تابعنا
في ظل الشائعات عن قرب حدوث انفراج الأزمة الخليجية، يتولد ترقب لدى الرأي العام الذي تعود على ذلك كلما تفوه مسؤول بما يفيد قرب إنهاء هذه الأزمة التي تنخر في مجلس التعاون الخليجي منذ الخامس من يوليو/ تموز 2017.

مرة أخرى، تطفو على السطح شائعات عن قرب حدوث انفراج الأزمة الخليجية.

وككل مرة، يتولد عن تلك الشائعات ترقب لدى الرأي العام الذي تعود على ذلك كلما تفوه مسؤول بما يفيد قرب إنهاء هذه الأزمة التي تنخر في مجلس التعاون الخليجي منذ الخامس من يوليو/ تموز 2017.

في هذه المرة، صرح وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان بن عبد الله، متحدثاً إلى معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، في الثاني والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول 2020 عن قرب التوصل الى حل للأزمة مع قطر. تصريح أسال المداد وتحول مادة دسمة داخل الغرف الافتراضية وفي مجالس الخليجيين، لكنه جاء عديم التفاصيل لا يشبع الفضول.

فكانت النتيجة أن أعيد طرح السؤال عن نتائج المساعي الحميدة التي تسلكها الكويت منذ بداية الحصار السعودي الإماراتي البحريني المصري على قطر في 2017. و أيضاً عن طبيعة الدور الأمريكي الذي بدأ محتشماً عند اندلاع الأزمة.

"تصلح الرياضة ما أفسدته السياسة"!

التأويلات المتفائلة لتصريحات وزير الخارجية السعودي تذكر المهتمين، من دون شك، بتفاؤل آخر كان أظهره بعض المراقبين غداة تنظيم قطر لبطولة الخليج لكرة القدم "خليج 24" في 26 نوفمبر 2019 وموافقة كل من السعودية والبحرين على المشاركة في هذا النزال الكروي.

كان البعض رأى - وقتها- في هذه الاحتفالية الكروية الخليجية، وفي وصول الجماهير المشجعة البحرينية والسعودية إلى قطر على متن طائرات استعملت خطوطاً جوية مباشرة بين الرياض والدوحة ثم المنامة والدوحة، بداية لإنهاء الحصار الجوي المفروض على قطر. بل إن هذا التفاؤل لخصه أحد ساسة دول الخليج برفع شعار: "قد تصلح الرياضة ما أفسدته السياسة".

على نفس هذه النبرة المتفائلة عزف أيضاً وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في روما أثناء مشاركته في "منتدى حوارات المتوسط" نهاية العام الماضي، حين صرح بحصول تقدم في مباحثات قطر مع السعودية مؤكداً "أن قطر يحذوها بعض الأمل بأن تفضي المباحثات إلى نهاية الأزمة".

ويقول عارفون إن الوساطة الكويتية أثمرت عند متم العام الماضي "مسودة تفاهمات" تقوم على تقديم قطر لرؤية مستقبلية لعلاقاتها مع السعودية بعد أن تضمن سحب السعودية والإمارات والبحرين ومصر للنقاط الـ13 التي كانت تطالب بها قطر. ومن بينها إغلاق قناة الجزيرة وتسليم مطلوبين مجنسين قطريّاً لمصر، بالإضافة إلى خفض مستوى العلاقات القطرية الإيرانية، وإغلاق قاعدة عسكرية تركية في قطر.

وكانت نية الوسيط الكويتي تتجه نحو تتويج أي تقارب يحصل في وجهات نظر الفرقاء بعقد مؤتمر للمصالحة يعيد ترتيب أوضاع البيت الخليجي. لكن سرعان ما توقفت بوادر الانفراج واستمر التعاون الإقليمي بين أطراف النزاع معطلاً بعد أن عادت دول الحصار للتشبث بالمطالب الـ13 وباشتراطاتها المعلنة.

اقرأ أيضاً:

ولاشك أن سمعة الرياض الدولية المثقلة بفضيحة اغتيال الكاتب الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية المملكة في إسطنبول في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2018 وتعرض منشأتين لشركة أرامكو النفطية في محافظتي بقيق وخريص، لأكبر هجوم للحوثيين في العمق السعودي، في الرابع عشر من سبتمبر/أيلول 2019 جعلها تعيد حساباتها الإقليمية وتأخذ التهديد الإيراني على محمل الجد.

ومما لاشك فيه أن الرياض أيقنت ساعتها أن اكتفاء واشنطن باتهام إيران بالضلوع في هذا الهجوم الذي استهدف أكبر حقلين سعوديين للنفط في العالم، وعدم اتخاذ واشنطن لأي إجراء عقابي ضد طهران ينم عن رغبة الرئيس دونالد ترمب في تفادي أي مواجهة عسكرية أمريكية مفتوحة مع إيران قد تنعكس سلباً على حملته الانتخابية. ولرُبما كان ذلك عاملاً أيضاً أملى على الرياض التخفيف من حدة سياستها العدائية ضد قطر.

لماذا غابت الأزمة الخليجية عن الرئاسيات الأمريكية؟

تحركت الآلة الانتخابية للمرشح الجمهوري دونالد ترمب خلال الشهور الأخيرة من حملته الانتخابية في اتجاهين واضحين:

1- ورقة التطبيع مع إسرائيل :

تميزت بسعي المرشح ترمب إلى نزول إدارته بكامل ثقلها للضغط على دول خليجية وعربية للانضمام إلى عملية التطبيع مع إسرائيل التي كانت الإمارات أول المنخرطين فيها. وهو عامل وظفه الرئيس الأمريكي لخدمة ناخبيه الإنجيليين المسيحيين الأمريكيين المؤيدين لإسرائيل من جهة، ولخدمة استراتيجيته الهادفة إلى ممارسة مزيد من الضغط على إيران من جهة ثانية.

2 - الأزمة الخليجية:

يلاحظ أن الإدارة الأمريكية لم تتحرك بشكل جدي لحلحلة الأزمة الخليجية سوى في شهر يوليو/تموز الماضي بهدف جمع حلفائها الخليجيين إلى طاولة المفاوضات في واشنطن. واستند منظرو هذه الخطوة في رسم تصورهم على أوراق السيناتور ليندسي غراهام الذي زار الدوحة في كانون الأول – ديسمبر 2019 وعرض على فرقاء الأزمة تصوراً أمريكياً لمستقبل منطقة الخليج يروم قيام مصالحة بين قطر ودول الحصار الخليجية وإعادة ترتيب البيت الخليجي بشكل يفضي إلى قيام جبهة خليجية موحدة ضد إيران.

ونتيجة لقرب موعد الانتخابات الرئاسية، سابق الرئيس الأمريكي عقارب الساعة، منذ مايو/أيار الماضي، واستطاع أن يقنع الفرقاء بـ"حزمة أفكار" تحقق برأي معاونيه المصالحة الخليجية، وتهديه ورقة ثانية للتفاخر بها على غريمه الديمقراطي في معركة الانتخابات. لكن الإمارات أوقعت بمخطط الرئيس ترمب!

وبكلمات أخرى، أضاع الإماراتيون على الرئيس ترمب فرصة استعماله الأزمة الخليجية ورقة انتخابية تزكيه عند الناخبين. كما أضاعوا عليه فرصة تحقيق ما يسميه بـ"تجفيف المنابع المالية لإيران" التي تتقاضى من قطر مبلغ 133 مليون دولار مقابل سماحها استعمال الخطوط الجوية القطرية لمجالها الجوي بسبب منعها من قبل دول الحصار استعمال مجالاتها الجوية.

وكان جلياً أن آمال نجاح الوساطة الأمريكية تبخرت وتكرست مؤشرات "انتكاسة المبادرة الأمريكية" من خلال ما شهدته منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الأخيرة من عودة محاصري قطر إلى التراشق الخطابي وشن هجماتهم الشرسة ضد قطر وقيادتها.

ما يشي بأن الأزمة الخليجية لربما عادت إلى نقطة الصفر، وأن شائعات قرب التوصل الى حل تظل متنفساً لكل من يترقب حدوث ذلك في انتظار معرفة نتائج الانتخابات الأمريكية وتحديد اسم القادم إلى البيت الأبيض.

TRT عربي