين.

دفع الحراك الحكومة للتراجع عن حزمة الضرائب الجديدة، وخرج رئيس الوزراء سعد الحريري بخطة جديدة، كانت جل بنودها ذات طابع اقتصادي، بدءاً من إجبار القطاع المصرفي على المساهمة في خفض عجز الميزانية وزيادة الضريبة على أرباح المصارف.

كما شملت الخطة خفض رواتب الرؤساء والوزراء والنواب بنسبة 50٪، وقرارات متعلقة بالضمان الاجتماعي والكهرباء والسكن ودعم الأسر الأكثر فقراً، وتسريع إنجاز عدد من المشاريع الإنمائية، والتركيز على مكافحة الفساد واستعادة الأموال المنهوبة.

لم تلقَ قرارات الحريري صداها المتوقع، "فبعد سماع ردود الفعل الأولى، يبدو أن الشارع لم يبتلع الطعم. كان حريّاً بالحكومة أن تبادر، بالإضافة إلى التدابير الاقتصادية العاجلة، باتخاذ إجراءات أكثر جذرية، تقنع اللبنانيين الذين يطالبون بإصلاح شامل للنظام"، حسب تعبير كريم المفتي، أستاذ العلوم السياسية اللبناني.

من جهته، لفت المحلل الاقتصادي في مجموعة الأزمات الدولية هيكو فيمن، إلى أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة عبارة عن "تدابير تقنية قد تحسن الوضع المالي في البلاد، لكنّها لا ترقى إلى مستوى التحدي الذي يفرضه المحتجون".

#لبنان_ينتفض.. ماذا بعد؟

تعتبر هذه الاحتجاجات "الأوسع والأكبر والأهم، ربما، في تاريخ لبنان الحديث"، و"تسمح بالتكهن أن حصيلتها ستكون تغييراً سياسياً جذرياً في تركيبة السلطة وجدول أعمالها"، كما يقول الصحفي اللبناني ساطع نور الدين.

من جهته، يرى كريم المفتي أن "الحراك يفتقر، في هذه المرحلة، إلى شخصيات قادرة على تمثيله، والبحث عن بديل سياسي في ظل وضع اقتصادي وسياسي دقيق"، متسائلاً "إذا كانت الحكومة والبرلمان والرئيس لا يمثلون الشارع، فما البديل؟".

وحذّر المفتي من أن "الفراغ ليس خياراً"، لكنه أكد على أن الحراك استدعى "الرأي العام إلى مائدة الكبار، ويعتزم البقاء هناك".

في المقابل، يرى الكاتب السياسي اللبناني حازم الأمين أن البحث عن قيادة للتظاهرات في الوقت الراهن "سيكون خطأ قاتلاً"، ويضيف: "لا يبدو أن الوقت قد حان لكي تفرز التظاهرة قيادتها، فالزلزال الذي أصاب السلطة كافٍ لكي يُحدث مساراً، ولن يتوهم أحد بأن النصر وشيك. المهم أن المتظاهرين بدأوا في شق طريق من خارج انقساماتنا".

أمرٌ تتفق معه الصحفية اللبنانية عليا إبراهيم، التي قالت إن على المتظاهرين البقاء في الشارع، "إلى حين تحقيق مطالبنا"، وأضافت "إن عدنا إلى بيوتنا، سيعودون إلى فسادهم، وسنخسر قوة الدفع التي حاصرت السلطة الفاسدة".

TRT عربي