تابعنا
على وقع أزمة حكومية حادة باتت تطل برأسها في تونس، وتصاعد الخلافات بين شركائها المفترضين، أطلق رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي دعوة للتغيير داخل الحكومة، وإجراء تعديلات على تركيبة الائتلاف الحكومي، بسبب ما وصفه بـ"اهتزاز الثقة" بين الأطراف المكونة له.

دعوة رئيس حركة النهضة للتغيير ولتوسيع الائتلاف الحكومي الحالي ليشمل أحزاباً أخرى حققت تمثيلاً برلمانياً وازناً خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة، على غرار حزب "قلب تونس"، وردت خلال حوار له عبر قناة "نسمة" الخاصة المملوكة لرئيس الحزب نبيل القروي، الذي سبق أن تمسك رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ بعدم إشراكه في مفاوضات تشكيل الحكومة.

حركة النهضة، التي تعد المُكوّن الرئيس للحكومة الحالية، بأكبر عدد من الوزراء وكتاب الدولة، كانتقد امتنعت عن الإمضاء على وثيقة ما يسمى بالتضامن الحكوميالتي دعا لها رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ، في مسعى منه لتنقية الأجواء السياسية بين مكونات الائتلاف الحكومي النهضة وتحيا تونس وحركة الشعب والتيار الديمقراطي، إثر تصاعد الخلافات بين الشركاء السياسيين التي غذتها صراعات وتجاذبات إيديولوجية وقضايا إقليمية في مقدمتها القضية الليبية.

طعنة في الظهر

مراقبون اعتبروا أن الجلسة التي عقدها البرلمان التونسي حول الدبلوماسية البرلمانية في علاقة بالملف الليبي، سرّعت من دعوة حركة النهضة للتغيير داخل الحكومة ومراجعة علاقتها بشركائها المفترضين داخلها، بعد أن استشعرت "الخيانة" إثر اصطفاف كل من حركة الشعب وتحيا تونس مع الحزب الدستوري الحر الذي يجاهر بعدائه للنهضة وللثورة التونسية.

رئيس كتلة حركة النهضة في البرلمان نور الدين البحيري وصف بدوره في مداخلة إعلامية محلية تصويت حليفته في الحكومة، حركة الشعب، على لائحة برلمانية حول ليبيا تقدم بها "الدستوري الحر" سليل نظام بن علي، بأنها "طعنة في الظهر".

حزب النهضة بات متمسكاً أكثر من أي وقت مضى بإدخال تعديلات على تركيبة الائتلاف الحكومي بسبب غياب مبدأ التضامن.

خليل برعومي، المكلف بملف الإعلام في حركة النهضة

خليل برعومي المكلف بملف الإعلام في حركة النهضة، اعتبر في حديثه مع TRT عربي أن حزبه بات متمسكاً أكثر من أي وقت مضى بإدخال تعديلات على تركيبة الائتلاف الحكومي بسبب "غياب مبدأ التضامن، وعنصر الانسجام بين مكوناته في علاقة بالقضايا المحلية والإقليمية، وحتى في البرامج والسياسات الاقتصادية والاجتماعية".

وقد شدد القيادي في حركة النهضة على أن دعوة الغنوشي لتوسيع الحزام الحكومي بإشراك "قلب تونس" باعتباره صاحب التمثيل النيابي الثاني في البرلمان، ليس بالجديد بل سبق أن طرحه إبان مفاوضات تشكيل الحكومة، لافتاً إلى أن "الهدف من ذلك هو الوصول إلى أغلبية حكومية منسجمة، وتحالف حكوميصلب، تعبّر عنه في الوقت نفسه أغلبية برلمانية مريحة خلافاً للوضع الحالي".

وحول إمكانية انسحاب حركة النهضة من الحكومة اعتبر برعومي أن "حزبه وجه رسالة مباشرة لباقي شركائه ولرئيس الحكومة إلياس الفخفاخ وما عليهم سوى التقاط الرسائل"، وفق تعبيره.

من جانبه، اعتبر رئيس حزب قلب تونس نبيل القروي الذي يبحث٫ حسب مراقبين٫ عن موطئ قدم له داخل حكومة إلياس الفخفاخ، في أكثر من مداخلة إعلامية أن الاستقرار السياسي والحكومي في البلاد رهين العمل المشترك بين حزبه وبين النهضة، مؤكداً أن علاقته برئيس الحركة جيدة، ويسودها الاحترام المتبادل.

القيادي بقلب تونس جوهر المغيربي اعتبر في حديثه مع TRT عربي أن الحكومة الحالية تفتقر للتجانس والتوافق الحقيقي بين الائتلاف البرلماني والائتلاف الحكومي، ما أثر سلبا على أداءها وعرقل المصادقة على المشاريع الحكومية والقوانين التي من شأنها تسهيل عملها وتنفيذ برامجها.

لحكومة الحالية تفتقر للتجانس والتوافق الحقيقي بين الائتلاف البرلماني والائتلاف الحكومي ما أثر سلبا على أدائها.

جوهر المغيربي، قيادي بقلب تونس

وشدد على أنه "من غير المعقول أن يكون الحزب الثاني الفائز في الانتخابات التشريعية –قلب تونس- في المعارضة وأحزاب أخرى لم تحقق أي نتيجة في الانتخابات تشارك في الحكم"، لافتا إلى أن حزبه لا يبحث عن السلطة ويرفض أن يكون تواجده صلب الحكومة كتكملة عدد، لكنه مستعد بالمقابل إلى أن يطرح نفسه كبديل وينخرط في مشاورات جدية لتوسيع الحزام السياسي للحكومة وفق ما تقتضيه مصلحة البلاد وعلى أساس برنامج اقتصادي واجتماعي واضح.

دعوة رئيس حركة النهضة لإشراك "قلب تونس" في الحكومة تصطدم برفض شركائها في الحكم، حركة الشعب والتيار الديمقراطي وتحيا تونس، بالإضافة إلى تشبث رئيس الحكومة الفخفاخ بموقفه المبدئي الرافض لهذه الخطوة والذي عبّر عنه منذ الأيام الأولى من مفاوضات تشكيل الحكومة.

وفي هذا الصدد رد القيادي بحركة الشعب خالد الكريشي في تصريح لـTRT عربي على دعوة الغنوشي لتوسيع الائتلاف الحكومي بالقول إنه مطلب "غير جدي وغير قانوني"، لافتاً إلى أنه "ليست من صلاحيات رئيس حركة النهضة ضبط تركيبة الحكومة أو إدخال تعديلات عليها".

الكريشي عبر عن استغرابه من دعوة الغنوشي لإجراء تعديلات على التركيبة الحكومية الحالية والتي لم تتم بعد مائة يوم من العمل، الأمر الذي من شأنه أن يربك أداء أعضائها في وقت تعيش فيه البلاد على وقع أزمات صحية واجتماعية واقتصادية.

وقد اتهم القيادي في حركة الشعب رئيس حركة النهضة بالدفع نحو تأزيم المشهد السياسي في البلاد، وضرب الاستقرار الحكومي، مؤكداً أن "حزبه لن ينسحب من الحكومة إعلاء للمصلحة الوطنية، مجدداً في الآن نفسه رفض إشراك حزب قلب تونس في الحكومة".

قيادات من حزب التيار الديمقراطي عبرت بدورها عن رفضها القاطع لإشراك قلب تونس في الحكومة.

قيادات من حزب التيار الديمقراطي عبرت بدورها عن رفضها القاطع لإشراك قلب تونس في الحكومة، حيث أكدت النائبة عن التيار سامية عبو في تصريح إعلامي محلي أن حزبها ينضم لموقف حركة الشعب وبأن الحزبين اتفقا على أن يكونا شريكين في الحكم وفي المعارضة، داعية رئيس حركة النهضة للكف عن محاولات تقسيم الأحزاب والكتل البرلمانية.

أزمة سياسية

المحلل السياسي رضا الكزدغلي، وصف خلال حديثه مع TRT عربي دعوة الغنوشي لإحداث تغييرات جوهرية في صلب الحكومة، بالأمر المتوقع على ضوء غياب الانسجام، وتفاقم الخلافات مع شركائه المفترضين، ولعل مخرجات جلسة التصويت حول الملف الليبي كانت حاسمة في حسم النهضة موقفها وإطلاق الغنوشي الدعوة للتغيير.

إشراك حزب قلب تونس في الحكومة بطلب من حركة النهضة يأتي بحسب الكزدغلي في إطار "صفقة سياسية" تحقق أكثر من هدف لحركة النهضة ورئيسها راشد الغنوشي في ظل ما أشيع في كواليس البرلمان عن مساعي حثيثة من قوى حزبية لتكوين كتلة برلمانية وازنة، وإقناع قلب تونس بالمشاركة فيها، يمكن على إثرها الوصول للنصاب القانوني (109 أصوات) والإطاحة بالغنوشي من رئاسة مجلس النواب.

يخلص الكزدغلي للقول بأن خروج الغنوشي عبر القناة المملوكة لرئيس قلب تونس، يهدف لإحداث تغييرات في المستقبل السياسي للحكومة فيما يخص العلاقة بالتوازنات البرلمانية والحكومية، لكنه يحذر بالمقابل من اصطدام مطلب الرجل برفض رئيس الحكومة، ما ينبئ بأزمة حكومية حادة قد تعصف بوجودها، وتجبر الجميع على إعادة خلط الأوراق.

وبانتظار ردود الفعل الرسمية للأحزاب ولرئيس الحكومة إلياس الفخفاخ حول طلب حركة النهضة إحداث تغييرات تجاه إشراك حزب قلب تونس، تجمع الأوساط السياسية على أن الحكومة الحالية والتي رأت النور بعد مخاض عسير في فبراير/شباط الماضي، قد لا تكمل عامها الأول مع تصاعد حدة الاستقطاب السياسي وتنامي العداء الأيديولوجي بين شركاء الحكومة الواحدة.

TRT عربي