تابعنا
يحتجّ طلبة الطبّ بالمغرب منذ أكثر من ثلاثة أشهر، مضربين عن الدروس ومقاطعين الامتحانات المقبلة، الأمرُ الذي قد يؤدي إلى إعلان سنةٍ بيضاء، بينما تصرّ الحكومة على أنّ مطالب أطباء المستقبل غير قانونية.

الرباط ـــ منذ أزيد من ثلاثة أشهر والدراسة متوقفة بكليات الطب بالمغرب، بسبب احتجاجات طلبة الطب والصيدلة وطب الأسنان، التي تحولت إلى إضراب على الدروس النظرية والتطبيقية ومقاطعة شاملة لامتحانات نهاية السنة الدراسية، ما يهدد بإعلان سنة بيضاء لأزيد من 13 ألف طالب.

ويحتج أطباء المستقبل بالمغرب، على "عدم استجابة" وزارتَي الصحة والتعليم العالي لمطالبهم، والتي من ضمنها رفضهم "خصخصة" قطاع التكوين الطبي ودعوتهم لتحسين ظروف الدراسة والتدريب الذي يخضعون له في المستشفيات الجامعية.

وأمام تعثر الحوار بين ممثلي الطلبة والحكومة وفشل مساعي الوساطة، تصرّ الوزارتان على أن المطالب المشروعة تمت الاستجابة لها وسيتم تطبيقها، أما النقاط العالقة "غير قانونية ودستورية"، داعية الطلبة لإنهاء الإضراب والمقاطعة.

"تمسّك بالمطالب"

تتمثل أبرز المطالب التي يرفعها طلبة الطب والصيدلة وطب الأسنان، مُمَثِّلين في التنسيقية الوطنية لطلبة الطب، في رفضِهم إدماج طلبة الكليات الخاصة في المستشفيات الجامعية العمومية، خصوصاً، فيما يتعلق بالتدريبات الاستشفائية وخوض مباريات التخصص، علاوة على رفضهم إضافة سنة سادسة لدراسات طب الأسنان، وهما أكثر نقطتين مثيرتين للخلاف بين الحكومة والطلبة.

ويطالب الطلبة بجعل التكوين الطبي في القطاع العام موازياً للقطاع الخاص دون تداخل بينهما. يقول المنسق الوطني لطلبة الطب أيوب أبوبيجي، إن "أي تداخل سيسمح للقطاع الخاص بالاقتيات من أطر التدريس ومن أرضية التدريبات الاستشفائية العمومية وعلى مناصب التخصص، ما سيأزم مشاكل الاكتظاظ والنقص الحاد في الأساتذة التي يعاني منها التكوين العمومي".

ويعود قرار إحداث كليات الطبّ الخاصة في المغرب إلى سنة 2013، وأثار آنذاك الكثير من الجدل وردود الفعل الرافضة للقرار الذي عللته الحكومة بحاجة الدولة إلى المزيد من الأطباء، حيث كان التكوين في المجال الطبي محصوراً في كليات الطب العمومية.

في هذا الصدد، قال وزير الصحة المغربي، أنس الدكالي، خلال ندوة صحفية الأسبوع الماضي، إن مطلب إقصاء خريجي الطب الخاص من مباريات التخصص "غير دستوري". مضيفاً أن "الحكومة سترفع من عدد مقاعد مباريات التخصص لأن المغرب في حاجة إليهم، ولا يمكننا سد الخصاص إلا بفتح الباب أمام جميع الكفاءات المغربية سواء خريجي الكليات الطب العمومية والخصوصية".

وإلى جانب مطالب رفض الخصخصة، يرفع الطلبة الأطباء مطالب بتحسين ظروف التكوين داخل المستشفيات الجامعية العمومية، وظروف التأطير بالمستشفيات الجهوية، من خلال "رفض وضع الميزة على الامتحان الوطني التأهيلي والرفع من منحة السنة السابعة، ورفع الضبابية عن السلك الثالث للدراسات الطبية ما يخص طلبة الصيدلة فضلاً على رفض إضافة سنة سادسة لدراسات طب الأسنان، حسب تصريح الطبيبة المغربية إيمان بلعباس، لـTRT عربي.

ولم يثن مشروع الاتفاق الذي تقدمت به وزارة التعليم العالي ووزارة الصحة قبل أسبوعين، وبلاغهما الذي أعلنتا فيه أجرأة 14 نقطة من الاتفاق، (لم يثن) التنسيقية الممثلة للطلبة عن وقف الإضراب، بل تم عرض الاتفاق على الطلبة الذين صوتوا ضده، وقرروا التصعيد ومقاطعة الامتحانات التي انطلقت بداية الأسبوع الجاري.

"تعثر الحوار"

عُقدت بين الوزارتين والتنسيقية مجموعة من اللقاءات، غير أنها لم تسهم في حلحلة الوضع. ويلقي المنسق الوطني للطلبة أيوب أبوبيجي مسؤولية تعثر الحوار على للحكومة، معتبراً أنها "لا تتفاعل مع مطالب الطلبة بجدية ومسؤولية وتغيب لديها الإرادة الحقيقية لتحقيق مطالب الطلبة المشروعة والعادلة".

يضيف أبوبيجي في تصريحه لـTRTعربي، أن الطلبة تعرضوا "لأساليب الترهيب والتهديد بالطرد والترسيب من طرف الوزارتين، كما تم اتهام الممثلين والطلبة بالتسييس، بدل التعامل بشكل سليم وموضوعي في تدبير الملف، وإعمال مبدأ الحوار".

من جانبهما تقول الوزارتان، إنهما استجابتا لجميع مطالب الطلبة الأطباء، باستثناء نقطتين تعتبرانهما "غير شرعيتين"؛ هما رفض مباراة التخصص ورفض السنة السادسة في طب الأسنان. وانتقدتا غياب الصلاحيات التقريرية لدى ممثلي الطلبة الأطباء وهو ما يجعلهما بدون مخاطب ويُعقِّد الحوار، على حد قول وزير التعليم العالي، سعيد أمزازي.

"سنة بيضاء أهون من مستقبل أسود"

كان الشعار الذي رفعه الطلبة الأطباء خلال المسيرة الوطنية التي عقدت يوم الخميس الماضي بمدينة الرباط، والتي حج إليها آلاف الطلبة من مختلف كليات الطب بالمغرب، حيث جددوا خلالها دعوتهم الحكومة للاستجابة لملفهم المطلبي، وتأكيدهم عن مقاطعتهم الامتحانات ولو كلفهم الأمر التضحية بسنة من عمرهم الجامعي.

منذ بداية الاحتجاجات، ناضل الطلبة بطرق سلمية وحضارية تمثلت في أشكال احتجاجية، في الشارع وعلى وسائط التواصل الاجتماعي، كما اتخذوا قراراتهم بطريقة ديمقراطية عن طريق تصويت الجموع العامة للطلبة على مختلف القرارات.

قرارات الطلبة، تمخض عنها قرار مقاطعة الامتحانات والتي تمت بنسبة 100% وطنياً، حسب المنسق الوطني الوطني، الذي يسترسل كاشفاً أن "الكليات عرفت انتشاراً أمنياً كثيفاً، ما جعل الطلبة ينسحبون جميعاً من الكليات إذ التحق آباء الطلبة وأولياء أمورهم بالكليات للتعبير عن مساندتهم لمطالب الأبناء.

عن مشروعية المطالب التي يحملها الطلبة الأطباء، قال المحامي المغربي، نوفل البعمري، إنها "جد مشروعة"، معتبراً في تصريح لموقع TRT أن على الحكومة "أن تجلس مع ممثلي الطلبة المحتجين، وتستمع إليهم وتستجيب لمطالبهم، بخاصة أن معركتهم في جزء كبير منها دفاع عن التعليم الجامعي في كليات الطب العمومي أمام تغول الجامعات الخاصة".

واعتبر المحامي المغربي، أن "ما ينقص المغرب هو أن تتحول هذه الاحتجاجات الفئوية إلى إعلان عن ميلاد طبقة متوسطة جديدة بوعي اجتماعي وطبقي جديد يغلّب ميزان الصراع لصالح هذه الفئة ولصالح قواها الاجتماعية".

حول الخطوات المستقبلية التي يعتزم الطلبة خوضها بعد مقاطعة الامتحانات، يصرح أيوب أبوبيجي بـ"عزم الطلبة على الاستمرار في النضال إلى حين تحقيق مطالبهم العادلة والمشروعة، لأن المطالب لا تهم فقط مستقبلهم بل أيضاً مستقبل الأجيال القادمة من الطلبة".

يطالب الطلبة بجعل التكوين الطبي في القطاع العام موازياً للقطاع الخاصدون تداخل بينهما (Getty Images)
TRT عربي