تابعنا
على نحوٍ مفاجئ، أجرت السلطات السيادية في السودان تعديلات واسعة على جهاز المخابرات العامة، قضت بإحالة كل مديري الإدارات إلى التقاعد، كما شملت إعفاء نائب المدير اللواء عوض الكريم القرشي، الذي لم يمضِ على تعيينه سوى سبعة أشهُر.

منذ الإطاحة بالرئيس المعزول عمر البشير في الحادي عشر من أبريل/نيسان الماضي، تَعرَّض جهاز المخابرات المتهَم بقمع الثوار والمعارضين لثلاثة تعديلات، بدأت بتعيين الفريق أبو بكر دمبلاب في منصب المدير، بقرار من رئيس المجلس العسكري الانتقالي الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وذلك بعد ثلاثة أيام من عزل البشير، تحديداً عقب الاستقالة المفاجئة التي دفع بها الفريق أول صلاح قوش من منصبه مديراً للجهاز.

استقالة وثلاثة تعديلات

وقضى قرار البرهان -يومها- بتعيين اللواء عوض الكريم القرشي نائباً لمدير جهاز المخابرات العامة، قبل إعفائه وإحالته إلى التقاعد بصورة مفاجئة يوم الأحد، تزامناً مع إحالة 60 ضابطاً.

وأشار مصدر أمني مطّلع إلى أن القرشي يُعَدّ من المقرَّبين جدّاً إلى عضو مجلس السيادة، قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان حميدتي، الذي أوصى بتعيينه نائباً لمدير جهاز المخابرات، إذ عملا معاً في إقليم دارفور.

وقال المصدر الأمني لـTRT عربي، إن إقالة القرشي وإحالته إلى التقاعد يمكن أن يُفهَم منها وجود خلافات بين رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وحميدتي، حول طريقة إدارة جهاز المخابرات.

ولفت المصدر إلى أن البرهان أصدر في أبريل/نيسان الماضي، قراراً بإبعاد كل ضباط جهاز المخابرات الذين يحملون رتبة الفريق، وعددهم 8 ضباط، قبل أن يُصدِر في يوليو/تموز الماضي قراراً بإحالة 35 ضابطاً برتبة لواء، بجانب 21 ضباطاً برتبة عميد، فضلاً عن 24 ضابطاً من رتبة عقيد فما دونها، إلى التقاعد.

تفكيك هيئة العمليات

لم تتوقف التعديلات عند محطة إحالة عشرات من كبار الضباط إلى التقاعد، بل شملت تفكيك هيئة العمليات، الذراع العسكرية لجهاز المخابرات، التي تضمّ نحو 13 ألفاً من الجنود والضباط، وهي الهيئة المتهَمة بقمع المظاهرات التي خرجت ضدّ الرئيس المعزول عمر البشير، إذ قُتل أكثر من 90 شخصاً وَفْقاً للجنة أطباء السودان المركزية.

ويرى الخبير الأمني والمستشار السابق بجهاز المخابرات الفريق حنفي عبد الله، أن المجلس العسكري الانتقالي أعطي منسوبي هيئة العمليات بجهاز المخابرات أربعة خيارات: الاستمرار في العمل المدني بالجهاز، أو الانضمام إلى قوات الدعم السريع، أو الالتحاق بالاستخبارات العسكرية التابعة للجيش السوداني، أو إنهاء الخدمة.

وقال عبد الله لـTRT عربي، إن معظم أفراد الهيئة العسكرية اختاروا الاستمرار في جهاز المخابرات من خلال وحدات العمل الأمني المدني.

لكن الخبير الاستراتيجي اللواء متقاعد عمر المقبول، لفت إلى ما يُشبه السيطرة الجبرية من المجلس العسكري وقوات الدعم السريع على جهاز المخابرات العامة.

وقال المقبول لـTRT عربي، إن قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي وضعت يدها على عدد من مقارّ هيئة العمليات القتالية التابعة لجهاز المخابرات، وذلك في سياق الخلافات مع مدير الجهاز المستقيل الفريق صلاح قوش.

وأشار الخبير الاستراتيجي إلى أن المجلس العسكري حاول إرغام منسوبي الهيئة القتالية على الانضمام إلى قوات الدعم السريع، لكنهم تَصدَّوا لذلك من خلال تنفيذ وقفة احتجاجية، تزامنت مع زيارة مدير الجهاز لمقر الهيئة، مما أدَّى إلى قطع الطريق على نقلهم إلى قوات الدعم السريع.

ونوّه المقبول بأن تفكيك هيئة العمليات، وهي الذراع العسكرية لجهاز المخابرات، يهدف إلى تجريد مديره المستقيل صلاح قوش، من مصدر قوّته، بوصفه مؤسس تلك الهيئة القتالية، وذلك بسبب خلافه مع قادة المجلس العسكري، مما دعاه إلى الاستقالة ومغادرة السودان سرّاً، والإقامة في القاهرة.

هيكلة أم تصفية؟

القرارات المتتالية التي صدرت من السلطات السيادية بتفكيك هيئة العمليات القتالية، وإحالة أكثر من 148 من ضباط جهاز المخابرات إلى التقاعد، أوجدت حالة من الجدل حول الهدف من تلك التعديلات.

هنا يقول الخبير الأمني والمستشار السابق بجهاز المخابرات الفريق حنفي عبد الله، إن الإحالات والإقالات تأتي في سياق تحويل الجهاز لدوره الجديد في جمع المعلومات وتحليلها وتقديمها للجهات المختصة، وفقاً لنَصّ الوثيقة الدستورية التي وقّعَتها قوى الحرية والتغيير مع المجلس العسكري الانتقالي المحلول، في 17 من أغسطس/آب الماضي.

ونفى عبد الله وجود أي مخطط سياسي وراء تلك القرارات، مشدّداً على أنه لا ضباط بجهاز المخابرات ينتمون تنظيميّاً إلى المؤتمر الوطني، حزب الرئيس المعزول عمر البشير.

لكن الخبير الاستراتيجي اللواء متقاعد عمر المقبول، رأى أن جهاز المخابرات يضمّ مئات من منسوبي الحزب الحاكم السابق، مشيراً إلى أن عمليات الإحالة تستهدف الضباط ذوي الانتماء الحزبي الصارخ، مستدلّاً بإبعاد عدد من المقربين للرئيس المعزول من الخدمة، مثل اللواء محمد حامد تبيدي واللواء أنس عمر، الذي يتولى حاليّاً منصب رئيس حزب المؤتمر الوطني بولاية الخرطوم.

بدوره طالب المحلل السياسي عثمان المرضي، بحلّ جهاز المخابرات كلّيّاً، وتوزيع مهامِّه بين الشرطة والاستخبارات العسكرية، بدلاً من محاولات هيكلته، لأنها لن تنتج سوى جهاز جديد يحمل الولاء للنظام السابق، على حد قوله.

وأشار المرضي في حديثه لـTRT عربي، إلى أن رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان حينما أطاح باللواء عوض الكريم القرشي، المقرَّب من قائد الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان حميدتي، من منصب نائب مدير جهاز المخابرات، وقع في فخ جديد بتعيين أحد رموز النظام السابق في ذات المنصب الحساس.

وكان البرهان عيّن اللواء أحمد إبراهيم مفضل، نائباً لمدير جهاز المخابرات، ممَّا أثار جدلاً واسعاً في المشهد السياسي والأمني السوداني.

وشغل اللواء مفضل منصب مدير هيئة المخابرات الخارجية بجهاز المخابرات، كما شغل منصب والي ولاية جنوب كردفان، حتى لحظة الإطاحة بالرئيس المعزول عمر البشير.

وقال المحلل السياسي عثمان المرضي إن اللواء مفضل يُعَدّ من رموز النظام السابق، وكان يعلن مساندته لاستمرار البشير رئيساً للسودان، كما أنه صوّب انتقادات حادة للمظاهرات التي كانت تخرج لإسقاط النظام، خلال توليه منصب والي ولاية جنوب كردفان.

وأشار المرضي إلى أن ذلك يؤكّد ضرورة حلّ جهاز المخابرات، لأن معظم ضباط الجهاز يدينون بالولاء لحزب الرئيس المعزول، مما يعني -والحديث للمحلل السياسي- أن جهاز المخابرات المتهَم بقمع المعارضة في عهد البشير، لا يزال يشكل خطراً على الثورة والثوار.

TRT عربي