رتل من العربات العسكرية الأمريكية على الطريق الدولي في شمال سوريا  (AP)
تابعنا

وفي 6 نوفمبر/تشرين الثاني، وافق ترمب على "توسيع المهمة العسكرية الأمريكية" لحماية حقول النفط في شمال شرق سوريا، حسب وكالة “أسوشيتد برس"، التي قالت إن قرار ترامب أتى عقب اجتماع عَقَده مع مسؤولين في وزارة الدفاع.

ومنذ ذلك الحين، قامت القوات الأمريكية المتمركزة شمال شرقي سوريا بتعزيز وجودها وإرسال تعزيزات لوجستية ومعدات عسكرية، كما قامت بإنشاء نقاط تمركز جديدة لها في العمق، بعيداً عن آبار النفط التي شكّلت الذريعة المعلنة لبقاء هذه القوات.

نشاط عسكري متزايد

وزاد نشاط القوات الأمريكية في المنطقة خلال الأسابيع القليلة الماضية، لا سيما في شهر يناير/كانون الثاني الجاري، وعززت من انتشارها بعيداً عن المهام التي حددت لها في وقت سابق، ما يطرح تساؤلات حول أسباب هذا التحول وأهدافه، بل وأغراض الحضور العسكري الأمريكي في سوريا بشكل عام، لا سيما أن هذه ليست المرة الأولى التي يعلن فيها البيت الأبيض قراره بسحب القوات الأمريكية من سوريا، لتَؤول الأمور لاحقاً إلى زيادة عددية ونوعية.

وأحدث ما سُجّل على صعيد نشاط القوات الأمريكية في سوريا، قيام هذه القوات بشراء قطعة أرض في تل براك في محافظة الحسكة، بمبلغ 100 ألف دولار أمريكي من أجل إقامة قاعدة عسكرية جديدة في المنطقة، حسب وسائل إعلام محلية.

وتزامنت هذه الخطوة مع وصول تعزيزات عسكرية جديدة من معبر سيمالكا الحدودي مع العراق الذي يسيطر عليه تنظيم YPG الإرهابي، قادمة إلى قاعدة تل بيدر واستراحة الوزير بريف الحسكة.

وخلال الأسبوعين الماضيين كثفت القوات الأمريكية دورياتها المشتركة مع مسلحي YPG الإرهابي على طريق M4 الدولية التي تربط بين بلدة تل تمر والقامشلي في محافظة الحسكة. ونتيجة لهذه الدوريات، وقعت احتكاكات بين دوريات أمريكية وأخرى روسية لأربع مرات على الأقل، دون أن تسفر عن صدام بين الطرفين.

وفي ظلّ هذه التطورات، أعلن البنتاغون إعادة تفعيل عمليات مكافحة الإرهاب في سوريا "بعد توقف مؤقت"، وذلك على لسان الجنرال كينيث ماكنزي قائد القيادة المركزية للقوات المسلحة الأمريكية.

وفي حديث الجنرال إلى صحيفة واشنطن بوست، رفض تحديد مدة بقاء القوات الأمريكية في سوريا، قائلاً: "أنا بصراحة لا أعرف كم من الوقت سنبقى هنا، وليس لديّ أي تعليمات سوى مواصلة العمل مع شركائنا هنا".

ويتناقض هذا التصريح وهذا النشاط العسكري الموسع مع قرار الانسحاب المعلن من قبل البيت الأبيض والبنتاغون إبان عملية "نبع السلام"، وحتى مع الإعلان لاحقاً عن إبقاء وجود "مخفض" للقوات تقتصر مهمتها على حماية آبار النفط فقط.

التهديد الإيراني بعد مقتل سليماني

لا يمكن النظر إلى الخطوات العسكرية الأمريكية في سوريا بمعزل عن السياق الإقليمي. إذ إن تزايد النشاط العسكري الأمريكي يأتي بعد فترة وجيزة من تصاعد احتمالات اندلاع حرب إقليمية، بعد وصول التوتر إلى ذروته بين الولايات المتحدة وإيران مع اغتيال واشنطن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، وما ترتب على ذلك من تدهور لعلاقة واشنطن مع بغداد وطلب الأخيرة سحب القوات الأمريكية من العراق.

المحلّل السياسي والخبير في السياسات الأمريكية، عبد الرحمن السراج، يعتقد أن ما يحصل هو "إعادة توزيع للقوات الأمريكية بين سوريا والعراق، خاصة بعد إضافة مهمة جديدة للقوات الأمريكية في البلدين منذ قتل سليماني، وهي حماية نفسها".

ويرى "السراج" في حديث مع TRT عربي أنه رغم تقلص الوجود الأمريكي في سوريا، إلا أنه ربما يترسخ أكثر من حيث النوعية، مشيراً في هذا الصدد إلى تقرير لوكالة "أسوشيتد برس" التي رافقت إلى جانب "واشنطن بوست" الجنرال كينيث مكنزي قائد القيادة المركزية الأمريكية في جولته شرق سوريا، كشف عن أن القوات الأمريكية حوّلت بيوتاً قديمة قرب دير الزور إلى ثكنات ومراكز عمليات عالية التقنية.

ويجمع المراقبون على أنه ثمة خلاف بين الرئيس ترمب والبنتاغون في شؤون كثيرة، وعلى رأسها مسألة الانسحاب أو البقاء في سوريا.

"قرار قتل سليماني يدل على تجاوز ترمب للمؤسسة العسكرية الأمريكية، ولكن تظل هناك مرونة بين الطرفين بدلالة التسوية بينهما في سوريا مثلاً بعد أن تراجع ترمب عن الانسحاب، لكنه في الوقت نفسه سحب أكثر من ألف جندي. وأي استفزاز جديد من إيران يُقرّب بين ترمب والمؤسسة العسكرية أكثر"، يقول الخبير في السياسات الأمريكية عبد الرحمن السراج.

ما هدف الوجود الأمريكي في سوريا؟

أرسِلت أولى طلائع القوات الأمريكية إلى سوريا عام 2014 تحت مظلة الحرب على تنظيم داعش، غداة إعلان الأخير عن خلافته المزعومة، ولاحقاً جرى تأطير هذا الوجود الذي بدأ بعشرات الجنود ووصل إلى ألفين على الأقل في السنوات التالية في إطار التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش.

وعلى الرغم من هذا الهدف المعلن فقد كانت الأهداف الأخرى، حسب مراقبين، أن واشنطن تحاول من خلال حضورها العسكري في سوريا أن تملك أوراق قوة للتأثير على مصير العملية السياسية في سوريا، وليس الدفع الجاد نحو حلّ سياسي ووقف المجازر بحق المدنيين.

ومن خلال الدعم الذي أغدقت به على تنظيم PKK الإرهابي، لم تقضِ واشنطن على بيئة الإرهاب التي نما فيها تنظيم داعش، بل عززتها عبر السماح لتنظيم YPG بالتمدد إلى مناطق جديدة في سوريا ومنحه السيطرة على منابع النفط، حتى في المناطق التي تسود فيها غالبية عربية، ما يعني فتح الباب أمام النعرات والاحتكاكات العرقية والقومية، وإثارة الفتن بين مكونات الشعب السورية.

وبالإضافة إلى دعم مشروع انفصالي قائم على التطهير العرقي، عمدت واشنطن إلى تحويل سوريا لساحة مواجهة ساخنة، تصفي فيها حساباتها مع قوى إقليمية مثل إيران وروسيا.

"أمريكا طوال السنوات التسع الماضية، كانت تصافح المعارضة بيد وتطعنهم باليد الأخرى"، هكذا لخص الباحث والمستشار السياسي، باسل الحاج جاسم السياسة الأمريكية في سوريا خلال سنوات الصراع.

وأضاف، في حديث مع TRT عربي، أن "واشنطن استغلت ما يجري في سوريا، وتقاطع ما تريده مع مشروع انفصالي عرقي داخل أراضي الجمهورية العربية السورية لمصلحتها"، معتبراً أن "ظهور داعش بالنسبة لهم كان الجوكر الذي جعل ذلك المشروع الانفصالي الاستيطاني يدخل حيز التنفيذ".

وتساءل الحاج جاسم: "بماذا نفسر صمت واشنطن عن تهجير مئات الآلاف من العرب، هذا إذا لم يتجاوز العدد مليوناً وأكثر، من مناطق يشكلون فيها أغلبية مثل الحسكة والرقة وريف دير الزور وهدم بلدات وقرى عربية بأكملها وتسويتها بالأرض وتهجير أهلها في شمال وشرق سوريا؟ ولا أحد يتحدث عن مصير هؤلاء".

ورأى أن "واشنطن تعول على عامل الوقت واستمرار الخلاف العربي- العربي في الداخل السوري، من أجل ظهور واقع جديد يغيّر وجه سوريا ويهدد دول الجوار لاحقاً وصولاً إلى روسيا".

TRT عربي